أحدث الحكايا

د. أحمد السعيد يحكي: حكاية وانغ شياوبو الذي قال لها “حبك كحب الحياة”

قبل عدة أشهر وفي الذكرى 25 لرحيل الكاتب الصيني العظيم وانغ شياوبو. كتبت له أرملته لي ينخه على صفحتها الشخصية في مواقع التواصل الصينية هذه الرسالة التي نصها:

“في إحدى رواياته يقول وانغ شياوبو: “كل إنسان يشبه كتابا، وعليك أن تنتقي كتابا جميلا لتقرأه.”

وأنا أشعر أن أكبر مكاسبي وحسن حظي في الحياة هو أني انتقيت كتاب وانغ شياوبو.

منذ عرفته عام 1977 وحتى ودعني عام 1997، وخلال هذه السنوات العشرين رأيت الكتاب الأروع والأمتع والأجمل.

صرت زوجته، فكنت الأكثر سعدا بين البشر،

وفقدته، فأصبحت الأكثر وجعا على الأرض.

وانغ شياوبو وزوجته لي ينخه

 

ما أقساك يا شياوبو! استعجلت الرحيل، وتركتنا نحيا بكل هذا الألم.

أعرف أنه لا فصول جديدة لحكايتنا، لكني مازلت أعيد مرارا وتكرارا العشرين عاما التي كنا فيها معا،

هذه الأعوام مازلت تحيا بداخلي، وأنا أشعر أن ما تركه شياوبو من أعمال مازلت حية في قلوب الكثيرين،

فالأزهار حتى إن زبلت يكفيها أنها يوما كانت زاهية مشرقة.”

أما في رسائلهما المتبادلة قبل الزواج قبل خمسين عامًا تقريبا كان وانغ شياوبو وزوجته لي ينخه يكتبان عن كل شيء وأي شيء، كتابات تظهر بعض سمات الأدب الصيني وخصائصه، بعضا من الأحلام والعذوبة، البساطة والمباشرة، العمق والسهولة. كتابات عن الصين والصينيين في زمن شديد القسوة قضيا فيه شبابهما. جُمعت هذه المراسلات في كتاب بعنوان “حُبك كحب الحياة”. ينشر قريبا مترجما للعربية.

غلاف كتاب “حبك كحب الحياة” باللغة الصينية

 

وعن سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم، فقد حدث وتشاجر وانغ وزوجته لي ينخه، فقالت له: أنت لا تحبني.

فكتب لها رسالة وعلّقها على باب منزلها عليها:

لي ينخه! تقولين إني لا أحبك!

أنا أستطيع ألا أحبك؟

لا أستطيع، “حبك كحب الحياة”.

 

وهنا رسالتان من الرسائل التي يتضمنها الكتاب كتبها وانغ شياوبو لحبيبته حينها لي ينخه.

١-

مرحبا! “ينخه”.

أظن أنه لم يخطر لكِ ولا في أحلامكِ، أنني سأكتب لكِ على ورق نوتة موسيقية، أليس كذلك؟

الكتابة على ورق النوتة جاءت صدفةً، تماما كما ظهرتِ أنت ِ بحياتي على حين غرة. ولكن رسائلي لكِ تستحق أن تُكتب على نوتة موسيقية، فلكَم أتمنى أن نصبح -أنا وأنتِ- أغنية لا ينقطع لحنها أبدا.

حبي لكِ ليس شأن أحد، صدقيني، من يتدخل فيه فهو أحمق، ليس لأحد أن يتدخل بيننا. لا تخافي.. صدقيني، لا تخافي أحدا.

غاليتي “ينخه”!، دعينا نحب بالقدر الكافي، فليس في العالم أجمل من الحب. يكفينا أن نحب مرةً، ثم نموت. لا نريد شيئًا آخر.

هل كلامي غبي؟

أعتقد أن كلامي لا يجب أن يُكتب وحيدا هنا، بلا رفيق، اكتبي لي في المكان الفارغ بهذه النوتة. هذا ليس “قَسَم العاشقين على الحب الأبدي”. “قَسَم العاشقين” يُجمد الأشياء من حولنا، يحولنا لأحافير حية. لسنا في حاجة لهذا القَسَم، نريد للحب أن يحيا ويكبُر. صدقيني، الحب يكبر ونحن نشيب معًا، لا نفترق.

هل تفهميني؟! أنتِ.. أنتِ، صدقيني، وأنا معك لا أعرف سوى وجودكِ، ليس ثمة أنا، أنتِ فقط، وأنتِ السعادة.

الآن صرت أرتعب من مجرد التفكير في أن أحدهم ربما يكتب رواية عن الحب.

أنا قطعا لن أكتب رواية عاطفية أبدا.

هل قرأتِ من قبل رواية “اعترافات فتى العصر”؟ لقد رسم الفتى “بورتريه” لحبيبته، ومن بعدها لم يرسم ثانيةً، لقد منح رسمه للحب. أرى أنه فعل الصواب. نعم.. صدقيني، لماذا لم نتقابل منذ زمن؟ بهذا نكون الآن أحببنا لسنوات عديدة، هذا مؤسف، فنحن لا نكتفي من الحب.


المغفل فقط هو من يعتقد أن الحب لعبٌ ومرح بلا مسئولية! كم هي مرعبة تلك التقاليد البالية، لا تسمعي لهم، لا تعيريهم انتباها. فإذا انطبقت السماء على الأرض، وإذا خفتت الشمس وحل الظلام، سنكون معًا نبحث عن سكينتنا ومأوانا.

حينما أمسك بالقلم وأتأمل لأكتب لكِ، أو حينما أجلس أمامكِ، أشعر وكأنني دخلت عالما لا يعرفه البشر. فقولي لي كيف سيستقيم عالمي بدون هذا الشعور؟

مِن قبلك، كانت حياتي فارغة بدون هذا العالم، وستكون فارغة إن عشتها بدونك.


٢-

مرحبا ينخه!

لقد قرأتُ رسالتكِ، وأتساءل لماذا تتحدثين عن نفسك بهذا السوء بينما تمدحيني أنا؟ يا لكِ من بلهاء! ليست هذه هي الحقيقة.

أعرفُ سبب حزنك، أستطيع تخمينه. لكن ما الحل؟ الحل هو، إن رغبتِ أنتِ، فلتحبي، أحبيني.. نعم أحبيني.. فالحب جدير بحل أي معضلة. إما أن نتبادل الحب ثم نتزوج، أو نستمر في الحب إن لم ترغبي في الزواج. حتى لو أحببنا لسبعة أو ثمانية عشر عاما، سيكون أفضل. وإن لم ترغبي في الحب؛ فسأبقى لك فارس الظل الحزين (كما دون كيشوت).

وإن رغبت في حب غيري، سأبقى صديقك. لكن أترضين أن تتلاقى روحك معي وتعجز عن الوصال مع من تحبين؟ لا يمكننا العبث بمشاعر الآخرين، أليس كذلك؟!

لذا.. سأتراجع خطوةً للوراء.

لكني أشعر دائما أنك ستحبيني أنا، هذا حدسي، وأنا أشعر دائمًا أن حدسي له منطقيته، لأنه لا منافس للحب.. سوى الحب نفسه.

أنت فتاة رائعة، لكنكِ ما زلتِ لا تفهمين الرجال. كيف أكون بلا مشاعر. الأمر كما كنتُ مع أخي الأصغر تماما، أُحدِّث الناس بعيوبه (منذ صبانا وأنا أفعل ذلك)، ولكني أيضا كنت دائما أتشاجر مع الآخرين من أجله.

وكما كنتُ مع أمي تماما، كنت وإخوتي أحيانا ننتقدها في حضورها، لكننا نعي تماما، وهي أيضا تعي، أننا نراها أمًا عظيمة.

نحن جميعا نعتقد أن المشاعر إذا أُظهرت واستُعرضت في كل وقت، فحتما ستبدو مبتذلة. ولو سألتيني عن ماهية المشاعر، فأنَّى لي أن أعرف كيف تبدو؟! أنتن معشر الإناث حتما تعرفن ذلك، لأنكن تتقن تفاصيلها.

ولو سألتيني عن مشاعري، فلن أعرف من أين أبدأ، فقط سأحدق ببلهٍ قائلا: “إنها هنا، أضمن لكِ ذلك، هي موجودة”.

هناك أمر آخر: أنا لست سهل التأثر بالآخرين، وعلى أقل تقدير لستُ بالسهولة التي تظنينها. أنا وأنتِ كالصُّلب لا نلين.

لكن الأمر سيختلف إن كنتِ أنتِ المؤثر، فللحب قدرته على اختراق كل صلب.

كوني بخير.

عن د. أحمد السعيد

خبير في الشأن الصيني، كاتب ومترجم، مؤسس مجموعة بيت الحكمة للثقافة، حاصل على جائزة الدولة الصينية للإسهام المميز في مجال الكتاب، وجائزة الصداقة الصينية من مقاطعة نينجشيا، وسفير القراءة بمشروع بكين الدولي للكتاب 2017. ودكتوراه في علم الأعراق البشرية "الإثنولوجيا" ودراسات ما بعد الدكتوراة في علم سياسات القوى الناعمة الدولية. له مؤلفات بالصينية والعربية منها "طريق الصين - سر المعجزة"، "بما لا يضر مصالح الشعب"، "منهج الحكمة في تعليم اللغة الصينية"، "ألف حكمة وحكمة صينية" "سنواتي في الصين"، "الصين في المخيلة العربية". وشارك في ترجمة أكثر من ثلاثين عملا من الصينية للعربية لكبار أدباء وكتاب الصين. وكتب في المجالات السياسية والبحثية لأغلب الدوريات الكبرى العربية والصينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *