أحدث الحكايا

أحمد شوقي يحكي: أنجح أفلام في مصر خلال 2023.. أربع ظواهر تخبرنا بها الأرقام

انتهي عام 2023 السينمائي في مصر، عام يمكن وصفه بأنه حافل بالمتناقضات التي تمنحه خصوصية، وربما أهمية بما يُمكن أن يفسره ويمهد له فيما يخص مسار السينما المصرية خلال الأعوام المقبلة. شهد العام ظواهر إيجابية وأخرى سلبية، بانت آثارها في السوق السينمائي ممثلًا في شباك التذاكر وخريطة التوزيع.

اعتمادًا على القائمة الإجمالية لأكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات في مصر (المصدر: موقع السينما.كوم)، وعلى ملاحظاتنا الشخصية على مسيرة السينما المصرية خلال العام، وكذلك على ما أعلنته هيئة الأفلام السعودية من أرقام تخص القاعات في المملكة، يُمكن أن نضع يدنا على الظواهر التالية.

 

أولًا: بشارة بالمستقبل

عام 2022 كان الأول من فترة طويلة الذي تُقرر فيه لجنة السينمائيين المصريين عدم ترشيح أي فيلم للتنافس على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي لانخفاض المستوى. اللجنة عادت في 2023 للنشاط، ولم تكتف بترشيح فيلم، بل ونوّهت بظهور مواهب جديدة تستحق الانتباه.

لجنة الأوسكار اختارت ترشيح فيلم “فوي! فوي! فوي!” العمل الأول للمخرج عمر هلال بعد منافسة مع “وش في وش” العمل الثاني للمخرج وليد الحلفاوي. وفي وصول فيلميّ عمل أول وثاني للمنافسة النهائية والتنويه بمستواهما ما يحمل بشارة ببزوغ مواهب جديدة تستحق الاحتفاء. لكن المهم هنا وبخلاف الموهبة هو النجاح الذي حققه كلا الفيلمين في شباك التذاكر.

“وش في وش” جمع قرابة 36 مليون جنيه احتل بها الترتيب السادس بين الأفلام المصرية (السابع في الترتيب الإجمالي)، بينما جمع “فوي! فوي! فوي!” 33 مليون جنيه وضعته كثامن الأفلام المصرية (تاسع الترتيب العام). تمكُن الفيلمين من الجمع بين الحفاوة النقدية والحضور ضمن أنجح عشرة أفلام في العام ربما يكون إشارة لظهور جيل يحل أزمة انقسام السينما المصرية في العقد الأخير إلى أفلام جماهيرية لا يحبها النقاد، وأفلام فنية تُشارك في مهرجانات وتنال جوائز ولا ينتبه الجمهور لوجودها.

مصر ترشح "فوي فوي فوي" للمنافسة على الأوسكار | سكاي نيوز عربية

الخناقة كبرت بين العيلتين.. شاهد البوستر الرسمى لفيلم "وش فى وش" - اليوم السابع

 

ثانيًا: رقم قياسي ولكن

على قمة ترتيب إيرادات العام يُغرّد فيلم “بيت الروبي” للمخرج بيتر ميمي منفردًا بجمع 130 مليون جنيه جعلته صاحب الرقم القياسي لأكثر الأفلام تحقيقًا لمجموع إيرادات في تاريخ السوق المصري (دون حساب التضخم وعدد التذاكر المُباعة). النجاح يُرسخ لقيمة اسم بطل الفيلم كريم عبد العزيز كأكثر نجوم السينما تحقيقًا للإيرادات حاليًا، كذلك نجاح بيتر ميمي في بلوغ شفرة ذوق الجمهور المصري.

لكن تبقى هنا ملاحظات، الأولى أن نوع “بيت الروبي” هو نوع من غير المعتاد إطلاقًا أن يحقق هذا النجاح، فهو ليس فيلم أكشن أو كوميديا، وهي النوعيات المحببة عمومًا للجمهور المصري، لكنه كوميديا اجتماعية هادئة، تحاول بلا صخب تقديم وجهة نظر في سلوك مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي. فهل يُمكن البناء على هذا النجاح لنرى أفلامًا مشابهة في المستقبل القريب؟ وهل يُقبل الجمهور بالكثافة ذاتها على هذه الأفلام أم يكون مجرد نجاح استثنائي؟

فيلم بيت الروبي يتراجع للمركز الثالث بعد تحقيقه إيرادات 116 مليون جنيه - فن - الوطن

المدهش أيضًا هو قدر النجاح الهائل، فلولا ما حققه الفيلم لكان 2023 عامًا فاشلًا على المستوى التجاري بكل المقاييس. يكفي أن إيراداته قاربت ثلاثة أضعاف فيلم “أوبنهايمر” صاحب المركز الثاني، ويتجاوز الفيلم المصري الذي يليه في الترتيب بما يزيد عن 85 مليون جنيه كاملة. فهل مستوى نجاح الفيلم المصري في السوق المحلي حاليًا هو 130 مليون جمعها “بيت الروبي” أم 43 مليون حصدها “العميل صفر”؟ هذا ما ستكشفه لنا الفترة المقبلة.

 

ثالثًا: الفيلم الأمريكي.. صعود وهبوط

المركز الثاني في كامل إيرادات السوق المصري احتله الفيلم الأمريكي “أوبنهايمر” للمخرج كريستوفر نولان، بجمعه 44.6 مليون جنيه، وهي المرة الأولى تاريخيًا التي يصل فيها فيلم أمريكي لهذه المرتبة المتقدمة في شباك التذاكر المصري. ربما يرتبط الأمر بقيمة الفيلم نفسه والذي يمكنه اعتباره عملًا استثنائيًا على المستوى الجماهيري كان محبو السينما ينظرون صدوره لفترة طويلة، لكنه بالتأكيد يكشف عن القيمة المتزايدة التي حققتها الأفلام الأمريكية في السنوات الأخيرة في مواجهة الأفلام المصرية، وذلك بعد تحرير الفيلم الأجنبي من النظام القديم بعرضه في خمس قاعات فقط لحماية الصناعة المحلية.

فيلم Oppenheimer 2023 مترجم اون لاين - توب سينما

“أوبنهايمر” كان الفيلم الأجنبي الوحيد في قائمة أكثر عشرة أفلام تحقيقًا للإيرادات في مصر، لكن لو توسعنا لننظر لقائمة أكبر، سنجد أن أول 20 فيلمًا في الترتيب تضم ستة أفلام أمريكية، وهو عدد كبير بكل المقاييس يشير لتزايد نوعية من الجمهور هم من يقبلون على مشاهدة الأفلام الأمريكية فقط في القاعات.

تتبقى الإشارة لمشكلة سعر الصرف، فحتى أوبنهايمر بإيراداته الكبيرة وترتيبه غير المقبول، لا يكاد ما حققه في مصر يبلغ مليون دولار واحد حسب السعر الحقيقي للعملة، أي أن حجم السوق المصري آخذ في التناقص بالنسبة للعالم، لا سيما مع الصعود المذهل الحادث في السوق السعودي الذي صار بالفعل الأكبر في المنطقة.

 

رابعًا: سينما مصرية في السعودية

لم يعد من الممكن النظر إلى اقتصاديات السينما المصرية دون التطرق إلى السوق السعودي الذي صار ملعبًا رئيسيًا (وأحيانًا الملعب الرئيسي) للأفلام المصرية. الهيئة السعودية العامة لتنظيم الإعلام أعلنت عن إجمالي إيرادات 2023 حتى تاريخ 17 ديسمبر (باقي أرقام العام ستُعلن تباعًا)، ليكشف ما تم إعلانه عن الفارق الضخم بين السوقين.

“أوبنهايمر” تصدر أفلام العام في السعودية، بعدما باع 704 ألف تذكرة جمع من خلالها 44.3 مليون ريال سعودي، أي تقريبًا نفس الرقم الذي جمعه بالجنيه المصري في مصر، وبحسبة بسيطة نجد أن الفيلم حقق ثمانية أضعاف (بالسعر الرسمي) أو ما يزيد عن عشرة أضعاف (بالسعر الفعلي).

إيرادات الأفلام في المملكة العربية السعودية

 

الفيلم الثاني في السعودية هو الفيلم الكوميدي المحلي “سطار”، والذي باع 903 ألف تذكرة جمع من خلالها 40.6 مليون ريال. المُلفت هنا إن الفيلم باع مائتي ألف تذكرة أكثر من أوبنهايمر لكنه جمع أموالًا أقل، بما يشير للفكرة الذكية المنتهجة لدعم الفيلم المحلي، فبدلًا مما كنا نفعله في مصر بعرض الأفلام الأمريكية الكبرى بخمس نسخ فقط، تعرض السعودية الأفلام المحلية بسعر مُخفّض، فتسمح للسوق بالتوسع والنجاح، وتمنح الأفلام الوطنية ميزة تنافسية في الوقت نفسه.

ثلاثة أفلام مصرية تواجدت في العشرة أفلام الأكثر نجاحًا في السوق السعودي، يتصدرها “مستر إكس” الذي احتل المرتبة الرابعة بجمعه 29.5 مليون ريال، يليه “شوجر دادي” في الترتيب الخامس بجمع 29.1 مليون ريال، ثم “بعد الشر” في المرتبة التاسعة برصيد 21.8 مليون ريال. الطريف أن “مستر إكس” هو الفيلم الوحيد الذي تواجد في العشرة الكبار في البلدين، حيث احتل المركز الثامن في مصر بجمع 35.5 مليون جنيه. بينما غاب “بيت الروبي” عن الكبار في السعودية واكتفي “شوجر دادي” بما يقل قليلًا عن سبعة ملايين جنيه في مصر!

ما الذي يُمكن أن نفهمه من هذه الأرقام؟ هل نستبشر خيرًا بظهور مخرجين جدد بأفلام ناجحة نقديًا وجماهيريًا؟ أم نخشى من تناقص حجم السوق وتأثيره في طبيعة الأفلام في ظل صعود سوق هائل لا تزال الأفلام المصرية مطلوبة بقوة داخله، أو للدقة بعض أنواع الأفلام المصرية؟ هل يُمكن أن نصل في الأعوام المقبلة أن يكون الفيلم الأكثر نجاحًا في مصر خلال العام فيلمًا غير مصري؟ كلها أسئلة وتكهنات تفرزها أرقام العام، وعلينا أن نترقب ونتابع ونأمل في مستقبل أفضل للسينما المصرية.

———————————-

أعلى الأفلام من حيث الإيرادات في دور العرض المصرية في 2023
1 بيت الروبي 129,829,939
2 Oppenheimer 44,659,038
3 العميل صفر 43,617,594
4 تاج 42,598,796
5 البعبع 41,023,719
6 هارلي 35,934,566
7 وش في وش 35,806,052
8 مستر إكس 35,467,141
9 فوي فوي فوي 33,045,491
10 أبو نسب 31,685,483
11 يوم 13 31,240,591
12 Meg 2: The Trench 27,805,814
13 Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One 26,444,881
14 Fast X 26,090,252
15 شماريخ 24,708,050
16 The Nun II 21,980,419
17 John Wick: Chapter 4 17,055,773
18 مرعي البريمو 16,271,661
19 بعد الشر 15,911,745
20 شلبي 15,601,697

 

أعلى الأفلام المصرية من حيث الإيرادات في دور العرض المصرية في 2023
1 بيت الروبي 129,829,939
2 العميل صفر 43,617,594
3 تاج 42,598,796
4 البعبع 41,023,719
5 هارلي 35,934,566
6 وش في وش 35,806,052
7 مستر إكس 35,467,141
8 فوي فوي فوي 33,045,491
9 أبو نسب 31,685,483
10 يوم 13 31,240,591

 

أعلى الأفلام الأجنبية من حيث الإيرادات في دور العرض المصرية في 2023
1 Oppenheimer 44,659,038
2 Meg 2: The Trench 27,805,814
3 Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One 26,444,881
4 Fast X 26,090,252
5 The Nun II 21,980,419
6 John Wick: Chapter 4 17,055,773
7 Barbie 14,009,603
8 Aquaman and the Lost Kingdom 10,949,652
9 Evil Dead Rise 10,569,082
10 The Flash 10,310,214

———————————-

اقرأ أيضا:

أحمد شوقي يحكي: أحسن 20 فيلمًا عربيًا في 2023

عن أحمد شوقي

ناقد سينمائي مصري ومبرمج ومشرف سيناريو. حاليًا هو رئيس الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى)، ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين. ينشر مقالات أسبوعية عن السينما وصناعة الترفيه. كما أصدر ثمانية كتب متخصصة حول السينما المصرية. شوقي يشغل منصب مدير منطلق الجونة، برنامج تطوير المشروعات والإنتاج المشترك الخاص بمهرجان الجونة السينمائي. كما إنه مدير التطوير لمنطقة الشرق الأوسط بمنصة "فيو" الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *