لم تكن درية شفيق مجرد منادية بحقوق المرأة في منتصف القرن العشرين فقط لكنها كانت مثالا في تطبيق كل ما تنادي به على نفسها أولا، ولذلك فقد اجتمع لديها التدرب على فنون القتال وتكوين كتيبة نسائية عسكرية مدربة، وفي الوقت نفسه فقد كانت أول مصرية تشارك في مسابقات الجمال وتفوز بالمركز الثاني على الرغم من رفض واستهجان كل من حولها لكنها لم تتوقف عن تنفيذ ما تؤمن به طوال حياتها.
ولدت درية أحمد شفيق في 14 ديسمبر عام 1908 في مدينة طنطا، وكان والدها أحمد شفيق مهندسا بالسكة الحديد ولذلك كثيرا ما انتقلت عائلته بسبب وظيفته بين مدن الدلتا وطنطا والمنصورة والإسكندرية، بينما كانت والدتها رتيبة ناصف ربة منزل. كانت درية الابنة الثالثة بعد ولد وبنت، في عام 1915 أرسلها والدها إلى طنطا لتعيش مع جدتها فالتحقت هناك بمدرسة الإرسالية الفرنسية، غير أنها بعد وفاة والدتها في عام 1920 وانتقال والدها إلى الإسكندرية انتقلت معه والتحقت بمدرسة القديس فنسان دي بول، التابعة للإرسالية الفرنسية أيضا، وبعد انتهائها من الدراسة بهذه المدرسة، لم تكن مواصلة التعليم هناك متاحة إلا للأولاد، لذلك درست بنفسها وأكملت امتحانات المناهج الفرنسية الرسمية قبل الموعد المحدّد لها؛ وهو ما أجبر المدرّسين الذين استبعدوها على الاعتراف بكونها واحدة ممّن حصلوا على أعلى الدرجات في مصر.
سعت درية إلى مقابلة هدى شعراوي بالقاهرة، وهي التي ساعدتها في حصولها على منحة وزارة المعارف للتعليم في فرنسا، وفي أغسطس 1928 أبحرت مع إحدى عشرة فتاة مصرية من الإسكندرية الى أوروبا ورغبت في دراسة الفلسفة وحين عارض المكتب المصري في باريس كتبت للدكتور طه حسين، فوافقت الوزارة على رغبة درية ودرست الفلسفة والاجتماع والأمراض العقلية (علم النفس) وبدأت تكتب الشعر بالفرنسية، وقرر المكتب المصري إنهاء المنحة وإعادتها لمصر، لكن درية تحدت قرار المكتب وقررت أن تواصل الدراسة على نفقتها ونزلت في الدار الدولية 93 شارع سان ميشيل، وهى دار عرفت بالالتزام والدقة، وعاشت على وجبة واحدة في اليوم، فتراجع المكتب وأعاد لها المنحة الدراسية مع موافقته على إقامتها بالدار الدولية لحسن سمعتها، وحصلت على الليسانس بمرتبة الشرف، وعادت لمصر عام 1932.
بعد عودتها إلى الإسكندرية في صيف 1935، عرفت شفيق بوجود مسابقة لاختيار ملكة جمال مصر، ودخلتها من دون إخبار عائلتها وحصلت على المركز الثاني، وتعرضت لانتقادات بسبب خوضها تلك المسابقة التي كانت مقتصرة على القبطيات وذوات الأصول الأوروبية.
ثم عادت مجددا لباريس في فبراير 1940، للحصول على الدكتوراه في الفلسفة عام 1940، وكان موضوع الرسالة “المرأة في الإسلام”، ولدى عودتها من فرنسا برفقة زوجها، رفض عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة أحمد أمين تعيينها في الجامعة لتدريس الفلسفة، وكان مبرره في هذا الموقف أن لا يستطيع تعيين امرأة جميلة للتدريس بالجامعة، وتم تعيينها مفتشة للغة الفرنسية بوزارة المعارف، كما عرضت عليها الأميرة شويكار منصب رئاسة مجلة المرأة الجديدة التي تصدرها، لكنها لم تستمر في منصبها طويلا، حيث قامت بنفسها بإصدار مجلة بنت النيل التي كانت أول مجلة نسائية ناطقة بالعربية وموجهة لتعليم وتثقيف المرأة المصرية.
وفي أثناء تواجدها في باريس، التقت درية شفيق بنور الدين رجائي الذي كان حاصلاً على درجة الدكتوراه في القانون التجاري، وتزوجت منه وأنجبا ابنتين هما عزيزة وجيهان.
يمكنكم متابعة باقي المقال الأسبوع القادم.