قالت لي الناقدة المسرحية البحرينية زهراء المنصور: عندما كنا في المدرسة؛ كنا نطلق على الطالب “الدحيح” الذي يذاكر بجد لقب “مصري” فقد كانت صورة الطالب المصري في أذهاننا أنه مجتهد، محب للعلم والتفوق، وهو النموذج الذي يريد أن يكونه كل الطلاب.
حكى لي الكاتب المغربي إدريس الصغير كيف كان الذهاب إلى المركز الثقافي المصري أحد أهم روافد ثقافته، وكيف كان الاطلاع على نتاج الكتاب المصريين يمثل معظم ما يقرؤه جيله، بل إنه عندما نشر قصة في مجلة مصرية لم يصدق صديق له أن القصة قصته، واعتبر المسألة تشابه أسماء بينه وبين كاتب مصري، فقد كانت القصة جيدة جدًا.
قال لي زميل العمل المهندس اللبناني وليد حوراني: عندما كنا أطفالًا في خمسينيات القرن الماضي؛ كنا نذهب إلى الشواطئ اللبنانية، نتجسس على المصيفين المصريين، نحفظ حركاتهم، طريقة مشيهم، كيف يتحدثون، ماذا يلبسون، كيف يتصرفون، ونظل طوال العام نقلدهم، فقد كانوا المثل الأعلى لنا وقتها، فما الذي جرى لكم؟!
كانت صورة الطالب المصري في أذهاننا أنه مجتهد، محب للعلم والتفوق، وهو النموذج الذي يريد أن يكونه كل الطلاب
منذ سنوات قريبة كنت في الأردن الشقيقة، سائق التاكسي الذي أقلني من أربد إلى العاصمة عمان كان شيخًا فلسطينيًا مثقفًا، أخبرني: معظم من يعملون بمجال البناء لدينا من المصريين، وكلنا نفضل التعاقد مع “المعلم” المصري، لأننا سنضمن جودة العمل ودقة المواعيد.
البكاء على اللبن المسكوب!
لا أبكي على اللبن المسكوب، لكنني أرى أمامي مئات بل آلاف الصور الذهنية الرائعة التي كانت تصدرها مصر، فيجد فيها كل عربي ما ينشده. من يحب الشعر يرى أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر القطرين خليل مطران، وصلاح عبد الصبور، وأمل دنقل. من يحب السرد يرى د. محمد حسين هيكل وطه حسين والعقاد والمازني وخالد محمد خالد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس.
المتدين يهفو إلى صوت محمد رفعت وعبد الباسط والحصري، ويستمع إلى آراء عبد الحليم محمود وشلتوت والغزالي والباقوري. محب الغناء يعطي أذنيه لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد وفريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ.
ومن يميل إلى العلم يفكر في مصطفى مشرفة وسميرة موسى وطبيب النساء والتوليد نجيب محفوظ. من يهوى التمثيل امامه أنور وجدي وفاتن حمامة ورشدي أباظة وأحمد زكي وسعاد حسني.
أما المدرسون وأساتذة الجامعة المصريون الذين انتشروا ونشروا العلم والمعرفة في البلاد العربية؛ فقد كانوا التجسيد الحي لهذه الصورة الذهنية اللامعة بما يقدمونه من علم وسلوك راق في كل مكان أوفدوا إليه، وبعضهم كان يقدم العلم ويحصل على راتبه من مصر محبة في الأشقاء ومعاونة لهم.
الكل في واحد، والواحد للكل
هذا غيض من فيض، وإخلال كبير مني، فالأمثلة على مر سنوات النصف الأول من القرن العشرين وبدايات نصفه الثاني؛ لا تعد، وفي كل المجالات، الأدبية والعلمية والسياسية والفنية والاقتصادية إلخ.
وقد تعمدت ذكر أمثلة لأسماء أصولها غير مصرية، لأن أحد معالم هذه الصورة الذهنية لمصر أنها تحتوي وتمصر من يأتيها، وتمنحه ما لن يجده في سواها، حتى في بلده الأصلي، فتعيد تشكيله ويكون أحد أعلامها (الملفت؛ ويحتاج إلى دراسة، أن مصر لم تطلب منهم الانصهار التام الذي يخرجهم من هويتهم، كما تفعل بعض الدول، بل احتفظوا بها، وكانوا مصريين أيضًا)، حتى أنك تجد في كثير من أفلام الأبيض والأسود التأكيد على فكرة “الكل في واحد، والواحد للكل”؛ الكل هم العرب، والواحد هي مصر، كلهم في مصر، وهي لهم جميعًا، نسمعها على لسان أبطال العمل، أو في أوبريت غنائي يمجد الفكرة.
انظر حولك!
وهذا لا يعني أن المجتمع عاش بلا مشاكل، بالعكس، كانت لديه معضلات كبرى، لكنه كان يراها، ويدرسها، ويسمح له بالتعبير عنها، ومحاولة الوصول إلى حلول من خلال التدافع الاجتماعي، في إطار من ديمقراطية سياسية، وليبرالية فكرية، الأفلام والروايات والمقالات والمسلسلات تطرح هذه المشاكل، وتطرح ما تراه من حلول، وتدخل جميعها في معارك من أجل الأفضل للوطن، لكنك لن ترى نموذجًا لبطل يدعو إلى ما هو ضد القيم النبيلة، والأخلاق السامية، ولن تجد تصويرًا يمجد التافهين ذوي العقول الجوفاء، ويرفع من قدر التصرفات غير الأخلاقية، بل ستجد إدانة صريحة؛ فجة فنيًا، أو إدانة بفنية وحرفية عالية.
يبدو أنه كلما ضاقت الأمور بالناس شعروا بالحنين للماضي الذي يعتقدون أنه أجمل لأنهم لم يعيشوا مشاكله ومآسيه، أو لأنهم يقارنون أحوالهم به فيجدونها في الوضع الأسوأ
فما النماذج؛ الصور الذهنية، التي نصدرها الآن، وخلال العقود القريبة الماضية، في الفن والأدب والدين والسياسة والعلم والثقافة والجامعة؟ هل تؤمن بفكر المؤامرة؟ أنا أؤمن به إلى حد كبير، لكنها ليست فقط المؤامرة الخارجية فقط، بل المؤامرة الداخلية التي ننصب شباكها لأنفسنا فنقع فيها سواء بجهل أو عمد أو غباء أو إعلاء للمصلحة الشخصية فوق كل اعتبار آخر.
هنا لن أذكر حالات أو أسماء، فكل منا يستطيع ان يرى بنفسه، وحتى لا نقع في فخ التحديد وننسى القضية الأساسية.
فانظر حولك، ولا تبك زمنًا ضاع، ولا تلعن زمنًا نعيشه.
ولكن حرك إرادة التغيير بداخلك، وافعل ولو أضعف الإيمان. لا تكن شريكًا بالفعل أو الموافقة الصريحة أو الضمنية، لا تجعل من التافهين نجومًا، ولا من فارغي العلم والأدب والأخلاق “تريند”، لا تكن سببًا في انتشار وثراء تلك الصور الذهنية السيئة، والنماذج القبيحة، بزيادة أعداد متابعيهم، على مواقع التواصل، أو في السينما، أو غيرها، فتدفع لهم من غفلتك ثمن رفاهيتهم وضياع مثلنا العليا، فيصبحوا مثالًا للشباب الأصغر، يحتذون بهم لتحقيق أحلام الثراء بلا عمل ولا جهد ولا علم ولا خلق.
الحنين للماضي
لابد هنا من توضيح؛ فلا أؤمن بفكرة الزمن الجميل الذي مضى، كل زمن له مشاكله وعيوبه، وحتى الأزمنة التي أشرت إليها فيما سبق كان بها من المشاكل الخطيرة والكارثية الكثير، وكان بها من المعاناة الكثير، ولعلها مسؤولة بقدر كبير عن مشاكلنا الحالية بتراكم ما لم يُنتبه إليه، أو تجاهله من يجب عليه أن يتعامل معه. لكن يبدو أنه كلما ضاقت الأمور بالناس شعروا بالحنين للماضي الذي يعتقدون أنه أجمل لأنهم لم يعيشوا مشاكله ومآسيه، أو لأنهم يقارنون أحوالهم به فيجدونها في الوضع الأسوأ، بالرغم من أنه كان يجب أن تتجه إلى الأفضل. أؤمن بأن الزمن الجميل هو الآن وغدًا إن أردنا ذلك، وإن اقترنت تلك الإرادة بالفعل الواعي.
لذلك؛ نادي معي بأعلى صوت باتجاه المستقبل: يااااا مصري
وهيا نجده، ونعيده، بداخل كل منا أولًا، ثم فيما حولنا.
دوام التألق والازدهار والعطاء الراقي صديقي النبيل أستاذ منير عُتيبة مبدعنا الكبير
شكرا جزيلا أستاذ سمير لوبه
المقال قال مابداخلى من خوف على مستقبل قادم عشنا احلى ايام حياتنا الوضع اصبح سئ
شكرا جزيلا أستاذة نشوى
مقال رائع وستظل مصر منارة الثقافة والفنون سلم لسانك أستاذ منير
استاذنا المبدع أستاذ منير من اعلام الادب الثقافة المصرية
ألف شكر أستاذة هدى
مقال رائع يعود بنا إلي ايام مثر كانت غيها الرائدة فى كل شيء
ألف شكر أستاذة جلاء
مقال يوجع والله
الله يسلم يا دكتورة
الله عليك أستاذ منير. فعلا كل زمن له جماله. كل زمن له مبدعيه.. أتمني أن يقرأ هذا المقال كل الشباب، خاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يسعن إلا أن أقول: ليتهم يعلمون
دمت مبدعا متألقا أستاذ منير
ألف شكر أستاذة أمينة
مقال رائع.. كما عهدناك.. دمت استاذا ومعلما
ألف شكر أستاذ إبراهيم
دام نبض القلم المبدع والناقد الثاقب فيما مضى وما نحن فيه
تاريخنا حافل علينا البحث والاطلاع والقدوة
ألف شكر أستاذة نبيلة
دائما ننظر للماضي انه الأفضل من الحاضر الذي نعيش فيه، ربما لأن عقولنا تقوم بفلترة الأحداث وتختزل كل المشكلات المصاعب فلا يبقى من صورة الماضي سوي الصورة المبهجة المثالية لكن الحقيقة ان الماضي أيضا كانت فيه لحظات مزعجة الا ان العقل قام بمحوها من الذاكرة، اعتقد ان الايام سوف تمر وربما يذكر تاريخ اخر مختلف عن ما نحياه الان يتحدث عن الجمال وينبذ السيء..
ألف شكر أستاذة أماني
لا تجعل من التافهين نجومًا، ولا من فارغي العلم والأدب والأخلاق “تريند”، لا تكن سببًا في انتشار وثراء تلك الصور الذهنية السيئة، والنماذج القبيحة
وهذا صعب جدا أن يحدث فى هذا الزمن الصعب وقمع الحريات
ألف شكر أستاذ جمال
الله ينور على حضرتك يا أستاذ منير. هذه صيحة تستحق الانتباه إلى ما تحمله من آمال في قيم تعيد إلى مجتمعنا ثقته في نفسه وفي أن مصر معطاءة في كل عصر مهما تغيرت صور العطاء
ألف شكر يا دكتور
مقال رائع يحى روح الاجتهاد والامل يسلم قلمك
ألف شكر أستاذة عبير
اعتقد ان فكرة العولمة من خلال الانترنت غلبت لدى الجيل الجديد على فكرة الوطنية
وبالنسبة للشعوب العربية فقد تعلمت وتطورت فتساوت مع المصريين وربما سبقتهم في بعض المجالات
والمثل بيقول ان كبر ابنك خاويه
وتحياتي
شكرا جزيلا أستاذ مصطفى
ليتهم يقرأون أستاذي.. أحسنت 👏
ألف شكر أستاذة نهى
قوم يااااا مصرى مصر دايما بتناديك
ألف شكر أستاذة عبير
صفعة بقدر ألمها بقدر حاجتنا إليها للإفاقة؛ قبل أن تفلت الأمور تمامًا، وننادي على المصري فلا نسمع إلا صدى صوتنا.
أحسنتَ العرض والتحليل. فلينادِ كل منا ذلك المصري الأصيل الكائن بداخله ؛ حتى نعود لمكانتنا ومكاننا اللائق بنا.
ألف شكر أستاذة هناء
يدرك المتلقي لأعمال الأديب منير عتيبة أنه دائما أمام ذهن واع ونفس متزنة،فهو في هذه المقال (ياااامصري!) يدعو إلى إيقاظ الوعي الجمعي لكل مصري وأن يكف عن إغراق نفسه في بحر من البكاء والتأسف على زمن جميل مضى فبالإمكان خلق الجميل في كل أوان، فالمصري كان ولا يزال يمتلك تلك الروح الملهمة والإرادة الباعثة إذا أراد ذلك، وقد قدم عتيبة أدواته ذات التأثير المباشر لاستعادة خلق هذه الحالة من التميز والتفرد للعقلية المصرية ،فعرض نماذج لا مجال للقدح فيها من أصحاب النفوس الكارهة في الداخل قبل الخارج ، عرضها لتكون حجة للشخصية المصرية التي هي باقية موطنا للإعجاب وموطنا للترقي، كما هي جديرة به في كل عصر .
ألف شكر دكتورة إيمان
مقال رائع اتفق مع رأيتك حول الزمن الجميل وحنين البعض له .. يمكن لكل زمن ان يكون جميلا غذا تداركنا وحللنا المشاكل التي تعيق فهمنا وغدراكنا لفن العيش والحياة شكرا جزيلا استاذ منير
ألف شكر أستاذة رازان
واااااو أسفاه لعنة الله على المدمرين، قدرنا يا أستاذ منير نعيش المرحلة الصعبة دي برغم اننا لا نعيش نكسة أو حرب لكني بأحس انهم أيام النكسة كانوا مرفوعي الرأس وعندهم كرامة وأمل. للأسف بنعيش مرحلة انحدار في كل شيء وربما يكون ده طبيعة الزمن ارتفاع ثم هبوط أسأل الله العظيم أن يكون ما نحن فيه هو أدني الهبوط ونستفيق الصعود مرة أخرى
مقال جميل سلمت يمينك
ألف شكر أستاذة سارة
اسأل عن المسئولين ودورهم ليس داخليا فقط، أسأل عن دور مصر في افريقيا، عن دورها في محيطها العربي، أسأل عن مقومات الصناعة عن الشركات عن التعليم وعن النيل وعن وعن وعن…!
لابد من إعادة تقويم كل شيء…انها مصر ياسادة.
جزاكم الله عنها بكل ماارتكبتوه من ذنوب
شكرا جزيلا أستاذ محمد عباس
كيف استعادت مصر دورها الريادي في العالم العربي والشرق وفي
افريقيا؟..
مشروع محمد علي باشا باني نهضة مصر الحديثة الذي كان يطمح
من خلاله انشاء امبراطوريه علوية علي انقاض الخلافة العثمانية..
تمخض عنه تطوير العلوم والفنون والصناعة والزراعة في مصر
وتم تتويج المشروع بإنشاء الجامعة المصرية علي يد الملك فؤاد الاول
واميرات البيت العلوي ..
الجامعة المنارة الثقافية الكبري في مصر والعالم العربي..خرجت
الملايين من العقول المصرية والعربية التي نهضت بمناحي الحياة
في مصر والعالم العربي..
وكان المصري الموفد للدول العربية..طبيبا ومعلما ومهندسا..
نموذج يراه العربي كائنا خرافيا هبط لمساعدته ..فيدرس فيه
كل جديد وفارق…
ولكن بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ توقفت مشاريع النهضة..وماتلا ذلك
من الحرب الكبري حرب اكتوبر ١٩٧٣..بدأت صورة المصري تتبدل
والنموذج المصري المهاجر للبلاد العربية يتغير..هم الثروة
ونحن الأجير..
والان المصري يفتش عن لقمة العيش بسبب تردي الأوضاع..
والتوجه من الاقتصاد الموجه الي الاقتصاد الحر..دون مراعاة
لظروف الانسان .
تحيه لقلم اديبنا الرائع منير عتيبة..
شكرا جزيلا أستاذ محمد رجب عباس
نانسي بمقالاتك وبفكرك الذي يدفع الحياة للامام
حقيقة كان هناك قامات إبداعية متفردة فى كافة المناحي كونت فكر و هوية و شكلت وجدان العرب بإبداع مصرى حقيقي و اظن ان الأجيال القادمة ستعيد الامجاد رغم ما نعانيه إلا أن النبوغ الشبابي طاغ و تأثيره قادم تحياتى لقلمك الراقي استاذنا Monir Otaiba 🍁
أنفق مع حضرتك أ.ماهر
هذا المقال الذي سرد الجمال والابداع والاخلاق والفنون بكل صدق ، ينم عن روح كريمة ونفس أبية طرحت سؤالا لافتا.. فما الذي جرى لكم ؟
بوركت وبورك قلمك
حفظك الله المبدعة ريما
سرد جميل وهادي.. بالتوفيق والسداد والتألق يا أ. منير
ألف شكر د سارة