نظمت الأردن أول مؤتمر عربي للثقافة الرقمي، تلتها ليبيا بتنظيم المؤتمر الثاني، فشعرت بالغيرة الشديدة، تمنيت لو أن أول مؤتمر كان بالإسكندرية، لكنني والزملاء حرصنا أن ننظم المؤتمر الثالث ولا ننتظر حتى نصبح الثالث والعشرين.
كان المخرج المسرحي د. جمال ياقوت مديرًا لقصر ثقافة التذوق في عام 2009، والأستاذة سلوى توفيق مسؤولة عن النشاط الثقافي (وهي ممن أسميهم ملائكة في ثياب بشر، رحمها الله). عرضنا عليهما فكرة تنظيم مؤتمر الإسكندرية الأول للثقافة الرقمية، على أن يعقد مرة كل عامين. تحمسا جدًا للفكرة، وطلبا منا تصورًا للمؤتمر ليحصلا على المخصصات اللازمة له.
تشكلت خلية نحل للإعداد للمؤتمر من د. جمال ياقوت وأستاذة سلوى توفيق وأحمد فضل شبلول رئيسًا للمؤتمر، ومنير عتيبة أمينًا عامًا، ود. هيثم الحاج علي سكرتيرًا عامًا، وحسام عبد القادر رئيسًا للجنة الإعلامية، وعضوية كل من مهندس محمد حنفي وأحمد عصمت. ولبعض الأسماء في هذه الفقرة قصص مهمة.
رشحتُ الشاعر أحمد فضل شبلول ليكون رئيسًا للمؤتمر لأنه كان من أوائل المصريين والعرب المهتمين بمجال الإنترنت، وله كتاب رائد اسمه (أدباء الإنترنت أدباء المستقبل). واتصلت به لأعرض عليه الأمر، فرفض بشدة، واقترح أسماء أخرى بعضها من أساتذة جامعة الإسكندرية، وبعضها من الأسماء اللامعة بالقاهرة. قلت له: اخترتك ووافقت على اسمك لجنة الإعداد للمؤتمر لأسباب موضوعية وليس لأنك صديق لنا. ولن نأتي برئيس للمؤتمر لا معرفة له بموضوعه لمجرد أنه اسم قاهري كبير أو أمام اسمه حرف الدال!
اقتنع شبلول بعد ساعة من الجدال، وبعد أن قلت له سواء قبلت أم رفضت ستكون رئيسًا للمؤتمر، وستدفع ثمن شحن التليفون الذي استهلكناه بلا داع! فيما بعد كتب الأديب الكبير مصطفى نصرًا مقالًا عن هذه النقطة تحديدًا؛ اختيار شبلول وليس أستاذ جامعة ولا نجما قاهريا، مشيدًا بالخطوة الكبيرة التي تعطي المثقفين حقوقهم.
نجم ساطع في الإعلام الرقمي
أما أحمد عصمت فهو الآن نجم ساطع في مجال الإعلام عمومًا والإعلام الرقمي بالخصوص، حصل على جوائز عربية مهمة، كان شابًا طموحًا مجتهدًا في تنمية قدراته، وأعتبر إعطاء فرصة المشاركة في المؤتمر لأحمد عصمت باعتباره ممثلًا للشباب من الإنجازات التي حققناها، وقد أثبتت الأيام صدق تقييمنا له.
شارك في المؤتمر بأبحاث مهمة نخبة من المهتمين بالمجال من مصر والأردن والعراق، وقد صدر كتاب يجمع هذه الأبحاث بعنوان (مؤتمر الإسكندرية الأول للثقافة الرقمية من 27 إلى 29 أكتوبر 2009). ويهمني أن أذكر للتاريخ أسماء المشاركين حسب ترتيب الجلسات: د. سيد نجم- أحمد عزت سليم- د. مصطفى الضبع- جمال غيطاس- حسام عبد القادر- د. عبير سلامة- د. خالد عزب- عبد الحميد بسيوني- د. محمد حسين حبيب- حنان شافعي- د. زين عبد الهادي- د. سحر الموجي- م. محمد حنفي عبد القادر- د. غالب شنيكات- مفلح العدوان- شوقي بدر يوسف- بهاء الدين رمضان- وسيم المغرب- الشربيني المهندس.
مؤتمر لا يخلُ من المعارك!
لم يمر المؤتمر بدون معارك، بعضها أفقدني أصدقاء، وبعضها كاد يتسبب بعدم تنظيم المؤتمر أصلًا. فمثلًا أرسل أحد أعضاء اتحاد كتاب الإنترنت العرب بحثًا للمشاركة في المؤتمر. وكنت كأمين عام أقرأ كل الأبحاث لاختيار الأفضل من بينها، وكان ما قدمه الزميل أقل بكثير من باقي الأبحاث، فاعتذرت له عن عدم قبول بحثه، تضايق، وطلب من الصديق الروائي الأردني محمد سناجله رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب التوسط لقبول بحثه، فرفضت قطعًا، وأظن أن هذا الزميل اعتبر الأمر شخصيًا وفقدت صداقته المحتملة.
أما المعركة الحقيقية فبدأت باتصال من الأستاذة سلوى توفيق تخبرني أن بعض كبار موظفي الهيئة العامة لقصور الثقافة غاضبون جدًا، ويهددون بوقف دعم المؤتمر. سألتها عن السبب قالت: لأن الأخبار التي بدأتم نشرها تشير إلى أنه أول مؤتمر نوعي في هذا المجال يُنظم في مصر. قلت لها: هذه حقيقة. قالت: هم يقولون إنهم نظموا مؤتمرًا بالفعل منذ عام. قلت مستغربًا: مؤتمر للثقافة الرقمية بمصر ولم أسمع به ولا عرف به أي من المشاركين معنا وهم من أهم المهتمين بالمجال عربيًا ومؤسسين لاتحاد كتاب الإنترنت العرب، هذا أمر غريب. ومع ذلك فليرسلوا لنا “بانفليت” جلسات المؤتمر لنعرف ماذا قدموا.
أرسلوا المطلوب، واكتشفت أنه كانت ندوة لتعليم النشء كيفية التعامل مع جهاز الكمبيوتر. طلبت مني أستاذة سلوى تصحيح الخبر بالصحف التي نشرته بناء على طلبهم وإلا لن يُنظم المؤتمر. من حسن الحظ أن الطلب كان تليفونيًا لأنني كنت سألوم نفسي كثيرًا إذا فعلت ما فعلته وجهًا لوجه مع هذه السيدة الطيبة. فقد انتفض “العرق الإسكندراني” وقلت صارخًا غاضبًا: لو فيهم رجل يوقف المؤتمر. شعرت بعدم تصديقها لكلامي ولا صوتي المرتفع، فلم تعتد مني ذلك. وحاولت تهدئتي، لكني لم أتوقف: نحن المثقفون نفكر ونريد تقديم شيء كبير لبلدنا، لا يأتي موظف ليهددنا لمجرد أنه يجلس على كرسي ربما لا يعرف واجباته. إننا نصرف من جيوبنا لنحقق هذا الحلم، فلا يتعامل معنا أحد بمثل هذا التهديد.
إسكندراني غاضب!
في المساء؛ جلسنا بمكتب د. جمال ياقوت، لامني بلطف على ما قلته بصفته كلاما لا يصدر عن منير الشخص الهادئ عف اللسان. قلت له: هم طلعوا الإسكندراني الغاضب من جوايا! واستطاع بهدوء وحكمة أن يمتص غضبي، وتواصل مع المسؤولين بالهيئة الذين تركونا نفعل ما نريد -على مضض- إذ كان اتفاقنا الأول مع د. جمال أن قصر ثقافة سيدي جابر وهيئة قصور الثقافة ستدعم الحدث لكن لا يحق لأحد أن يتدخل في إدارة أمانة المؤتمر له. لكن الموظفين المذكورين أخبروا د. جمال أنهم لن يحضروا الافتتاح.
لم يتوقع أحد ما حظى به المؤتمر من حضور ملأ قاعات قصر ثقافة التذوق. ولا التغطية الإعلامية الكبيرة حتى أن جريدة الأهرام نشرت عنه صفحة كاملة في يوم افتتاحه، إضافة إلى عشرات الأخبار والتغطيات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية، ففوجئنا بأن قيادات الهيئة الغاضبين يحضرون ختام المؤتمر، ويشيدون به، “ليأخذوا اللقطة”!
معارك مع طواحين الهواء!
في عام 2011 أصبحت الأستاذة سلوى توفيق مديرًا لقصر التذوق، وبرغم ما كانت تموج به مصر من أحداث؛ فقد أصرت مع أمانة المؤتمر أن يقام مؤتمر الإسكندرية الثاني للثقافة الرقمية في موعده الذي أعلنا عنه في ختام المؤتمر الأول فأقيم في الفترة من 4 إلى 5 ديسمبر 2011 تحت عنوان “الثورة الرقمية وتشكيل المستقبل”. كان رئيس المؤتمر د. زين عبد الهادي، والمشاركون كلهم من مصر نظرًا لصعوبة المجئ من الخارج وقتها، وقد شارك بأبحاثه: أحمد محمد إبراهيم- ولاء مسعد خزام- محمد سيد ريان- هشام علاء- د. سيد نجم- شوكت نبيل المصري- عبد الحميد بسيوني- د. محمود الضبع- أحمد عصمت علي- محمود محمد أحمد- شريهان عارف- نرمين بليغ- سلمى حجاب- نادر جوهر- صلاح عبد الصبور.
للأسف؛ لم تنعقد دورات تالية للمؤتمر، لأسباب بعضها موضوعي يتعلق بما كان يحدث في مصر وقتها، وبعضها شخصي لانشغال أعضاء أمانة المؤتمر، وربما فقدانهم بعض القدرة على خوض المعارك مع طواحين الهواء.
كل التحية والتقدير لمجهوداتكم أ.منير ونتمنى أن تستمر أي مجهودات تدعم الثقافة والمثقفين بالإسكندرية.
دام العطاء والإبداع أستاذنا
ألف شكر أستاذة فاطمة
أتمنى أن ينعقد المؤتمر مرة أخرى فنحن في عصر أن صح التعبير العصر الإلكتروني
مع تقدم الوقت علينا معرفة آراء الشباب حول هذا الموضوع
قدمتم جهد كبير وملحوظ والقادم أجمل بإذن الله
عندك حق أستاذة رضوى
الأسكندرية بمبدعيها قادرة دائما على الريادة
تسلم أستاذ محمد
توثيق مهم لعمل رفيع المستوى
نرجو عودته للساحة مرات ومرات
دمت رائدا دوما أستاذ منير عُتيبة
ألف شكر استاذ سمير
جميل جداً أعدتنا إلى ذاكرة البدايات أستاذ منير.. اتذكر الصديق الأردني سناجلة ومؤتمره الأول ومن ثم زيارته الى ليبيا في المؤتمر الثاني ، والآن نقرأ بمتعة كل ماجرى من كواليس لتنظيم هذا المؤتمر. واظن اليوم وبعد منعطف كورونا والحجر الصحي يستحق الامر مؤتمر جديد او ندوة حول التغييرات التي اثرت على النشاطات الثقافية من جهة وايضا وضع سؤال الى اين وصلنا عربيا في الرقمنة ؟ تحياتي وتقديري
فعلا أستاذة رزان
وفي أغسطس ننظم ندوة مع سناجله إن شاء الله بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
للاسف
لدى ذكريات مريرة عن تعطيل الموظفين لأعمال المثقفين عملا بالمثل
فيها لخفيها
واليوم للاسف جناح من المثقفين يريد الإساءة لعمل ضخم لمجرد أن أسماء معينة لم تشارك
نفس المثل البغيض
فيها .. لخفيها
عندك حق أستاذ عصام
جميل جدا أن ينشر أ منير عتيبة تلك التفاصيل، والتى تعكس الرغبة والإصرار على النجاح، وإرغام الغير على الانصياع والتسليم بالنجاح.. فكل الشكر للأستاذ منير . ونتمنى المزيد مما ينفع الإنسان المصرى وإعداده للمستقبل الذى لا يستقبل إلا الإصرار على النجاح.
ممتن دائما لدعم حضرتك أستاذ شوقي
نتمنى عودة المؤتمر مرة أخرى لأهمية الأدب الرقمي و الثقافة الرقمية عموما خاصة بعد أن أبرزت لنا جائحة كرونا أهمية الرقمية وكان لي تجربة ناجحة جدا حينما قدمت برنامجا رقميا على منصة استريم يورد استضفت من خلاله كبار الأدباء كأستاذ منير عتيبة و المستشار أشرف العشماوي و أستاذة رشا عدلي و أستاذ أحمد القرملاوي
حفظك الله أستاذ محمد سامي
الأمانة والشعور بالمسؤولية نحو الكلمة والثقافة والأجيال يستحق كل هذا التعب ومعارك الطواحين ، فإن مجرد حمل هذا الهم هو ثقافة راقية .
لا ضاعت جهودكم برغم كل ماحصل، الأدب بخير مادام فيه أمثالكم.
وفقتم.
ألف شكر أستاذة ريما
مقالة مهمة جدا لمعرفة كيف وصلت الإسكندرية إلى الريادة الرقمية بقيادة الأديب الألق الأستاذ منير عتيبة.. هو صاحب الأفكر النيرة دائما لرفعة الثقافة في الإسكندرية التي لا تخلو أبدا من القيادات والكوادر المبدعة. أتمنى المزيد من النجاحات بإذن الله.
ألف شكر أستاذة أمل
هام ورائع 👍🏼
ألف شكر أستاذة منة
توثيق مهم لحدث مهم، فيه توضيح لجوانب كان لابد أن تتضح؛ لأنها تكشف كم العقبات والصعوبات التي تعرقل مسيرات إتمام أحداث هامة ..الحمد لله أن الإسكندراني الغاضب ظهر في الوقت المناسب، لأن الأديب المؤدب وحده كان من الممكن أن يرفع راية الاستسلام.
أه أكيد هههههه
مقالات حضرتك لها مذاق، فيها صدق، أقرأ وكاني أسمعك، موضوع مهم نتمني تكرار هذا المؤتمر بأي صياغة تجدها مناسبة ولها مردود جيد على الثقافة والمجتمع.. محبتى
ألف شكر أستاذ إبراهيم
مقال ممتع كالعادة يا استاذنا، أتمنى حضرتك تسعى لانعقاد دورة جديدة من المؤتمر. تعاملت شخصيا مع الراحلة أ.سلوى توفيق وكانت مثلما ذكرت حضرتك ملاك في هيئة بشر رحمها الله وطيب ثراها وأدام ذكراها العطرة.
ألف شكر أستاذة ناهد
ورحم الله سلوى توفيق
جميل، وإذا أتيحت الفرصة لنشر توصيات المؤتمر أكون شاكرة جدا، وهل فيه فرصة فى الواقت الراهن لاستكمال مابدأتموه؟
شكرا د.مها
لو لقيت التوصيات سأفعل
بالنسبة لي أركز حاليا على السرد. لكن من يدري ما سيحدث غدا
مقال رائع وذكريات جميلة واستدعاءات بالغة العمق والدلالة وتاريخ مشرف.. ولعلنا نستطيع أن نعد لمؤتمر جديد عن علاقة الادب بالذكاء الاصطناعي إحياء لمؤتمر الثقافة الرقمية ومواكبة لآخر المستجدات الرقمية.
صديقي العزيز ورفيق خطوات عديدة مهمة
الوصف الوحيد الذي يليق بك أستاذ منير عتيبه أنك ” مناضل ثقافي” تخوض معارك لأجل الثقافة ورفع شأنها، دائما تبحث لها عن الأفضل وتواجه الصعاب من أجل ذلك، لذا نفخر جميعا بأننا نحظي بأديب ومفكر سكندري مثل حضرتك.. بأمر الله وبقوة إصراركم سيعود المؤتمر بقوة ونجاح وحب من رواد ومحبي الثقافة.. أتمنى أن أسعد بالمشاركة فيه ولو بقطرة في بحر الثقافة الرقمية.. شكرا بحجم الكون لسعيكم الدؤوب.
ربنا يحفظك أستاذة أمينة. دامت المودة
اعتقد انه حان الوقت استاذنا لأستعادة نشاط هذا المؤتمر الذي محتواه يواكب قلب العصر الذي نعيشه الآن سواء من الناشئين او من الادباء وكبار الأدباء .. فربما هذه المقال تكون ايقونة لبداية جديدة بقيادتكم الواعية ..
دعواتك أستاذة منى
مقال يحلق بحلاوة السرد و..الاسترجاع ..وإن شاء الله تعلن عن مؤتمرات ستعقد قريبا بحول الله ..
ربنا يحفظك د.حنان