أحدث الحكايا

محمد طارق يحكي عن “كان 77”: فيلم افتتاح مخيب للآمال لا يقتل الحماس!

وصلت البارحة إلى مدينة كان، لحضور الحدث السينمائي الأبرز. من وجهة نظر شخصية، توقعت قبل حضوري للمهرجان منذ ثلاث سنوات أنني لن أحب مهرجان كان، لميلي أكثر للمهرجانات السينمائية الجماهيرية وليست تلك التي تقام في مدن سياحية معزولة، لكن رغم مشقات الحضور المادية والعملية وكثرة الإرهاق، إلا إنني منذ العام الأول لي هنا وأنا قد وقعت في حب هذا المهرجان الذي أعده الأكثر إشباعًا لكل محب للسينما وعامل بها.

أصبح هذا الوقت من السنة هو الأمتع على الإطلاق في وسط المحافل السينمائية، أفلام سينمائية تشغل الرأي العام لسنة كاملة بعدها سواء بالسلب أو الإيجاب، ومقابلات لجميع صناع السينما من منتجين ومخرجين وموزعين يأتون من جميع أنحاء العالم، من عدة مناطق زمنية مختلفة، لتكون منطقتهم الزمنية متطابقة قلبًا وقالبًا لمدة المهرجان أو جزء منه على الأقل.

بوصلة السينما

يشكل كان بوصلة أيضًا للسينما العالمية بشكل ما، فمعظم المخرجين يحلمون بالعرض الأول هنا، ويتساءلون عن كيفية الوصول لهذا المحفل وعرض أفلامهم والمشي على سجادته الحمراء أو حتى المشاركة في أقسامه الموازية سواء أسبوع النقاد أو نصف شهر المخرجين. ما يجعل ذوق القائمين عليه ربما الأكثر تأثيرًا في أوساط السينما المستقلة أو حتى العالمية، وهو ينجح في المزج بين الاثنين بشكل رائع، فمن هنا انطلقت معظم الأسماء السينمائية العالمية بينما لم يكن يعرف أحد عنها شيئًا، وهنا أيضًا عرضت ذات الأسماء أفلامها في المسابقة الرسمية وحازت عنها الجوائز.

جريتا جرويج مع أعضاء اللجنة كورييدا وبيير فرانشيسكو فافينو وإيفا جرين

 

صدمة الافتتاح

بعد الوصول والاستقرار في محل الإقامة والحصول على الاعتماد الصحفي، ذهبت في السابعة مساءً إلى قاعة ديبوسي لمشاهدة فيلم الافتتاح لكونتان دوبيو مع بث حي مخصص للصحافة لمشاهدة فعاليات حفل الافتتاح، وقبل الحديث عن الفيلم الذي جاء بشكل ما مخيبًا للآمال، يجب الحديث عن الحفل الذي شمل تقديمًا للجنة تحكيم المسابقة الرسمية ورئيسة اللجنة جريتا جرويج، صاحبة باربي الذي تخطت إيراداته المليار دولار العام الماضي، لتكون أول مخرجة تحقق ذلك النجاح التجاري.

جريتا جرويج أثناء حفل افتتاح مهرجان كان 77

 

باربي حالة استثنائية تجارية بالطبع، لكن مسيرة جرويج بشكل عام، كممثلة ومخرجة، تطرح العديد من التساؤلات عن تعيينها رئيسة للجنة بها أعضاء مثل كورييدا وبيير فرانشيسكو فافينو وإيفا جرين، فذلك الاختيار يعد تجاريًا بقدر تجارية فيلمها الأحدث، خلطة مربحة على المستوى الإعلامي، ومرضية لحسابات سياسية تتعلق بالإعلام الأمريكي ومدى قوته، أو هذا هو تخميني، إذ من المؤكد أنها تحظى الآن بشهرة أكبر بكثير من أي عضو في اللجنة، رغم أنه يمكن وصف أعمالها بالمتوسطة.

ميريل ستريب تتسلم السعفة الذهبية

 

بعد تقديم اللجنة، ظهرت إلى المسرح ممثلة كبيرة هي جولييت بينوش لتقديم السعفة الذهبية الفخرية إلى ممثلة كبيرة أيضًا هي ميريل ستريب، وبعد كلمة عاطفية طويلة من بينوش في حق ستريب، وجهت الأخيرة كلمات ثناء لبينوش وللمهرجان ولاختيارها للحصول على هذا الشرف، ثم توجهت بالشكر لشركاء رحلتها الفنية، وأعلنت هي وبينوش بشكل مشترك بدء أعمال الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي.

الفصل الثاني

بعد ذلك، بدأ فيلم دوبيو الأحدث “الفصل الثاني”، وبعد افتتاحية طويلة للفيلم مليئة بالكوميديا والسخرية من الصوابية السياسية، بدأ الفيلم في الانحدار تدريجيًا لكوميديا فرنسية تقليدية مليئة بالحوارات المطولة والنكات التي يمكن توقعها. أذكر الآن مشاهدتي لأول فيلم لدوبيو “مطاط” في المركز الفرنسي بالقاهرة قبل سنوات، ومدى استمتاعي بجرأته الفنية وأحزن أنه عندما اختار المهرجان فيلما له ليفتتحه كان فيلمه الأحدث الأقل جودة وسط كل الأفلام التي شاهدتها له في الأعوام الماضية؛ فعلى سبيل المثال، الفيلمان اللذان قام بإنجازهما في العام الماضي، وعُرض أحدهما في لوكارنو والآخر في فينيسيا، كانا أفضل بكثير من ذلك الفيلم، وأخص بالذكر “يانييك” الذي اختاره لوكارنو، والذي ربما نُسي سريعًا رغم مدى جودته كفيلم كوميدي يدور حول مُشاهِد لمسرحية يقوم بتهديد الفريق المسرحي لتمثيل مسرحية كتبها هو بدل التي يحفظها الممثلون والتي أثارت ضجره وهو يشاهدها.

فيلم الفصل الثاني- فيلم الافتتاح في مهرجان كان السينمائي

 

رغم ذلك، فإن “الفصل الثاني” بمطابقته لمواصفات الأفلام الكوميدية الفرنسية من حوارات طويلة، وتكرارات مضحكة، وسخرية من الصوابية السياسية وأوضاع العالم بشكل ما، وتخطيه للحائط الرابع، يبقى به شيء واحد جديد هو التزامه باسمه، إذ إنه فصل ثاني من حكاية وليس حكاية كاملة، لكن رغم ذلك فإن الفيلم يبقى متواضعًا في مسيرة مخرجه، وفي مسيرة افتتاحيات المهرجان أيضًا. لكن إن كان لعرض هذا الفيلم مكسب واحد، فهو بكل تأكيد نشر اسم مخرجه ذي الموهبة الضخمة في إنتاج الموسيقى والأفلام.

إجمالًا، فإن فيلم الافتتاح لن يثبط بأي حال من الأحوال حماس حضور مهرجان كان لمشاهدة بقية الأفلام المشاركة في المسابقة وخارجها، إذ إن الماراثون السينمائي لا يزال في بدايته وأبعد بكثير من أن يتم الحكم عليه بهذه السرعة.

عن محمد طارق

ناقد سينمائي مصري ومبرمج مهرجانات سينمائية ومدير ثقافي يقيم بين دبلن والقاهرة. نائب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومبرمج الأفلام القصيرة بمهرجان دبلن السينمائي الدولي، ومدير مشروع السينما من أجل التنمية بجمعية النهضة العلمية والثقافية (جيزويت القاهرة)، مبرمج أفلام سابق في مهرجان الجونة السينمائي، وعضو لجنة الاختيار في سوق ديربان لمحتوى الأفلام، ومستشار في ميدفيست مصر ومعهد جوته، وخريج أكاديمية لوكارنو للصناعة في بيروت، ومواهب ديربان. عضو جمعية نقاد السينما المصريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *