الحكاية دي بدأت من حوالي سنة، ودلوقت هاعيد تقديمها بعد ما عدى وقت كفاية للتجريب واستقرت الأمور على شكل بعينه.. إلى حد كبير.
البداية
أولا أنا كنت قاعد على قهوة لوحدي وبافكر في مليون حاجة تافهة، وفجأة جات لي فكرة قلت أكتبها رباعية زي ما باعمل دايما، كتبت تلات سطور وبعدين بصيت لهم بدهشة ولقيت المعنى اكتمل في السطر التالت مش الرابع، قلبتها يمين شمال.. خلصت فعلا.. إيه ده؟ ده مثلث شعري! هيألي خيالي المستعجل إني أنط في الهوا وأقول “يوريكا يوريكا” زي أرشميدس، لكن حتة الباحث اللي في دماغي شدتني للكرسي وقالتلي بطل هبل واهدا وفكر، ما يمكن يكون هايكو؟ أو يمكن يكون فيه حد عملها قبلك وما استمرتش وانت اللي جاهل وما تعرفش؟
هيألي خيالي في لحظة طققان إني اقترح شكل شعري في العامية المصرية واسميه المثلثات. وطبعا ممكن يكون الموضوع شطحة خايبة مش هايطلع منها حاجة. يلزمني احكي الحكاية من أولها، ولازم تكون بالعامية لإن اللعبة كلها بالمصري الفصيح. لعبة.. هي كده ومش لازم تظبط وتطلع ناجحة وتستحق الاستمرار، لكن مافيش مانع من المحاولة.
خليني اكتب المثلث اللي بدأ القصة كلها الأول:
ما باقولش جات
بقول: حصلت
حبيبتي لما تهلّ
مبدئيا شكله كده يشبه الهايكو بتصرف، بس فيه مثلثات تانية جربتها في نفس القعدة وطلعت مختلفة. طب نخلص من قصة الهايكو دي الأول.
شعر الهايكو
لما رحت اليابان في ٢٠١٤ أخدت ورشة في شعر الهايكو، واللي كانت بتدرسها شاعرة يابانية مشهورة مستحيل هافتكر اسمها دلوقت. الهايكو قصيدة من ١٧ مقطع صوتي متقسمين على ٣ سطور بالطريقة دي: ٥ مقاطع صوتية/ ٧ مقاطع/ ٥ مقاطع. وممكن الـ ١٧ مقطع دول ييجوا في ٥ سطور على فكرة، يعني قصيدة الهايكو مش لازم وحتما تبقى ٣ سطور، لكن المثلث لازم يكون ٣ سطور ومالوش دعوة بالمقاطع الصوتية ولا بعدد التفعيلات في السطر، يعني ممكن يكون سطر المثلث طويل أو قصير حسب مزاج الشاعر.
كمان قصيدة الهايكو بنت الثقافة اللي اتزرعت ونبتت فيها، يعني محكومة بتقاليد صارمة زي اليابانيين بالظبط؛ فلازم يغلب عليها الوصف، وما يبانش عليها عمق فلسفي وما تبقاش شخصية قدر الممكن، يعني كإنها بترسم لوحة من الطبيعة، عشان كده لازم تجيب سيرة فصل من فصول السنة في كل قصيدة، مش لازم بصورة مباشرة، لكن جزء من تقاليد الهايكو انك تشاور عالزمن المربوط بواحد من فصول السنة. والمعنى لازم يكمل في السطر التالت اللي شايل مفاجأة أو تنوير على السطرين اللي سبقوه بصورة مدهشة.
كتير بيكتبوا هايكو عربي بالفصحى دلوقتي وغالبا بتكون قصيدة نثر مش ملتزمة بتقاليد الهايكو إلا في حكاية الـ ٣ سطور، بدون مقاطع صوتية، ولا إشارة للفصول ولا يحزنون. طب إيه المانع إننا ننسج على الشكل ده بالمصري الفصيح؟ ونشوف إن كان ينفع يمد لجدور في العامية المصرية أكتر من الهايكو؟
مثلثات مصرية
نحاول: هناخد الهيكل الثلاثي ونستبعد حكاية الفصول والبعد الشخصي ورسم لوحة من الطبيعة، كمان الهايكو لما اترجمت عربي اتخلت عن الوزن والقافية، لكن المثلثات اللي باقترحها لازم يبان فيها موسيقى شعر العامية، وما فيش مانع تظهر فيها قافية لو حكمت.
يعني كده احنا بنزق نفسنا بعيد عن الهايكو وبنقرب من أشكال التربيع العربية سواء ابن عروس أو جاهين أو غيرهم من معلمين الاختصار والتكثيف وصناعة المفارقة، بس بدل ٤ سطور هنخليهم ٣، وفيه تنوير أو مفاجأة في آخر سطر برضه. يمكن يكون الموضوع مرتبط بالعصر اللي احنا عايشينه وضغط أشكال التواصل المختصرة جدا، لكن في كل الأحوال المثلثات ممكن تشيل شحنة جمالية مش بطالة وتديك طعم مختلف. شكلي بحاول أبرر واسوغ الطقة اللي جاتلي وغالبا هو كده فعلا، بس لو طلع الشكل ده مقبول وبيملا مساحة فاضية يبقى وماله؟
ولو كان فيه حاجة تشبه كده في تراث العامية المصري وانا ما اعرفش يبقى كتر خير اللي هيقولي: “اصحى الكلام ده متقال وانت بتطبل في المتطبل”، بس في النهاية هنبقى كسبنا شرف المحاولة.
المثلث بيرمي سطرين يبانوا نتيجة وبعدين يفاجئك بالسبب، وممكن يكون السطر التالت مادد في حتة تانية خالص غريبة عن السطرين اللي قبله وبرضه يعمل مفاجأة. الفكرة في الخفة: خفة الروح وخفة الفكرة مع عمقها وخفة الصياغة اللي مش عاوزه تقول أنا أهو وتبين ذات الشعر الوارمة، لكن عاوزة تلمس قلبك بسرعة وصدق وعمق.
عناقيد فضة ولولي
مبدورة على السموات
يظهر حبيبتي اتبسمت
الفكرة دي طلعت أفكار كتير مش لازم تكون كلها حلوة أنا بس عاوز ادي أمثلة عاللي بيدور في راسي:
الليل اتغير إسمه
وقالوا عليه الفجر
مين قالك تتبسمي دلوقت؟
لقطة.. ومضة.. قول زي ما انت عاوز لكن في ٣ سطور ويكون فيهم حاجة تنعش روح ودماغ اللي بيقرا:
مين اللي قاس العيار
وقاله: يا أربعة وعشرين
لما الكفوف بانت؟
وطبعا مش لازم قفلة المثلث تكون ناعمة ورومانسية، العكس ممكن يكون حلو قوي كمان، يعني قفلة ناشفة تعمل صدمة تضايق أو توجع لكن تنكش العقل والروح، إزاي؟ ما اعرفش بصراحة، بس الفكرة جاتلي وقلت احطها قدام عنيكم ونفركها سوا يمكن تطلع قماش على رأي فؤاد المهندس.
اللي حصل بعد كده
بعد كام شهر تجريب ملاعيب شيحة مع اللغة، الموضوع بدأ يقرب من روح العامية المصري ويبعد خطوات عن ريحة الهايكو اللي فايحة فيه، وكمان بدأ يظبط على نغمة متكررة في القافية، يعني بقت ماشية أ- ب- ب، من باب:
مترطبة الذكريات بالدمعة والبسمة
تتمد ايدك، يرجعها الصدى: هيهات
ألاعيب زمن مفتري مع إنه عايش .. مات
أو:
الليل غميق طابق
ومخمراه حواديت
يا بختها العفاريت
أو:
حواديته ملو الكون ودافيه
محتاجله خمسين شهرزاد
قلبِك في أي مكان بلاد
طب هو ايه الفرق بين المثلثات والرباعيات؟ الفرق في الشكل بس، وده موضوع مش بسيط، انك تختصر سطر مع الحفاظ على المعنى مكتمل، والدهشة المركزة، وفكرة القلبة اللي بتحصل في السطر الأخير:
طيارة عالمدرج بتهرب للفضا الواسع
حتة حديد فلتت بإصرار من قانون الجاذبية
جواها ناس خايفين يطيروا .. بيكرهوا الحرية
أو:
من فوق سبع سموات فؤادي رف
بعتت عنيا النظرة برسالة حنين
ردت عليها بسمتك: آمين
أو التفسير اللي مش متوقع. مثلا:
الشاي في ريحة حطب مطفي بنداوة فجر
والنور شقي بيلمع خضار.. والزرعة نشوانة
يظهر نسيم الصبح زاح توبك -يا روحي- وانتي عرقانة
واضح طبعا ان موضوع الوزن مش متوحد في كل المثلثات، وان فيه سطور أطول من سطور، أهو ادينا بنقلبها على كل جنب.
المهم اني نويت والنية لله اطلع كتاب مثلثات شعرية صغير، اقدم فيه كل اللي افتكسته من الشكل ده، ويمكن حد من اصحابنا النقاد ولاد الحلال يكتب له مقدمة يقطع فيها الفكرة ويبين مشاكلها والقيمة اللي فيها، ده لو فيها أي قيمة. آدي الموضوع وما فيه، نفتح باب تجريب أو تخريب حتى، أهو أي باب يتفتح في الأيام المقفولة دي. بس كده.