نواصل رحلتنا في الكتاب الممتع “هوليوود: التاريخ الشفاهي” للكاتبين والمؤرخين جينين باسنجر وسام واسون، اللذين قاما برحلة في الاختيار بين عشرة آلاف ساعة مسجلة من التأريخ الشفاهي لكل شيء في السينما الأمريكية، تضم شهادات ثلاثة آلاف ضيف، خبراء في كافة المجالات من مخرجين ومؤلفين وممثلين، وحتى خبراء الديكور والملابس والصوت، وكافة التخصصات السينمائية، للخروج برواية شيقة، متماسكة، حول تاريخ هوليوود، مركز صناعة السينما في العالم.
اقرأ أيضا:
أحمد شوقي يحكي التاريخ الشفاهي لهوليوود (1): البدايات بين الهواية والنميمة
ترصد اقتباسات هذا المقال لحظة فاصلة في تاريخ صناعة السينما في العالم بأكمله: الشهور الأخيرة في عصر السينما الصامتة. بدأت السينما في اكتشاف قدراتها الفنية والجماهيرية، بدأ مفهوم النجوم في الظهور، فبعدما كان الجمهور يذهب إلى السينما كي يشاهد الصور المتحركة، صار الهدف الأساسي هو مشاهدة النجم أو النجمة بالتحديد، وهو ما وضع هؤلاء النجوم لأول مرة في موضع سلطة.
لكن سرعان ما وجد نجوم السينما الصامتة أنفسهم أمام تحدٍ هائلٍ اسمه دخول الصوت للسينما. فجأة لم تعد تعابير الوجه وحدها كافية، وصار الصوت الذي لم يسمعه أحد سوى المقربين من الممثل معيارًا أساسيًا لحفاظه على نجوميته. لحظة تاريخية حددت الكثير مما سيحدث في السينما من بعدها، ترصدها شهادات من عاشوها.
فجأة صاروا نجومًا
راؤول والش (مخرج): “لم تكن أسماء الممثلين تُكتب في تترات الأفلام آنذاك، ولكن فجأة مع تطور الأمور وجدنا نفسنا نتعرف على مفهوم النجوم. كان التعامل مع بعضهم سهلًا، وبالغ الصعوبة مع آخرين. كان بإمكان بعضهم التمثيل وآخرون لا يستطيعون. فقط اختار الناس الأشخاص الذين يحبونهم ووضعوهم في درجة تقارب التقديس”.
هنري هاثاوي (مخرج مرشح للأوسكار): “لإظهار كيف كانت الاستوديوهات فضفاضة فيما يتعلق بالإنتاج وتعريفات الوظائف في تلك الأيام، يمكنني أن أستشهد بشخص واحد: الممثل لون تشاني. اعتاد لون تشاني أن يأتي إلى العمل (وأنا أعلم ذلك لأنني كنت عامل إكسسوار في تلك الفترة) في الساعة السادسة والنصف أو السابعة صباحًا. إذا كان هناك مشهد يدور في ملهى توجد فيه فتاتان أو شيء من هذا القبيل، فإنه يصمم لهما الرقصات، كان يريهما الخطوات ويبتكر عرضًا صغيرًا. كان عقده مع الاستوديو كممثل فقط، ولم يكن يتقاضى أجرًا يوازي بعض الآخرين، فكان يقوم أيضًا بعمل ماكياج الجميع. إذا احتاج ممثل إلى لحية، فإنه سيضعها له. لقد أحب ذلك، أحب العمل في كل شيء. كان خبيرًا في الستائر، إذا تضمن المشهد منزلًا فخمًا به ستائر فاخرة، كان يصعد على السلم ويصلح الستائر. كان يأتي كل صباح ويسأل الجميع: ماذا يمكنني أن أفعل؟ كان يضع يده في كل شيء، وخاصة الماكياج وتصميم الرقصات. توضح مسيرته كيف كانت وظائفنا فضفاضة للغاية لدرجة أنها تختلط، وكان من السهل أن يتم الاعتراف بك إذا كنت على استعداد للعمل من أجل الحصول على وظيفة أفضل. كان تشاني يتقاضى أجرًا أقل ويريد التطور في مهنته، محبته للمهنة جعلته نجمًا داخلها”.
(ملحوظة المحرر: اشتهر لون تشاني لاحقًا عندما لعب دور “شبح الأوبرا” في الفيلم الشهير بنفس العنوان)
اقرأ أيضا:
أحمد شوقي يحكي التاريخ الشفاهي لهوليوود (2): أساطير الكوميديا في السينما الصامتة
المصادفات ونجوم المرحلة
جون إف. سايتس (مدير تصوير مرشح لسبع جوائز أوسكار): “صار فالنتينو نجمًا بسرعة مذهلة. كان شابًا طيبًا وجادًا ومتواضعًا. صوّرت اختبارات له من أجل فيلم كاميل بطولة ألا نازيموفا، التي قالت إنها لا تريده لأنه لا يبدو شريرًا مثل الدور، لكنه حصل على الدور في النهاية. عندما وصلنا لوقت عرض الفيلم كانت الدعايات تقول: كاميل بطولة رودولف فالانتينو. تم رسم فالانتينو بسرعة وصار نجمًا ومعبودًا للجماهير. لكن الصدمة كانت عندما مات فجأة في ريعان شبابه. بعض الناس قالوا إنه كان محظوظًا بموته لأن لكنته وطبيعة صوته كانت لتشكل عائقًا إذا ما عاصر الانتقال من السينما الصامتة للناطقة. كان نوعًا جديدًا من أبطال السينما لكنه لم يكن ليحتفظ بنفس النجومية مع دخول الصوت إلى الأفلام”.
آلان دوان (مخرج ومؤلف): “عندما أنهت جلوريا سوانتون عقدها مع باراماونت كي تؤسس شركة وتنضم إلى تجمع الفنانين المتحدين (يونايتد آرتستس)، أخبرتها بأني اعتبره قرارًا خاطئًا وأنه كان عليها البقاء، لكنها ردت برغبتها في صنع أفلامها الخاصة بعدما سأمت من العمل لدى آخرين. سألتني إدارة باراماونت إذا ما كنت قادرًا على إقناعها بالبقاء، فقلت لهم: اسمحوا لي أن أقدم لها عرضًا وسأفعل، ووافقوا. عرضت عليها عقدًا لخمس سنوات تنال في بدايته 17500 دولار في الأسبوع تصل في النهاية إلى 22500 دولار أسبوعيًا، مع منحها حق اختيار قصة وأبطال ومخرجي أفلامها، باختصار سيجعلها العقد حرة تمامًا كما لو كانت تعمل في شركتها الخاصة، لكنها رفضته!
قالت لي إن بإمكانها أن تكسب مليون دولار في كل فيلم تنتجه لنفسها، لكنها بالطبع لم تصنع ولو فيلم وحيد ناجح لأن شخصًا واحدًا لا يمكنه الإقدام على هذا التوسع. قد يكون المرء جيدًا في مجال لكن لا يعني هذا أن ينجح في كل المجالات. تحتاج صناعة الأفلام فريقًا كبيرًا متميزًا من أعلى لأقل عضو فيه، لذلك فالشركات الكبرى فقط لديها القدرة على تحمل مخاطرة إنتاج أفلام كبيرة، فيلم وحيد فاشل قادر على دفع المنتج الفرد للإفلاس، وبمجرد أن يختفي رصيدك المالي تخرج من اللعبة دون أن تملك أي شيء”.
اقرأ أيضا:
أحمد شوقي يحكي التاريخ الشفاهي لهوليوود (3): جريفيث ودي ميل وستروهايم.. كبار السينما الصامتة
متاعب المهنة
جورج ج. فولسي (مدير تصوير مرشح لـ 13 جائزة أوسكار): “عانى بعض الممثلين كثيرًا عندما بدأنا في استخدام إضاءة كليج Klieg light، والتي كانت تعرض عيون الممثلين لقدر هائل من الضوء وسببت مشكلات لكثير منهم. صدقني بإمكان الأمر أن يكون مؤلمًا بحق. الناس وقتها اعتقدوا أن سبب الألم غبار الكربون الذي يطير في الجو، لكن الحقيقة إنه كان بسبب الإضاءة فوق البنفسجية. اليوم هناك قانون يمنع استخدام هذه الإضاءة دون عوازل زجاجية أمامها، فقط لوح زجاجي بإمكانه أن يحل الأمر لأنه يكسر الموجات فوق البنفسجية. اليوم هناك قوانين تنظم كل شيء، بينما كنا قديمًا نجعل الممثلين عن جهالة يفعلون ما يشبه النظر مباشرة نحو الشمس. تسبب ذلك في معاناة لكثير من النجوم”.
هوت جيبسون (نجم أفلام الويسترن المبكرة): “لقد أصبحت نجمًا لأفلام الويسترن لأن بإمكاني ركوب الخيل واللعب بالحبل وأداء بعض الحركات الخطرة. في الحقيقة كنت أول متخصص في الأعمال الخطرة في كاليفورنيا. كنت ألعب دور الدوبلير للنجوم وأركب الخيل بدلًا منهم، ثم أقوم بوضع شعر مستعار مزين بالريش فوق رأسي وأطلي وجهي لألعب دور المقاتل الهندي في نفس المشهد.
كنت في الصباح ألعب دور الهندي فأنال دولارين ونصف مقابل كل مرة أمثل فيها السقوط من فوق الحصان، ثم أذهب لأغير ملابسي وأرتدي زي الكاوبوي وأقضي النصف الثاني من اليوم أطارد الشخصية التي لعبتها في الصباح. كنت أنال خمسة دولارات نظير كل سقوط في هذا الجزء لأن الكاوبوي يستخدم السرج فوق الحصان، والسقوط من السرج أصعب من السقوط بدونه. هكذا صرت أول نجم أفلام ويسترن في هوليوود، أو في إيدنديل Edendale كما كانت تُدعى آنذاك قبل أن تكتسب اسم هوليوود”.
فلتنطق الأفلام..
بيتر بوجدانوفيتش (ممثل ومخرج مرشح لجائزتي أوسكار): “لم يلخص أحد لحظة الانتقال من السينما الصامتة إلى الناطقة مثل تشارلي تشابلن عندما قال: صدقني إنه في اللحظة التي تمكننا فيها بالفعل من إتقان الأمر تمامًا كان قد انتهي بالفعل”.