في عام 1984 كنا في طفولتنا على موعد مع حدث مهم هو أولمبياد لوس أنجلوس، وكانت أهمية الحدث تكمن في أنها المرة الأولى التي يتم فيها نقل الألعاب الأولمبية على الهواء استغلالا لعمل الأقمار الصناعية الأمريكية الحديثة، فكانت تلك هي الفرصة الأولى لنا للتعرف على كثير من الرياضات التي لم نكن على علم بها أصلا.
كنت أجلس مشدودا أمام الشاشة –تليفزيون إن إي سي ملون 16 بوصة– قبل طلوع الفجر بقليل لأشاهد ألعابا لم أسمع بها من قبل ولم أشاهدها، مندهشا مما يفعله هؤلاء الناس، ألعاب القوى حيث الأسرع والأعلى والأقوى، مسابقات القفز والرمي والعدو بأنواعها الكثيرة، والجمباز والرياضات القتالية والتنافسية.
رأيت للمرة الأولى كيف علّم محمد رشوان بطل الجودو المصري العالم الأخلاق الرياضية حين تجاهل متعمدا إصابة خصمه الياباني في قدمه ولم يلعب مستغلا إياها ليخسر ذهبية اللعبة، ويكتفي بفضية مصرية وحيدة في الأولمبياد، لكنه يكسب احترام العالم كله، ويعرف بأنه المصري النبيل، ويتم تكريمه بطلا للروح الرياضية على مستوى العالم وفي اليابان.
وسط كل هذه الألعاب التي بدأت معرفتها في تلك الدورة يتم التركيز على أول ماراثون للسيدات في التاريخ، حيث إن أقصى مسافة كان مسموحا بها للسيدات قبل لوس أنجلوس هي العدو ألف وخمسمائة متر، وكانت تتم داخل مضمار ملعب كرة قدم، فلم يكن مسموحا للنساء بممارسة الجري في الشوارع كما ينص سباق الماراثون، الذي تبلغ مسافته ما يزيد عن واحد وأربعين كيلومترا، فيما عدّه الكثيرون في ذلك الوقت خطوة كبيرة نحو المساواة.
لتجد نفسك إذن وسط كل ذلك تراقب دخول المتسابقات واحدة تلو الأخرى لتدخل أولًا الأمريكية جوان بينوت أول فائزة في التاريخ بالماراثون ويتبعها باقي المشاركات.
لكن بعد أن انتهى الجميع يتم تركيز الصورة على آخر متسابقة والتي أتت بعد فترة طويلة جدا تزيد عن نصف الساعة، وهي تدخل مترنحة ليستقبلها الجمهور أولا بالاستهجان، فهي لا تبدو من الوهلة الأولى رياضية جيدة، وبعد قليل يتم كشف الأمر، فالمتسابقة هي جابرييلا أندرسون المولودة في زيورخ بسويسرا، عام 1945، والتي تقيم بولاية أوهايو الأمريكية لكنها شاركت بجنسيتها الأصلية السويسرية، وهي تناهز التاسعة والثلاثين عاما.
بالطبع أذكر هذه الواقعه وكان عمرى وقتها ٩ سنوات وأذكر أيضا حديث والدى رحمة الله عليه عنها وعن إصرارها رغم ما كانت عليه من إعياء
هذه الواقعة بالفعل كانت ملهمة جدا