في طفولتي وحين كنت أنزل بصحبة أبي إلى القاهرة كنت أسمع نداءات سائقي الميكروباص ذاهبة إلى منطقة باحثة البادية، كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها تلك العبارة التي ما زالت ملتصقة بأذني حتى الآن والتي بدأت في البحث عن معناها بعد ذلك بقليل، فكل ما عرفته حينها أنها واحدة من نساء مصر الأديبات في أوائل القرن العشرين.
ظُلمت صاحبة الاسم كثيرا بسببه، فقد كانت الأديبات تخترن اسما للشهرة في نوع من إخفاء الاسم الحقيقي في تلك الفترة لأسباب تتعلق بالتقاليد، ونظرة المجتمع إلى من تعملن في النطاق العام، وعلى الرغم من أن صاحبة هذا الاسم قد استهدفت تلك التقاليد على وجه التحديد فإن اسمها قد ظل غائبا ربما لتلك الظروف نفسها.
ملك حفني ناصف المولودة في حي الجمالية بالقاهرة في الخامس والعشرين من ديسمبر من عام 1886، والتي شاء القدر أن يتفق يوم مولدها مع زفاف الأميرة “ملك” إلى الأمير “حسين كامل” الذي صار سلطانًا بعد ذلك، فسمّاها أبوها باسم الأميرة، حيث كانت الابنة الكبرى لأبيها حفني ناصف بك رجل القانون والشاعر، وأستاذ اللغة العربية وأحد مؤسسي الجامعة المصرية والمجمع اللغوي، رجل العلم والدين والقانون، الذى جمع بين الدراسة بالأزهر والسفر إلى أوروبا وشارك في وضع قواعد الوقف والوصل في المصحف الشريف.
تربت ملك في بيت اعتبر الثقافة أساسا لبناء الشخصية وكان اهتمام أبيها باللغة والأدب قد انتقل إلى أبنائه الذين تدرجوا في التعليم وكانوا في طليعة المجتمع. وقد أشرت سلفا في مقال بعثة البنات إلى أن إحدى المبعوثات الأوائل لدراسة الطب في العشرينيات كانت كوكب حفني ناصف الأخت الصغرى لملك، وهو ما يبين اهتمام هذه الأسرة بتربية البنات وكسر التقاليد المألوفة من أجلهن.
لذلك كان من الطبيعي أن تبدأ ملك تعليمها في المدارس الأجنبية، ثم تلتحق بالمدرسة السنيَّة، التي حصلت منها على الشهادة الابتدائية سنة 1900، وهي أول سنة تقدمت فيها الفتيات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة، ولذلك يمكن اعتبارها أول فتاة مصرية تحصل على هذه الشهادة، وانتقلت بعدها إلى القسم العالي (قسم المعلمات) بالمدرسة نفسها، وكانت أولى الناجحات في عام 1903. وبعد تدريب عملي على التدريس مدة عامين تسلَّمت الدبلوم عام 1905 كما حصلت على شهادة في التعليم العالي لاحقًا، وقد عملت مدرسة في القسم الذي تخرجت فيه بالمدرسة السنيَّة حتى زواجها.
اهتمت ملك بالشعر والأدب في مرحلة مبكرة وكانت ترى أن قدوتها في ذلك عائشة التيمورية (1840-1902)، فكانت وفاتها حافرا لها لكي تنظم قصيدة في رثائها كانت هي أولى قصائدها المنشورة والتي قالت في بعض أبياتها:
فذب يا قلب لا تك في جمود وزد يا دمع لا تك في امتناع
ولا تبخل عليّ وكن جموحا فكنز العلم أمسى في ضياع
سنبقى بعد عائشة حيارى كسرب في الفلاة بغير راعي
مقال رائع د.هيثم ومعلومات قيمة ، اول مرة اعرف انها دخلت فى معارك أدبية مع قاسم امين، وكذلك القيم والأهداف التى وضعتها للنهوض بالمرأة مع الحفاظ على هويتها الإسلامية، وكيفية دعوتها لتعليم الطب ورعاية الأسرة.
جميل كالعادة فى السرد الممتع ، خالص تحياتى د.هيثم