طفلة قضت طفولتها بين كتب الشعر، تنتمي إلى أبٍ يهوى قراءة الشاعر الإنجليزي چون كيتس (١٧٩٥-١٨٢١)، وأمٍّ تغوص بين سطور قصائد الشاعر الأمريكي والت ويتمان (١٨١٩-١٨٩٢)، ما هو نتاج دمج هذين الشاعرين العظيمين في روح وعقل وقلب تلك الطفلة المحظوظة؟
إنها الشاعرة والمترجمة الأمريكية كارولين كايزر التي عاشت في منزلٍ متخم بالثقافة وفنون الأدب وبخاصة الشعر، فكان يُقرأ لها الشعر كل يومٍ كأنه وجبة دسمة أسياسية ويومية، وبرغم تأثر والدها بچون كيتس ووالدتها بوالت ويتمان فإنها امتلكت ذائقة مختلفة عنهما فكانت تفضل قراءة شعر الشاعرة والروائية الأمريكية جيرترود شتاين (١٨٧٤-١٩٤٦) والشاعر البريطاني روبرت شو (١٩٣٣) وعندما كانت في عامها الحادي عشر أحبت قصائد الشاعر البريطاني إلكسندر بوب (١٦٨٨-١٧٤٤) وأيضا قصائد الشاعر البريطاني چون درايدن (١٩٣١-١٧٠٠) وقالت في حوارٍ لها إنها تأثرت كثيرا بهؤلاء الشعراء وامتد تأثيرهم على روحها وشعرها مدى الحياة وظلت تفضِّل قراءة وكتابة القصائد التي تحمل مفاجآت غريبة وغير سارة في نهايتها.
حياة كارولين كايزر
ولدت كايزر في سبوكين بولاية واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٢٤، وهي مؤلفة لثمانية كتب شعرية منها “القرب منك: قصائد للرجال” (١٩٨٦)، و”ين” (١٩٨٤) الذي حاز جائزة البوليتزر عام ١٩٨٥، و”حوريات البحر في الطابق السفلي” (١٩٨٤)، كما أنها كانت مترجمةً محترفةً فكانت تترجم عن اللغة الصينية والأردية والفرنسية والعبرية والمقدونية.
في عام ١٩٥٩ أسست كارولين مجلة نورث ويست للشعر وعملت محرِّرةً للمجلة حتى عام ١٩٦٥، كما شغلت منصب المدير الأول لبرنامج الأدب في الصندوق الوطني للفنون من عام ١٩٦٦ إلى عام ١٩٧٠، وعملت مستشارةً سابقة لأكاديمية الشعراء الأمريكيين وقسَّمت وقتها حينها بين سونوما وولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وباريس.
نسوية أشعار كايزر
أمضت كارولين كايزر سنة في التدريس في باكستان مبعوثا ثقافيا للولايات المتحدة الأمريكية وتأثرت كثيرا بالثقافة الآسيوية وأظهرت تأثرها واهتمامها بها في الكثير من كتاباتها. وكان لكارولين كايزر حضور كبير في الساحة الأدبية الأمريكية وفي أعمالها الأولى في فترة الخمسينيات تناولت موضوعات المرأة والدفاع عن حقوقها في كتاباتها، وكان ذلك قبل ظهور مصطلح “النسوية” وانتشاره.
و”كايزر هي مؤسسة في حد ذاتها، حيث كتبت قصائد بأخلاقيات العمل الصارمة للفكر الأدبي والدقة اللغوية لأكثر من أربعين عامًا”. هكذا عبرت صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل عن رأيها في أسلوب كتابة كايزر الشعرية. وفي حوارٍ لها مع المراسل والناقد آلان جالون، وصفت كايزر أسلوبها الخاص بأنها لا تهتم بالشكل ولا تعتبر نفسها “شاعرة اعترافية”، وأنها ليست بدقة شاعر الشعر الحر. ووصفها جالون بأنها صعبة من دون أن تكون باردة وساخرة في بعض الأحيان، كما أنها مؤمنة بالتفاصيل الصغيرة التي قد تترك فينا أثرا كبيرا مهما بلغ صغرها، ومؤمنة أيضا بأنه مهما كانت لقاءاتنا قصيرة بأي شخص، فكلا الشخصين يتغيران حتمًا، وهذا هذا هو محور وأساس موضوعاتها في كتاباتها.
وعندما نتحدث عن الشاعرة الأمريكية كارولين كايزر، فعلينا أن نذكر أيضا جانبا مهمًّا ومحوريًّا في حياتها بوصفها عضوا فاعلا وفعَّالًا في المجتمع الأمريكي كمترجمة موهوبة ولها أعمال متعددة، وفي ذلك السياق وصفت كايزر مشاريع ترجماتها المختلفة بأنها نموذج للعالم الذي تتمناه. كما أنها اعترفت لمجلة باريس ريڤيو الشهيرة بأنه ليس لديها نظرية عامة في الترجمة، وبأن لديها نظرية ترجمة خاصة بكل شاعر تترجم له لأن كل لغة تتطلب أشياء مختلفة، فكل صوتٍ شعري يختلف عن أي صوتٍ شعري آخر.
وقد سمحت الحياة العملية الطويلة لكارولين كايزر أن تشاهد وتعاصر تغييرات مهمة ومحورية في الحياة الثقافية الأمريكية. كما كان معروفًا عنها بأنها دقيقة في مراجعة قصائدها الشعرية قبل نشرها حتى أنها قد تحتاج إلى عقد كامل للانتهاء من ديوان لها ونشره.
سمات شعر كايزر
وكما يتسم شعر كايزر بأنه ساخر في بعض الأحيان إلا أنه يمكن أن يكون سيرة ذاتية تحدثت فيها عن طفولتها وزواجها الأول والثاني وولادة أطفالها الثلاثة وصداقاتها، ولكن كان يطغي الحس الفكاهي على قصائدها وهذا ما ميزه عن العمل التأملي الذاتي الذي يتبعه شعراء الشعر الاعترافي.
ما القصيدة بالنسبة إلى كارولين كايزر؟ أجابت عن هذا السؤال في حوارٍ لها مع صحيفة باريس عام ٢٠٠٠ وقالت إن القصائد بالنسبة لها لا تأتي من الأفكار بل تأتي من سلسلة الصور المختبئة في الجزء الخلفي من الدماغ أي في لقطات فوتوغرافية صغيرة.
أغنيةٌ لموريل
(A Song for Muriel)
لا أحَدَ يَشرَحُنِي لأنَّ ليس هُناكَ ما يُشْرَحُ.
كلُّ شيءٍ هُنا على ما يُرامُ
ووَاضِحٌ جِدًّا.
آهٍ فمِن أَجلِ سُمعَتِي
لا بد أن أَكُونَ صَعبَةً وغَامِضَةً.
لا أَحَدَ يَشرَحُنِي
لأنَّني بِرَغمِ قِصَرِ النَّظَر
أَرَى بِوضُوحٍ
لَكِنَّني أقضِي عَلَيهِ
بِنَظرِةِ ازْدِرَاءٍ وعُبُوسٍ.
لماذا يَجعَلُكَ تَعرَقُ؟
أهذا الشُّكرُ الذِي أستَحِقُّهُ؟
لا أَحَدَ يَشرَحُنِي
لأنَّ هُناكَ دُمُوعًا في أُغنِيَتِي البَذِيِئةِ.
بمُجرَّد أن أمُوتَ
سَيُقَالُ شَيءٌ ما.
كم لَطِيفٌ أنَّني لن أَكَونَ هُنَا
لأرَى كيف كَانُوا يُخْطِئُون.
***
لِقَاءٌ
(Reunion)
لم نَلتَقِ مُنذُ أكثَرَ من ثَلاثِين عَامًا.
تَذَكَّرتُ التَسَاؤُلَ المُشِّعَ من وَجهِكَ.
تِلكَ النظرةَ الحَادَّةَ المُكَثَّفةَ المُتَجَهِمَّةَ.
لَكِنَّ الأَهَمَّ، كَيف أنسَى؟
ما علَّمتَنِي إيَّاه كان عن غَيرِ قَصدٍ.
(فهو دُرِّسَ من قِبَلِ الكُتبِ والآبَاءِ،
والأكثَرَ من ذلك كُنت أرْهبُ مِمَّا لم أتعَلَّمه بعد).
فأفضَلُ العُقُولِ يُمكِنُ أن تَكُونَ مُمِلَّةً.
وفي هذا،رُبَّمَا مُقَابَلتنا الأخِيرة
لا تَزَالُ مُتَوَهِجةً بِشَغَفِكَ لإعطَاءِ التَّعليِماتِ.
أنتَ تَتَحَدَّثُ إلى ذَلِكَ التِّلميذِ المُتَمَرِّدِ
الذي استَنشَقَ غُبارَ طَباشِيرَ خِطابِكَ.
أُومِىءُ بِرأسِي أرتَشِفُ نَبيذِي أُثني على وِجهَةِ نَظَرِك
مُمتَنَّةٌ يا عَزِيزِي لأنَّني هَرَبتُ مِنكَ.
***
تطورٌ ثقافيٌ
(Cultural Evolution)
عِندَمَا خَرَجَ الشَّابُ ماو بِعَقلِه الغَضِّ من كَهفِهِ
صَمَّمَ لأَوِّل مَرَّةٍ عَمَلًا لِتَجديدِ الصِّين القَدِيمَةٍ
ثم فَسَّرَ القَانُونَ وحده بعد ذَلِك
ومن النَّوَافِيرِ التَّقلِيديةٍ التي احتَقَرَ أن يَرسمَهَا:
ولكن عِندَما اختَبَرَ كلَّ جُزءٍ جَاءَ بهِ
تَبَيَّنَ أنَّ ماركسَ وكونفوشيوس
يتَشَابهَانِ إلى حَدٍّ كَبيرٍ.