شهرزاد
مع استكشاف ملامح الأفلام السعودية التي باتت حاضرة بقوة في المشهد السينمائي العربي والعالمي بصورة عامة، في ضوء دعم تجارب فيلمية عديدة وحضور أفلامها ضمن المهرجانات العالمية، شاهدت فيلم “500 كيلو سينما” للمخرج عبدالله آل عياف؛ حكاية بسيطة عن مجموعة من الشباب تقرر المضي قدما في تجربة يغلفها حب السينما والرغبة في اكتشاف عوالمها، حيث يقطع الشباب مسافة 500 كيلومتر وصولا إلى دولة البحرين لمشاهدة الأفلام والعودة مرة أخرى إلى المملكة، تجربة يغلفها المغامرة والحلم، يعود تاريخ الفيلم إلى عام 2006.
الحلم أضحى حقيقة
عقب عقد واحد من الزمان بات الحلم حقيقة وحضرت التجارب الفيلمية المنوعة، تجارب تم تداول بعضها تحت أسماء مستعارة وأخرى جاهر أصحابها بما يفعلون، استقبلها “مهرجان أفلام السعودية” ليكون منطلقا لتلك التجارب ومنصة نقاش عن السينما نشهد الآن دورته العاشرة التي بدأت 3 مايو عقب تدشينه في 2008، رحلة طويلة خاضها محبو السينما، بدأت بالرغبة في الاستكشاف واستفادت فيما بعد بالسياسيات الانفتاحية التي تشهدها المملكة لاسيما على صعيد الثقافة وتوصيل الصوت السعودي إلى خارج حدوده.
في دورته العاشرة بمدينة الظهران بالشرقية يعرض المهرجان 67 فيلما للجمهور، وذلك بالشراكة بين جمعية السينما ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” وبدعم هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة.
بداية الحلم
عشر دورات بدأت بحلم بات حقيقة، مستهله كان فكرة ثم خطوة ثم استدامة. هكذا تحرك مهرجان أفلام السعودية الذي بدأ مع فكرة نادي المنطقة الشرقية الأدبي إنشاء نادي سينما كمنصة مشاهدة أفلام ومشاركة الحاضرين في مناقشات حول السينما كان ذلك في ٢٠٠٥ والذي استمرّ لمدة ثلاث سنوات.
استمد النادي هذه الرغبة من قبل القائمين عليه من بينهم الشاعر أحمد الملا المدير الإداري للنادي الأدبي الذي حلم بوجود مهرجان للأفلام السعودية، أو بالأحرى مشاركة التجارب التي يصنعها السينمائيون السعوديون على استحياء في محيطهم، جاء ذلك في المنطقة الشرقية التي كانت هي الأقرب لرحلات مشاهدة الافلام خارج المملكة.
كما ذكرنا سابقا في عام ٢٠٠٦ قدم المخرج عبدالله آل عياف فيلم “٥٠٠ كيلو سينما” وهي المسافة التي يقطعها الشباب لمشاهدة الأفلام في دولة البحرين ويعودون بعد ذلك إلى المملكة، تلك الرحلة التي كانت تتوجها روح المغامرة والحلم بصناعة سينما داخل المملكة. المثير أن الفيلم ذاته كان له حظ المشاركة والفوز بجائزة النخلة الذهبية في مسابقة الأفلام الوثائقية بالدورة الأولى لمهرجان أفلام السعودية، الذي بدأ تحت اسم “مسابقة أفلام السعودية”، وسط تحفظ على تلقيب أي فاعلية وتوصيفها بمهرجان سينمائي.
البداية كانت بتاريخ 24 مايو 2008، حيث انطلقت دورة المهرجان الأولى بالتعاون بين النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون بالدمام التي استقبلت عروض الأفلام والنقاشات بين الصناع، من الرياض، وجدة، والشرقية وغيرها من مناطق المملكة، يقطع الصناع تلك المسافات حتى تحظى أفلامهم بالعرض داخل المملكة.
على غرار تنسيق أسابيع الأفلام الأجنبية التي كانت تُقام بالنادي الأدبي تم برمجة الدورة الأولى بمشاركة 44 فيلما ضمن ثلاث مسابقات: مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، ومسابقة السيناريو، إلى جانب عروض أفلام خارج المسابقات، وإصدارات الكتب وتكريم مؤسس أول استديو تصوير في السعودية ومخرج أول فيلم سعودي “عبدالله المحيسن” الذي تم اختياره بالإجماع لدوره الريادي في صناعة السينما السعودية وذلك عقب 31 عاما على تقديم أول أفلامه “اغتيال مدينة” الذي صدر عام 1977.
عودة بعد غياب
وكأنها 7 سنوات عجاف توقفت بها “مسابقة أفلام السعودية” لتعود في حلة جديدة عام 2015 تحت اسم “مهرجان أفلام السعودية” وشعار “في لمح البصر” بعدما عاد الملا إلى مجلس إدارة النادي الأدبي تجدد الحماس وشارك 66 فيلما، وبلغ متطوعو المهرجان 400 فرد من بينهم الممثل إبراهيم الحساوي.
وحصد فيلم “شكوى” للمخرجة هناء العمير النخلة الذهبية في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، وكانت قد حصلت في الدورة الأولى على جائزة السيناريو عن سيناريو “هدف”، وفاز فيلم “الزواج الكبير” للمخرج فيصل العتيبي بالنخلة الذهبية في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة.
619 متطوعا من الجنسين شاركوا بالدورة الثالثة 2016، وكانت دورة استثنائية وفاز فيها عبد العزيز الشلاحي بالنخلة الذهبية عن فيلم “كمان”، كما فاز فيصل العتيبي وهند الفهاد، التي أصبحت عضو لجنة تحكيم مسابقة الطلبة في الدورة الرابعة 2017.
تقليد اعتمده المهرجان إذ يستفيد من الكوادر السينمائية التي تربت فنيا في كنفه، مثلما حدث مع عبدالله آل عياف وعباس الحايك وعبدالرحمن صندقجي.
توسعات جديدة
تحت شعار “أحلام تتحقق أو أفلام تتحقق” واكب مهرجان أفلام السعودية في دورته الرابعة 2017 المتغيرات التي تشهدها المملكة، ارتفعت معايير اختيار الأفلام في ظل تطور مستوى الأفلام المقدمة، ورعاية إثراء للمهرجان. وابتداء من الدورة الخامسة في 2019 اتسعت دائرة المهرجان لانضمام أسماء من خارج المملكة كأعضاء للجان التحكيم وكذلك المكرمين.
فاز فيلم “المغادرون” لعبد العزيز الشلاحي بالنخلة الذهبية، وحظي فيلم “لسان” لمحمد السلمان بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وتنويه لمونتاج فيلم “وسطي” للمخرج علي الكلمثي.
“المسافة صفر” كان اسم الفيلم الروائي الأول للمخرج عبد العزيز الشلاحي الذي افتتح مهرجان أفلام السعودية في الدورة الخامسة عام 2019 وفاز بجائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم روائي في مسابقة الأفلام الروائية.
“المسافة صفر” دليل على استدامة رؤية المهرجان حيث الاستثمار في المواهب وتنميتها كما هو الحال مع المخرجة والكاتبة هناء العمير التي شاركت كمشرفة بمختبر تطوير النصوص في الدورة ذاتها بعد أن كانت أحد الفائزين بها.
مع 2020 في الدورة السادسة تعاونت ثلاث جهات؛ جمعية الثقافة والفنون بالدمام ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” ودعم هيئة الافلام بوزارة الثقافة لإطلاق تلك الدورة التي تمت افتراضيا بسبب أزمة كورونا ورغم الحظر اختار المهرجان التفاعل عن طريق استحداث جائزة” اختيار الجمهور”.
50 فيلما متنافسا وجوائز بلغت قيمتها 285 ألف ريال سعودي إلى جانب ندوات وورش افتراضية حققت الجانب الإيجابي من الأزمة ما ترادف مع كلمة الملا الافتتاحية للدورة.
في الدورة السابعة 2021 فازت حكايات سعودية يسردها صناعها، فيلم “حد الطار” للمخرج عبد العزيز الشلاحي الذي تدور أحداثه في الرياض، وفيلم “أربعون عاما وليلة” للمخرج محمد الهليل، وجوائز لفيلم “سيدة البحر” الذي يدور على الضفاف.
السينما السعودية.. من الهواية إلى الاحتراف
عقب تلك الدورة الاستثنائية التي شهدت أفلاما وصناعا كانوا في الماضي هواة، والآن باتوا كبارا كان لابد من التفكير في حاضنة جديدة تخصص جهودها لرعاية المهرجان، فكانت “جمعية السينما” التي ضمت في مجلس إدارتها والمؤسسين أسماء عدة من بينهم “هناء العمير، أحمد الملا، سعد الدوسري، إبراهيم الحساوي، عبد العزيز الشلاحي، هند الفهاد، علي الكلثمي، جواهر العامري”.. وغيرهم.
مع الدورة الثامنة 2022 أسست جمعية السينما، أول جمعية سينمائية في المملكة، مهرجان أفلام السعودية بالتعاون مع إثراء وهيئة الأفلام، دورة اعتمدت على تضفير المواهب السعودية ضمن النشاط الفني في لجان التحكيم والمناقشات إلى جوار الكوادر الأجنبية القادمة من الخارج. وبعد أن كانت محل نقاش رواد النادي الأدبي أصبحت “السينما الشعرية” تيمة الدورة الثامنة.
اهتم المهرجان بإلقاء الضوء على رواد صناعة السينما والدراما داخل المملكة بداية من عبدالله المحيسن وكذلك إبراهيم القاضي الذي اشتهر بنشاطه المسرحي وسعد الفريح أحد رواد الدراما السعودية، وسعد خضر والممثل لطفي زيني. كما اتجهت النظرة إلى صناع السينما والدراما في منطقة الخليج برمتها مثل المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمرالله آل علي، الذي له العديد من المساهمات في حقل المهرجانات السينمائية وكذلك المخرج الكويتي خالد الصديق والممثل السعودي خليل الرواف الذي كان له السبق في المشاركة بأفلام هوليود.
مهرجان أفلام السعودية بيت الفيلم السعودي الأول، الذي ينتظره صناع السينما مع كل دورته للمشاركة بأفلامهم وصناعة الأفلام حتى تكون جاهزة للعرض به، خرج من رحم الإيمان بهذه الصناعة وسط ضغوط وصعوبات مادية ولوجستية رافقت المخاض الأول لكن الولادة أسفرت عن مستوى ينافس حتى يصل إلى التمثيل بجوائز الأوسكار كما حدث مع فيلم “اغنية الغراب” للمخرج محمد السلمان” الذي عُرض في الدورة التاسعة عام 2023.
