أحدث الحكايا
قصر سعيد حليم، بعدسة شريف عبد المجيد

أسماء إبراهيم تحكي: قصر سعيد حليم.. غواية الأطلال في شامبليون

الصور للمصور والكاتب: شريف عبد المجيد

لطالما شكَّـل سوره المورَّق بنحته البارز حافزا لاقتحامه، رغبة دفينة يكبحها عقل الرائي، ويلهبها لا وعيه ووجدانه. صراع بين دواعي اللياقة والسلوك المنضبط وبين النزق الطفولي وفِـطرة الاكتشاف. ستظل تلك الرغبة تلح عليك مهما غيرت من موقعك تجاهه. سواء كنت تجلس في شارع حسن باشا أو تحتسي قهوتك في مقهى التكعيبة أو تشرب نرجيلتك في شارع شامبليون.

تزداد تلك الرغبة بوجود غطاء منسدل على باب خشبي كبير وعتيق تتراص أمامه السيارات مُـشكَّـلة جراجا حديث العهد مقارنة بهذا القصر والذي يعود للعام 1895.

السور المربع الذي يحتضن 4781 مترا مربعا من خلاصة الفن والرقي تزيِّـنه شجرات مورقة نالها طلاء المجددين حول القصر من أصحاب المقاه والمحلات.

فلاش باك

لو استرجعنا مشاهد الحفلات الباذخة التي نشاهدها في الأفلام الأبيض والأسود لكان موضِعا لتصوير إحداها بامتياز، فخامة بادية وفضاء يتسع لترمح فيه العين لتشعر نحوه بالجلال حتى بوجود هالات الأتربة التي تكلل رؤوس تماثيل الجميلات التي تزين القصر من الخارج. والقصر الذي شهد التاريخ يعود إلى الأمير سعيد حليم حفيد محمد على باشا والذي لم تخل حياته هي الأخرى من دراما تماثل قصة قصره التي نحكيها اليوم:

 

صورة من داخل قصر سعيد حليم- تصوير شريف عبد المجيد

 

قصر شامبليون هو التسمية الشائعة لقصر الأمير سعيد حليم باشا. يُـنسـب لشارع شامبليون الذي يحد جانبه الغربي. واستطاع الكاتب والمصور شريف عبد المجيد الدخول إليه وتصويره وتوثيقه في معرض فوتوغرافي. وتظل صوره الفنية شاهدا على براعة تصميم القصر الفريد والذي يُـعد تحفة معمارية فلتت من يـد الدولة لرعايته أو لإعادة استخدامه بشكل مستدام.

قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد

 

“لو استرجعنا مشاهد الحفلات الباذخة التي نشاهدها في الأفلام الأبيض والأسود لكان موضِعا لتصوير إحداها بامتياز، فخامة بادية وفضاء يتسع لترمح فيه العين لتشعر نحوه بالجلال حتى بوجود هالات الأتربة التي تكلل رؤوس تماثيل الجميلات التي تزين القصر من الخارج”

قصر الفرص المهدرة

حياة الأمير سعيد حليم حفلت بالنجاحات والانقلابات حتى كانت نهايته المفاجئة، فبعد أن درس بالقاهرة وسويسرا وحصل على شهادة العلوم السياسية، تولى منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في تركيا في الفترة ما بين 1913 – 1916. وقَّع خلالها معاهدة التحالف مع ألمانيا عام 1914، وحاول الاستقالة عند اندلاع الحرب ولكنه احتفظ بمنصبه، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى وبسبب معارضته دخول تركيا الحرب تم تقليص سلطاته، ثم عزله من منصبه كرئيسٍ للوزراء في تركيا، أمـا في مصر فقد تم مصادرة أملاكه ومن ضمنها قصره، وفي عام 1921 تم اغتيال الأمير سعيد حليم في روما.

وقبل أن يصبح القصر من الأطلال، وفي عام 1934 حين لم يزل على بهائه، أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما بتحويل قصر الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تابعة لوزارة المعارف، حيث اعتلت يافطة مدرسة الناصرية سور القصر لتئول مسئوليته بمرور الوقت إلى وزارة التربية والتعليم والتي كانت تستأجره كمدرسة قبل أن يُـصدر محافظ القاهرة قراره بضمه لوزارة الثقافة في عام 2007 من أجل ترميمه، لتغازل أحلام تحويله لمتحف للفنون خيال المهتمين بالحفاظ على القاهرة التاريخية. 

وقف حال

أثـر أم لا أثـر؟ تلك هي معضلة القصر الذي تم تسجيله كأثر بالقرار الوزاري رقم 121 لسنة 2002. فقد جاء تسجيل قصر سعيد حليم على قائمة التراث في عام 2002 نتيجة لجهود مجموعة بحثية قدمت مشروعا باسم “هيركومانس” الذي يلفت النظر لوسط البلد في القاهرة وحلب، وقد قامت المجموعة بعمل حصر وتصنيف لتراث منطقة وسط البلد، ووُجِدَ أنه يجب وضع هذا القصر على قائمة التراث، كما أعدت المجموعة مشروعًا لإعادة استغلاله متحفًا للقاهرة، إلا أن رجل الأعمال رشاد عثمان عندما علم بأن القصر سيتم تسجيله اشتراه قبل التسجيل بفترة بسيطة، وهو ما أوقف مشروع تحويله إلى متحف أو استغلاله في أي شيء.

شاهد قبل المنع

المصور والقاص شريف عبد المجيد قاده الشغف بالمصمم المعماري “أنطونيو لاشياك” إلى قصر سعيد حليم، فالقصر أحد إبداعات المصمم الإيطالي الذي أبدع أكثر مباني القاهرة الخديوية جمالا وفرادة. يتذكر عبد المجيد أن أول مرة يدخل فيها القصر كان في العام 2007، وتوالت بعدها زياراته للقصر عدة مرات قبل أن يقيم بعدها معرضه المشترك مع الفنانة الأسترالية ريتشيل ناجو في عام 2008. 

 

إحدى الصور التي التقطها المصور شريف عبد المجيد بالقصر

 

Think before click كان هذا مبدأهما (عبد المجيد وناجو) في التقاط الصور الخاصة بالقصر والتي استغرقت حوالي ست مرات، وكان هاجسهما هو وريتشيل تحقيق العنصر الجمالي فضلا على توضيح القيمة التاريخية في الوقت نفسه.

كان هذا هدف شريف، أما المهتمون بالتراث العمراني فقد حرصوا على الحفاظ على القصر ومحاولة استرداده فكانت جهود “جمعية أصدقاء قصر سعيد حليم” وهي مجموعة مكونة من خريجي مدرسة الناصرية سعت جاهدة إلى  تحويل القصر لمتحف حين حاولوا جمع التمويل لتنفيذ المشروع، ورغم تفاوضهم مع رشاد عثمان المالك الأخير للقصر إلا أن محاولات شراء القصر باءت بالفشل. 

ومنذ أن تم إدراج القصر عام 2007 ضمن قائمة المباني الأثرية في مصر بدأ جهد مشترك للمجلس الأعلى للآثار والمكتب الاستشاري الهندسي المصري الفرنسي وبإسهام من المهندس الفرنسي آلان بونامي المتخصص في إعادة تأهيل المباني التاريخية، بالإضافة إلى معهد بحوث التنمية الفرنسي في القاهرة لترميم القصر وتحويله متحفاً لتاريخ القاهرة، وكان الطرفان المصري والفرنسي قد بدآ يستعدان لتنفيذ المشروع بإشراف الأستاذتين في كلية الهندسة بجامعة القاهرة دليلة الكرداني وجليلة القاضي. لكن.. هل كان رأس المال وقنص الفرصة أسرع من تحرك الدولة وجهود مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية بالحفاظ على التراث؟ 

انتكاسة

تقرر وزارة الثقافة مخاطبة المجلس الأعلى للآثار حتى يتم اتخاذ اللازم لترميم القصر وصيانته لاستخدامه ثقافيًا. لكن المالك الجديد للقصر يرفع قضية ويكسبها فى عام 2009 لتسليمه القصر بناء على حكم محكمة القضاء الإدارى بعد أن أظهر عقد البيع الذي جاء فيه أنه تم تحريره بين ورثة كل من المرحوم نينو هيرلنزكا، والمرحومة إيرين موديانو، والمرحومة أنا ميلز والمرحومة فيتوريا موديانو. والجميع إيطاليو الجنسية. وبين الطرف الثانى المشترى وهو شركة الفتح للاستثمارات العقارية، والتى يمثلها رئيس مجلس إدارتها رشاد عثمان.

قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد

“نلاحظ أن المهندس لاشياك، اعتمد على طريقة المحاكاة الساخرة للأساطير، حتى أنه فى فتحات السلالم استخدم شكلا ضاحكا للشيطان”

المحاكاة الساخرة

يرى القاص والمصور شريف عبد المجيد أن أهم ما يلفت الانتباه في القصر هو أشغال الحديد الفورفورجيه الذي يراه سابقا لعصره، كما أن تصميم القصر نفسه يعد محاكاة معمارية ساخرة لكنيسة إيطالية، فالشيطان بدلا من أن يتم تجسيده في صورته المرعبة والمتوقعة نجده وقد نُـحت بشكل ساخر وقد أحرج لسانه للرائي، وذلك بعكس ما يصوِّره الفكر الكنسي، وكان مبرر لاشياك في هذا التصرف أنه مادام يصمم عمارة مدنية للسكنى فله أن يكسر الأسلوب المعماري الكنسي الكلاسيكي. ونلاحظ أن المهندس لاشياك، اعتمد على طريقة المحاكاة الساخرة للأساطير، حتى أنه فى فتحات السلالم استخدم شكلا ضاحكا للشيطان، فى تعمد لتأكيد فكرة البارودى، التى استخدمها فى بناء القصر. 

كانت السخرية هي الملمح الأبرز في تصميم لاشياك ولعلها هي نفس السخرية التي تصبغ حكاية قصر شامبليون الرابض في وسط البلد يشهد على تحولات التاريخ ويصمد أمام عبثية واستحالة استرداده.

قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد
قصر سعيد حليم (شامبليون)، تصوير: شريف عبد المجيد

عن أسماء إبراهيم

مخرجة وكاتبة سيناريو وباحثة سينمائية. أنجزت أفلاما تسجيلية للتليفزيون المصري ونال بعضها الجوائز. كما قامت بالإنتاج المستقل لفيلمها الأحدث الذي شارك في عدة مهرجانات دولية. مُـحاضِرة ومُـدرِّبة في معاهد وكليات الإعلام. وحاصلة على درجة الماجستير في النقد التلفزيوني من أكاديمية الفنون. لديها اهتمام بالتراث والعمارة ونشرت بالعديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *