أحدث الحكايا

أسماء إبراهيم تحكي حكاية ماسبيرو (2): في بيتنا جهاز تليفزيون

يحل الضيف الجديد على مجتمعنا وقد استعدت له الأسـر المصرية إما بالتوفير المُـسـبق أو بالاشتراك في جمعية مالية. كاتبو المقالات يبشّرون بتغيير العادات الاجتماعية لأبناء الأسرة ولشبابها الذين سيرابضون أمامه بدلا من التسكع في الطرقات والمكوث على المقاهي. وسيكون المستقبل مشرقًا من وجهة نظر هؤلاء الكتاب الصحفيين الذين سيقترحون على الأسرة المصرية المتوسطة كيفية قضاء أوقات فراغها مادامت قادرة على شراء هذا الجهاز العجيب.

جهاز التليفزيون

 

“بعد أيام سيبدأ عصر التليفزيون.. وينتهي عهد المقاهي والتسكع في الطرقات، الأزواج الذين يطفشون من بيوتهم بسبب الملل والزهق والقرف سيرابطون في بيوتهم، والشبان الذين لا يدرون ماذا يفعلون بأنفسهم وبشبابهم بعد غروب الشمس في كل يوم فيلفون على غير هدى سيشدهم جهاز الصورة الناطقة إلى جواره ليبهجهم ويمتعهم ويفتح أمامها آفـاقا جديدة وآمـالا رحيبة. بعد أن يقضي التليفزيون على آفـات كثيرة كالجوزة والشيشة و(تلاعبني عشرة طاولة) و(الأيـون بريال).”

هكذا كتب سعد الدين توفيق في تحقيقه بمجلة المصور عدد 15 يوليو 1960. مُـعـدِدا منافع الوسيط الجديد ومبشِّـرا بعصر التليفزيون الذي فُـتِـح باب حجزه قبلها بأربعة أشهر. وكان حوالي 30 ألف مواطن مصري قد أتموا دفع عربون الجهاز بمبلغ 5 جنيهات مصرية فقط لا غير. وينتظرون 30 ألف جهاز قبل يوم 23 يوليو، وهو موعد الإرسال من محطة التليفزيون العربية الكُـبرى.

وما بين يومي 8 و 12 مارس 1960 تعاقدت شركة النصر على 20 ألف جهاز من أحجام مختلفة، ثم تبيَّـن لها أن هذه الصفقة لا تكفي السوق المصري المتعطش لامتلاك جهاز التليفزيون؛ لــذا كان تعاقدها الثاني على استيراد 10 آلاف جهاز . مقاسات 17 و 14 و 21 بوصة. وكانت الماركات من طراز “جروندينج” الألماني و”توشيبا” الياباني و”فيليبس” الهولندي. على أن تصل قبل يوم 23 يوليو، وبوصولها يمكن أن يحصل كل مشترٍ على جهازه.

النقد والتقسيط

وكان للمشتري أن يذهب لأحد فروع الشركة أو أحـد موزيعها الذين بلغ عددهم 30 وكيلا. وكانت الشركة قد أتاحت نظام التقسيط على أن يضمنه ضامن كأحد زملائه في العمل، ولكن كثيرين من العملاء تعاقدوا بضمانة زوجاتهم.

أما أسعار بيع الأجهزة فكانت كالتالي:

الجهاز 14 بوصة (توشيبا) 42 جنيها نقدا، 45 جنيها بالتقسيط.

الجهاز 17 بوصة (فيليبس) 57 جنيها نقدا، 61 جنيها بالتقسيط.

الجهاز 21 بوصة سواء ماركة (فيليبس) أو ماركة (جروندينج) 78 جنيها نقدا، 83 جنيها بالتقسيط. وكانت قيمة القسط الشهري 3 جنيهات.

ويُضاف 1,5 جنيه ثمنا للهوائي الداخلي، أما الهوائي الخارجي فكان مقابله 4 جنيهات. فضلا على 35 قرشا مقابل توصيل الجهاز للمنزل. ونحو 50 قرشا تمغة عقد وكمبيالات في حالة التقسيط. وكان أحيانا ما يضاف إلى فاتورة الشراء ثمن السلك الواصل بين الإيريال الخارجي بالأسطح والأجهزة بالشقق. وكان الإريال يتم توزيعه فورا لكل من تعاقد.

على أن بعض المشترين قد طالبوا شركة النصر باستبدال أجهزتهم بأحجام أكبر، وهو الأمر الذي تسبب في ارتباك شركة شاهـر أحد موزعي شركة النصر حينها؛ إلا أنها صرَحت بهذا الاستبدال وأقـرَّت اعتبار إيصالات العرابين المدفوعة مقاس 17 بوصة صالحة لاستلام مقاس 21 بوصة، وقررت قبول استبدالها لهم بالشروط التالية:

* أن يتم الاستبدال أيام 20 و21 يوليو 1960 فقط من فروع الشركة بشارع طلعت حرب.

* أن لا يكون الجهاز قد استعمل بأي شكل من الأشكال وأن يكون في علبته الأصلية وفي تمام حالته الجديدة.

* أن يدفع المشتري الفرق بين ثمن الجهاز مقاس 21 بوصة و17 بوصة فورا ونقدا، وهو 21 جنيها.

* أن يقبل الحصول على جهاز “فيليبس” 21 بوصة وفي هذه الحالة يكون التسليم فــورا، أو يقبل جهاز “جروندنج” 21 بوصة ويكون التسليم حال وصوله بعد أيام قليلة.

فاتورة شراء جهاز تليفزيون من شركة النصر

صيانة وضمان

وكانت شركة النصر لصناعة أجهزة التليفزيون قد أتاحت الاستشارات الفنية إذا ما احتاجها المشتري مقابل 30 قرشا بدل انتقال مندوب الشركة للكشف على الجهاز بالمنزل. وحددت مدة ضمان 6 أشهر بالنسبة للصمامات. ومدة سنة كاملة بالنسبة لباقي الأجزاء، فيما عدا التلف والكسر الناتجين من سوء الاستخدام.

أكملت الصحف المصرية حملة التوعية المدفوعة من وكلاء البيع وموزعي أجهزة التليفزيون وأمدَّتهم بتعليمات التعامل معه:

* يراعى اختيار وضع الجهاز في مكان لا تتعرض فيه شاشته للشمس أو لضوء كهربائي مباشر.

* يراعى ثبات المرتفع الذي يوضع فوقه الجهاز بحيث لا يهتز وأن يكون بعيدا عن الرطوبة.

* لا داعي لإطفاء النور لمشاهدة التليفزيون فهو يُـشَـاهَـد في النور والظلام.

* يلاحظ وضع الجهاز في مستوى البصر حتى لا تتعب العين.

* حذار من محاولة تلميع الجهاز بأجزاء الشمع، وتكفي فوطة صفراء ناعمة.

* يرتفع الضغط أحيانا على بعض أجهزة الجهاز الداخلية، وفي هذه الحالة لا يجوز  لمس أي جزء من هذه الأجزاء تفاديًـا للأخطار.

على أن التعليمات التي صاغتها الصحف لم تكن تتعلق بسلامة الجهاز وطريقة استخدامه فقط؛ بل تعدت سلوك المشاهد أمامه ليدلي علماء الاجتماع والأطباء والمرشدون الاجتماعيون بدلوهم في التعامل مع الـزائـر الجديد. فجاءت تحذيرات من أمراض “تليفزيون الركبة” و”تليفزيون الفك”!

فالدكتور حسن الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ينصح الأسرة بألا تشجع الصمت الكامل بين أفرادها أثناء مشاهدة برامج التليفزيون. فإن العلاقات الإجتماعية بين الأسرة يؤثر فيها الصمت الطويل. وينصح بألا يترك الأطفال طوال فترة عرض البرنامج دون حركة وإلا أثَّـر ذلك على عظام ركبة الطفل وهو المرض الذي يسمى في أمريكا “مرض تليفزيون الركبة” وينصح أيضا بألا يترك الطفل ساندا فكه على كفه وإلا أصيب بـ “مرض تليفزيون الفك”!.

ولابد أن يُـدفع الطفل إلى الحركة بين الحين والآخـر، ولابد من أن يُـمـنع من الجلوس لفترة طويلة أمام جهاز التليفزيون على ركبتيه، فوفق الدكتور مصطفى الديواني فإنه من المرجَّـح إصابة الطفل بروماتيزم المفاصل ويخشى ارتخاء عصب “عرق النساء”. أما إذا وضع الطفل ساقا فوق ساق وجلس على هذه الصورة فترة طويلة فإن هناك خطرا على المفاصل.

أما في ركن المرأة فقد كانت نصيحة محررته للأم ألا تسمح لطفلها بالمشاهدة بعد 8 مساءً؛ حتى لا تزداد عنده الرغبة في مشاهدة البرامج التي تقدم بعد الساعة الثامنة، وسوف يكون من الصعب جدا إرغامه على النوم في هذا الميعاد.

يحل التليفزيون ضيفا عصريا على مجتمعنا فيحتفي به ويوجِّـه اهتمامه له وويوليه عنايته، وتعتبره الأسرة المصرية فـردا جديدا ينضم إليها فتجيد استقباله وتكرمه بموضع مميز في غرف معيشتها وتشتري له كسوة مخصوصة وتخصه بمعاملة ملوكي.

عن أسماء إبراهيم

مخرجة وكاتبة سيناريو وباحثة سينمائية. أنجزت أفلاما تسجيلية للتليفزيون المصري ونال بعضها الجوائز. كما قامت بالإنتاج المستقل لفيلمها الأحدث الذي شارك في عدة مهرجانات دولية. مُـحاضِرة ومُـدرِّبة في معاهد وكليات الإعلام. وحاصلة على درجة الماجستير في النقد التلفزيوني من أكاديمية الفنون. لديها اهتمام بالتراث والعمارة ونشرت بالعديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *