أحدث الحكايا

أحمد شوقي يحكي التاريخ الشفاهي لهوليوود (2): أساطير الكوميديا في السينما الصامتة

نواصل رحلتنا في الكتاب الممتع “هوليوود: التاريخ الشفاهي” للكاتبين والمؤرخين جينين باسنجر وسام واسون، اللذان قاما برحلة في الاختيار بين عشرة آلاف ساعة مسجلة من التأريخ الشفاهي لكل شيء في السينما الأمريكية، تضم شهادات ثلاثة آلاف ضيف، خبراء في كافة المجالات من مخرجين ومؤلفين وممثلين، وحتى خبراء الديكور والملابس والصوت، وكافة التخصصات السينمائية، للخروج برواية شيقة، متماسكة، حول تاريخ هوليوود، مركز صناعة السينما في العالم.

Jeanine Basinger, Film hostorian, pictured at the Jeanine Basinger Center for Film Studies at Wesleyan University in Middletown, CT on November 15, 2022.

 

بعد أن تجاوزنا مرحلة البدايات بدأت الاتجاهات السينمائية تدريجيًا في الظهور، وكان على رأسها الكوميديا الحركية، التي استفادت من إمكانيات السينما الصامتة، وقدمت نجومًا ظلوا محبوبين حتى يومنا هذا، على رأسهم بالطبع تشارلي تشابلن، ومجايليه باستر كيتور وهارولد لويد، بالإضافة للثنائي الشهير لوريل وهاردي. فلنقرأ هذه الشهادات الدالة على المرحلة.

تشارلي تشابلن

شكل خاص من الإضحاك

فرانك كابرا (مخرج حاصل على ثلاث جوائز أوسكار): “في الأفلام الصامتة، كان خلق الكوميديا يرتكز على الكلام في الكواليس أكثر من الكتابة. كان هناك ورق مكتوب، ولكن لم يستخدمه أحد على الإطلاق. كان المنتج ماك سينيت هو الاستوديو العظيم، والمدرسة الأساسية للكوميديا المرئية. كان كل فريق عمل لديه يتكون من شخصين، يتحدثان ويجربان النكات مع بعضهما حتى يصلا لفكرة، ثم نذهب بها إلى سينيت فيسأل: ماذا لديكم؟ نخبره بما وصلنا إليه، وإذا ضحك، فهذا رائع. كان يعلم حينها أن الجمهور سوف يضحك، لكنه هو نفسه لم يكن مضحكًا على الإطلاق. إذا حاول أن يلقي نكتة، فسوف يفسد الأمر ويحرق الجملة المضحكة في بداية حديثه، ولكن قدرته المدهشة كانت فهمه لما يضحك الجمهور، كان كورقة عباد الشمس في تقييم الأفكار الكوميديا.

فرانك كابرا

المخرجون آنذاك كانوا ببساطة معجزات. عليك فقط أن تمنحهم تلميحًا وسينطلقون منه لفعل كل شيء. يكفي أن تقول: “قطة تشرب بعض البيرة.” يا إلهي، من هذه الفكرة سترى خمس دقائق كاملة من المشاهد المختلفة. سترى القطة ترتدي قبعة، وتطارد كلبًا، كانت هذه هي الطريقة التي تتم بها الأمور. فكرة تبدأ من الكتاب، يُقرّها سينيت، وكل شيء يسير دون كتابة، لدرجة إنه لم يكن يسمح بدخول أي كتاب إلى الاستوديو، كان يقول: “لا نكات في الكتب.. لا نكات في الكتب”. كان يخاف من المثقفين، كان يريد ممن يعمل معه أن يكون في مستواه ويجعله يضحك بمشاهد تشبه ألاعيب المهرج، ليس عبر النكات اللفظية المتذاكية، فقط تهريج بصري”.

منافسة وصداقات

ليو مكاري (مخرج ومؤلف حاصل على ثلاث جوائز أوسكار): “كنا أصدقاء أنا وتشارلي تشابلن وباستر كيتون -خاصةً تشابلن وأنا- على الرغم من المنافسة بيننا، وكنا نلتقي كثيرًا. سرعان ما تحالفت مع تشابلن، الذي أحب بشكل خاص الأفلام التي أخرجتها للثنائي لوريل وهاردي. من أغلى التذكارات التي أمتلكها رسالة أرسلها لي تشابلن يهنئني على عملي مع لوريل وهاردي ويتنبأ لي بمستقبل كبير. لقد عمل كيتون بطريقة مشابهة لطريقتنا. وكان تحت تصرفه اثنان أو ثلاثة مؤلفي المواقف الكوميدية، يقترحونها عليه ليقبلها أو يرفضها. لقد حاول كل منا سرقة مؤلفي الآخر، ولكن لم يحالفنا الحظ مع كيتون لأنه ابتكر أفضل مواقفه بنفسه فلم يكن من الممكن سرقته! رجل آخر حاول الجميع خطفه هو مؤلف المواقف الخاص بتشابلن”.

ليو مكاري

 

بيتر بوجدانوفيتش (ممثل ومخرج مرشح لجائزتي أوسكار): “اشتكى أحدهم ذات مرة إلى “تشارلي تشابلن” من أن زوايا الكاميرا في أفلامه لم تكن مثيرة للاهتمام. رد عليه: “ليس من الضروري أن تكون.. أنا مثير للاهتمام”!

وفاة مخرج فيلم «ذي لاست بيكتشر شو» بيتر بوجدانوفيتش – قناة الغد
بيتر بوجدانوفيتش

فروق بين النجوم

آلان دوان (مخرج كندي عمل في هوليوود): “الشيء العظيم في نجوم الكوميديا الصامتة، تشابلن وكيتون ولوريل وهاردي، أنهم جميعًا بدوا وكأنهم لا يحاولون أن يكونوا مضحكين، لأنك تفقد الكثير عندما تظهر وأن تحاول أن تكون مضحكًا. خذ على سبيل المثال شخصية “تشابلن”. كانت مشاهده مشاهد صغيرة حزينة، يشعرك أنه صديق ضعيف مثير للشفقة. لم يتجول مطلقًا وهو يحاول أن يكون مهرجًا، فقط مصادفة أن حدث له ما يُضحك. كان كيتون دائمًا جادًا، بملامح جامدة. قارن هؤلاء بالممثلين الكوميديين على شاشة التلفزيون اليوم، وهم يبذلون قصارى جهدهم بوضوح، والطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الإضحاك هي السخرية من حماتهم أو زوجاتهم”.

undefined
آلان دوان

هارولد لويد (أحد أكبر نجوم الكوميديا الصامتة): “أعتقد أنه كان بإمكاني أن أحصل على لقب المخرج فيما يزيد عن ستين بالمئة من أفلامي. كنت آخذ المؤلفين أصحاب الأفكار من غرفة الكتابة، دون أن يسبق لأي منهم إخراج أي شيء من قبل، وأجعلهم مخرجين لأفلامي. كنت أفكر بأنني أحصل على كل ما أحتاجه من تقدير بكوني نجم الأفلام الذي يذهب الجمهور لمشاهدته، فلماذا آخذ المزيد من التقدير عبر تسمية نفسي مخرجًا؟ ولم أفكر أبدًا أن أكون مخرجًا محترفًا، استمتعت بكوني نجم كوميدي، وسعدت بأنني أساعد هؤلاء الفتية وأجعل منهم مخرجين. تشارلي تشابلن لم يفعل ذلك وكان مخرجًا لكل أفلامه، لكن كان لديه كامل الحق في ذلك، ولا يوجد سبب يمنعه من ذلك. لقد كان يفعل كل شيء في الفيلم حتى تأليف الموسيقى. لقد نال تقديرًا يستحقه، بينما لم أختر أنا هذا التقدير. هذا كل شيء”.

لا يتوفر وصف للصورة.
هارولد لويد

الثنائي الذهبي

ليو مكاري: “أعتقد أن لدي إسهام كبير في الصورة التي ظهرت عليها شخصيتي لوريل وهاردي، لكن التواضع يمنعني من القول بأني من منحت الشخصيتين النفس والدماء. لقد قمت مع ستان لوريل بتشكيل كل شيء معًا. لم يكن هاردي جيدًا في القصص، وكان لوريل يقول أمامه صراحة: “أنا أعمل ضعف ما يعمله، وبالتالي أيًا كان أجره أريد أن أحصل على ضعف هذا الأجر”. كنا بالفعل نمنحه ضعف الأجر، ولم يمانع هاردي أبدًا. كان لوريل من ممثلي الكوميديا النادرين الذين يملكون الذكاء الكافي لابتكار مواقفهم المضحكة، كان موهوبًا بشكل ملحوظ بينما لم يكن هاردي يمتلك تلك الطاقة على ابتكار أشياء ظريفة. كان هذا مفتاح الثنائي لوريل وهاردي: غباء لوريل ونفاد صبر هاردي.

لوريل وهاردي

 

عندما عرفتهما لأول مرة، لم يكونا فريقًا، لكن كلاهما كان صديقًا لي. في تلك الأيام، كان الممثلون يأتون إلى الاستوديو ليروا ما إذا كان من الممكن الاستعانة بهم، إذا كان هناك أي عمل. كان ستان يحصل على 100 دولار في الأسبوع عندما يعمل، وكان هاردي يحصل على 10 دولارات في اليوم. عمل لوريل معي أيضًا كمؤلف للنكات يتقاضى أجرًا أسبوعيًا، بينما كان هاردي مجرد ممثل من المجاميع (الكومبارس) يعمل بالأجر اليومي. وفي أحد الأيام خطرت لي فكرة أن أجعلهما يمثلان معًا في فيلم. اتصلت بهاردي وأخبرته أن لدي مشروعًا له سيدر عليه عشرة دولارات يوميًا، ستة أيام في الأسبوع، فصرخ قائلاً: “أوه، سيدي، هذه أخبار رائعة، ستون دولارًا في الأسبوع! لا يمكنني أن أصدق!” قلت: “والأكثر من ذلك، إذا كانت الأفلام جيدة، فسوف تكسب هذا المبلغ كل أسبوع”. كان لوريل يجني بالفعل مئة دولار في الأسبوع، لذلك بدأ أجره في الثنائي بالحصول على 160 دولارًا أسبوعيًا، ليصيرا أنجح فريق كوميدي، وبالطبع سرعان ما حصلا على مبالغ أكثر بكثير”.

في المقال التالي سنتعرف أكثر على عالم مخرجي ونجوم السينما الصامتة في عصرها الذهبي.

عن أحمد شوقي

ناقد سينمائي مصري ومبرمج ومشرف سيناريو. حاليًا هو رئيس الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى)، ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين. ينشر مقالات أسبوعية عن السينما وصناعة الترفيه. كما أصدر ثمانية كتب متخصصة حول السينما المصرية. شوقي يشغل منصب مدير منطلق الجونة، برنامج تطوير المشروعات والإنتاج المشترك الخاص بمهرجان الجونة السينمائي. كما إنه مدير التطوير لمنطقة الشرق الأوسط بمنصة "فيو" الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *