أحدث الحكايا

سارة قويسي تحكي: حكاية الحركة النسائية العالمية ومؤسستها كلارا زيتكين

قبل 114 عاما وبالتحديد في عام 1910 دعت المناضلة النسائية البارزة كلارا زيتكين إلى اختيار يوم 8 مارس للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وقد نال هذا الاقتراح قبولا واسعًا من قبل أعضاء المؤتمر الثاني للحركة النسائية الاشتراكية، وأصبح يوم 8 مارس هو اليوم العالمي للمرأة الذي نحتفل به في كل عام.

تزامن هذا مع اعتراف حقول العلوم الإنسانية بمصطلح النسائية، وهو نفس التاريخ الذي اعتمدته عصبة الأمم لإحياء ذكرى العصيان المدني الذي قامت به العاملات في نيويورك عام 1895، احتجاجًا على الأوضاع البائسة التي كن يعانين منها، وقد ماتت فيه بعض العاملات جراء العنف الذي تعرضن له.

لكن يبقى السؤال.. من هي كلارا زتيكين التي دعت لتخصيص يوم للمرأة؟ وما هي حكايتها؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذه الحكاية.

كلارا زيتكين (1857-1933)

ولدت كلارا في قرية صناعية صغيرة، هي قرية ساكسونيا، انضمت إلى حزب العمال الاشتراكي وهي ابنة الـ 21 عامًا، وبدأت نشاطاتها تتزايد في الأنشطة الخاصة بالعمال بعد أن قابلت المهاجر الروسي أوسيب زيتكين.

كلارا زتيكين

 

انخرطت في العمل السياسي السري بعد صك قانون بسمارك المُعادي للاشتراكية، بعد عدة أشهر من طرد أوسيب خارج ألمانيا، قررت كلارا ترك البلاد والانضمام إليه، انضم كل منهما إلى الحركات العمالية الأوروبية، هذه المعرفة الواسعة بالحركات العمالية العالمية ساعدتها في الحديث عن وضع المرأة العاملة، وتحديد موقفها من الحركات النسائية البرجوازية، فكانت أول امرأة تدعو للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، واختارت يوم 8 مارس لأنه يوافق اليوم الذي خرجت فيه مظاهرة النساء الاشتراكيات، في موقف واضح ضد الحركة النسائية البرجوازية التي كانت تطالب بحقوق المرأة البرجوازية للمشاركة في الاقتراع.

أسست كلارا جريدة “المساواة” 1891، وترأست تحريرها لخمس وعشرين سنة، وجعلتها واحدة من أهم الأسلحة التي واجهت بها المرأة العاملة المجتمع في معركة التحرير.

جريدة “المساواة” 1891

النسائية

يرى بعض الباحثين أن مصطلح النسائية قد طرح على الساحة الفكرية الأوروبية عام 1860، ثم عاد بقوة مرة أخرى في ثلاثينيات القرن الماضي بأمريكا، وانتشر في أوروبا مرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وازدهر في فرنسا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فقد ظهر المصطلح لأول مرة في أدبيات الفكر الغربي الحديث عام 1895، إذ جاءت التسمية النسائية “نتيجة المخاض الأدبي النقدي للنصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث شهدت الساحة الأدبية الإنجليزية أكثف حضور نسوي، فقد سجلت ببليوجرافيا كمبردج للأدب الإنجليزي حضورًا نسائيًا كثيفًا في سوق الرواية.. أي ما يقارب ثلاثمائة رواية” نشرت خلال هذه الفترة.

أما عن استخدام المصطلح المتمثل في التعبير عن الموقف النسوي المطالب بحقوق المرأة، فقد بدأ مع نهاية القرن الثامن عشر في دورية “منارة العلم” وذلك بعد عام من صك الروائية الشهيرة سارة جراند لعبارة “المرأة الجديدة” لوصف الجيل الجديد من النساء اللاتي يسعين إلى الاستقلال ويرفضن التقليدية في الزواج”.

والسؤال هنا: لماذا ظهرت الحركة النسائية وما هدفها؟

ترى الحركة النسائية أن المرأة تأتي في مكانة اجتماعية أقل من المكانة التي يتمتع بها الرجل داخل المجتمع، مما يترتب على ذلك وضع المرأة في تصنيفات اقتصادية واجتماعية وثقافية مختلفة، فالمعاملة التي تعامل بها المرأة تختلف عن الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع الرجل، فلا نجد مساواة بينهما في الحقوق والواجبات والأوليات، فإذا اتصف الرجل بالقوة يجب أن تعرف المرأة بالضعف، وإذا وصف الرجل بالعقل فالعاطفة من نصيب المرأة، بهذه الطريقة نجد أن المرأة تعرف بالسلبية في حالة الضعف والتفكير العاطفي وغيرها من الأمور؛ حتى يستطيع النظام الأبوي إنكار كل حقوقها داخل المجتمع وفي الحياة العامة ويمنعها من ممارسة حياتها بأي شكل ممكن ويربطها طوال الوقت بالرجل، فلا تحصل على أي حق لها فقط لأنها امرأة.

ظل هذا النموذج الأبوي هو المتصدر لطريقة التعامل مع المرأة، حتى جاءت الحركة النسائية التي عملت على تغيير هذه الأوضاع لتحقق العدالة الغائبة، وتحرر المرأة البرجوازية من الأفكار التي تعتنقها، وتساعد المرأة العاملة على خوض معركة التحرر وكسبها بشرف ونزاهة، تقول كلارا زتيكين:

“لا يوجد شيء قائم بذاته يمكن وصفه بالحركة النسائية.. توجد الحركة النسائية فقط في سياق التطور التاريخي.. ومن ثم هناك حركة نسائية برجوازية وأخرى عمالية، وليس بين هاتين ارتباط أكثر مما هنالك بين الاشتراكية الديمقراطية والمجتمع البرجوازي، فبالعمل خارج المنزل من أجل الأجر، تزيد استقلالية المرأة وهذا أحد شروط الحرية وإن كانت لا تعني بالضرورة تحقق تلك الحرية، لقد حققت المرأة في الطبقة العاملة استقلالها الاقتصادي إلا أنها لا تمتلك بعد إمكانية الحياة الكاملة بوصفها فردًا، لأنها لا تحصل إلا على الفتات المتساقط من مائدة الإنتاج الرأسمالية رغم عملها ودورها زوجةً وأمًا… ومن ثم فإن نضال المرأة في صفوف الطبقة العاملة من أجل تحررها لا يمكن أن يكون نضالاً ضد الرجال من نفس الطبقة، كما هو حال المرأة البرجوازية. إن الهدف النهائي لنضال المرأة ليس مجرد المنافسة الحرة مع الرجال، بل الحصول على الحكم السياسي للطبقة العاملة. فالمرأة العمالية تناضل يدًا بيد مع رجال طبقتها ضد المجتمع الرأسمالي”.

لذلك كانت مهمة الحركة النسائية في المقام الأول هي المناداة بحقوق المرأة الاجتماعية التي سيترتب عليها بطبيعة الحال أن تحصل على حقوقها السياسية، حين يعترف المجتمع بها بوصفها فردًا من أفراده وجزءًأ مهمًا من بنيته، ومن هنا تحصل على حقوقها السياسية عن طريق بعض المحاولات التي تساعد في “تطوير أشكال جديدة للمنظومات السياسية التي تنشئ أبنية تهدف إلى منح السلطة لجميع النساء أيًا كانت خلفياتهن”، ترتب على ذلك ظهور مراحل متعددة للحركة النسائية، وانقسامات داخلية لا تنتهي ولكن لهذا حديثًا آخر.

عن د. سارة قويسي

باحثة أكاديمية متخصصة في الدراسات الثقافية وشئون المرأة، حاصلة على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي.

3 تعليقات

  1. فاطمة فهمي أحمد

    مقال رائع د.سارة وإن شاء الله مزيد من المقالات الهادفة القيمة 🌷🌷🌷

  2. مساء الخير د سارة

    🌹شكرا جزيلا علي جهدك الجميل
    مقال تثقيفي ممتاز

    شكرا منصة شهرزاد اللي أتاحت لنا فرصة القراءة لعدد كبير من الكتاب المتميزين

  3. Sherin Helal Helal

    قلم رشيق ومقال ممتع للقارئ العادي ومهم للباحثين كمقال توثيقي، برافو و ننتظر المزيد قريبا🌷👏👏👏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *