حملت معي إدماني للسينما حيث كنت أدخل سينمات الأهلي ومصر والحرية في بورسعيد بين أعوام ١٩٦٤ و١٩٦٧، وفي نفس العام خرجنا مهاجرين للقاهرة في رحلة استمرت عاما كاملا ويزيد. خرجنا في أغسطس ١٩٦٧ ووصلنا القاهرة في سبتمبر ١٩٦٨.
وفي الفترة نفسها أيضا تناهى إلينا أحداث الانقلاب الباريسي في دعوة للتخلص من جيل الآباء الذي مثله ديجول في فرنسا، وأيضا ظاهرة العودة للطبيعة في الولايات المتحدة وأوروبا والتي كانت أبرز أشكالها ظاهرة الهيبيز والشعور الطويلة والبنطلون الشارلستون الطويل، والقميص المفتوح ذو الياقات العريضة والملابس المايكرو للنساء.
في القاهرة عام ١٩٦٨ أتذكر أن أول ما فعله أبي ليخفف عنا عناء السفر وليشعرنا بالطمأنينة أنه دعانا أمي وأنا لمشاهدة فيلم “البوسطجي” المأخوذ عن عمل روائي ليحيى حقي بالاسم نفسه وذلك في سينما رمسيس، ولكنه على حبه ليحي حقي والسينما القديمة فوجئ بأن الفيلم لا يخلو من بعض المشاهد والإشارات التي كان يراها خارجة عن كل ما عرفناه قبل هذا العام!
كنت قبلها بقليل قد بدأت رحلتي مع مجلات الكوميكس، التي استمرت حتى عام ١٩٧٤، قبلها بعامين كانت المجلات العارية تتسرب للمجتمع المصري، وأصبحت موجودة في كل مكان، تأتي عبر السياح والطائرات والموانئ ومهربة عمدا إلينا وهي ليست للقراءة، إنها للمشاهدة، المشاهدة فقط، خالقة فراغا عنيفا في الرأس، ومدمرة لأعشاش الطيور القدسية التي طالما دارت حول الرؤوس الصغيرة البريئة في مجلات الأطفال ومجلات الكوميكس التي أصبح لها تقاليد وقواعد راسخة مع الوقت.
هناك جسد عار ليس الهدف منه الفن، بل الغريزة ولا شيء غيرها، لم تكن المرة الأولى التي أرى فيها جسدا عاريا، فالمنحوتات القديمة الرومانية تحديدا كانت تجد في الجسد نوعا من الجمال الخلاب، طالما تفنن النحاتون في نحته وتمثيله ووضعه في الميادين العامة اعترافا بجمال الفن.
كانت صور المشاهد غير المألوفة تسكن هامشا مستأنسا، وكانت فوقها عشرات الظلال التي تجعلها بعيدة عن الوعي، لكن ما حدث بعد وقوع أول نسخ منها وهي مجلة “بلاي بوي” بين أيدي طلاب المدارس الإعدادية والثانوية الذين كانوا يمثلون تجمعات ضخمة من المراهقين الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم خمس عشرة عاما في نهاية الستينيات كان أمرا متعمدا.
سينمات الترسو أو سينمات الدرجة الثالثة منتشرة في ربوع القاهرة، وكنموذج كنا نسكن أمام جامعة القاهرة في حي بين السرايات، حيث سينما “مرمر” وسينما “سمارة” تحتلان ميدان الدقي، وتحتل ميدان الجيزة سينما “الفانتازيو”. وكانت النتيجة أنه بين عامي 1968 و1972 شاهد المصريون وأبناؤهم أكثر من 100 فيلم مصري وأكثر من 300 فيلم أمريكي.