“شهر العسل” من منا لم يعش تجربة شهر العسل، حتى لو كان شهر العسل هذا قصيرًا، أو انقلب بعد ذلك، كما يقول المثل “شهر بصل”!
عندما نتابع على صفحات الشبكة العنكبوتية ما يتعلق بشهر العسل في مصر، ستكون الأغلبية لإعلانات أين تقضي شهر العسل؟ وتشير بعض هذه الإعلانات إلى “الفنادق الرومانسية” لقضاء شهر العسل، وبعضها يشير إلى فنادق صغيرة، وبعضها إلى فنادق فاخرة. وتطرح صفحة على الشبكة العنكبوتية هذا السؤال: هل مصر تصلح لشهر العسل؟ وترد صفحة أخرى على ذلك بالترويج إلى أماكن خارج مصر لقضاء شهر العسل، وأشهر تلك الأماكن هي تركيا وجزر المالديف، وترد صفحة ثالثة بتحديد أفضل عشرة أماكن لقضاء شهر العسل في مصر، على رأسها بالقطع شرم الشيخ، بينما تُرجِح صفحة رابعة الغردقة. ولا تُحبِذ بعض المواقع الذهاب إلى شواطئ جزر المالديف لقضاء شهر العسل، وترى أن هناك في مصر أربع مواقع -على وجه التحديد- لا تقل جمالاً عن المالديف وهي: مرسى علم، سيوة، دهب وسهل حشيش.
شهر العسل في السينما
وبعيدًا عن الصراع السياحي على أين تقضي شهر العسل؟ سواء في مصر أو خارجها، نجد شهر العسل يدخل أيضًا المجال السينمائي، بل ويصبح شهر العسل عنوانًا للعديد من الأفلام السينمائية في مصر، لعل من أشهر أوائل هذه الأفلام فيلم “شهر العسل” للمطرب المشهور فريد الأطرش، والممثلة الكبيرة مديحة يسري، وإخراج أحمد بدرخان، وقصة وحوار الرائع بديع خيري، هذا الفيلم إنتاج عام 1945، مع نهايات الحرب العالمية الثانية.
لكن لم يسأل أحد نفسه هل عادة الاحتفال بشهر العسل متجذرة في التقاليد المصرية؟ وهل هناك تراث طويل في الثقافة المصرية بالاحتفاء بعادة شهر العسل؟
في حقيقة الأمر لم يعرف المجتمع المصري عادة الاحتفال بشهر العسل إلا حديثًا، وحديثًا جدًا، فهي في الأصل عادة أجنبية دخلت إلى المجتمع المصري في مطلع القرن العشرين، مع احتكاك المجتمع المصري بالعديد من الجاليات الأجنبية التي كانت تعيش في مصر آنذاك، فضلاً عن البعثات العلمية، وسفر المثقفين المصريين إلى الخارج واستحسانهم لبعض العادات الاجتماعية الأجنبية، والعمل على إدخالها إلى المجتمع المصري، والترويج لها من خلال كتاباتهم.
وتعتبر مجلة “السفور” المصرية التي صدرت في عام 1915، وفي فترة الحرب العالمية الأولى؛ حيث كانت الرقابة الإنجليزية مفروضة على الأخبار السياسية، فاتجهت مجلة السفور إلى الاهتمام بالجانب الاجتماعي والثقافي لإصلاح المجتمع. من هنا كان عنوان المجلة “السفور” ليس لمجرد سفور وجه المرأة، ولكن سفور وجه المجتمع إلى المستقبل؛ حيث حرصت المجلة على إدخال بعض الأفكار والعادات الاجتماعية الغربية إلى مصر، في إطار جعل مصر قطعة من أوربا.
وإذا نظرنا إلى مجموعة مؤسسي هذه المجلة سنجد خيرة مفكري مصر آنذاك مثل: طه حسين، ومحمد حسين هيكل ومنصور فهمي وعبد الحميد العبادي وغيرهم.
عادة أوروبية.. لكن ما هدفها؟
ومن الأفكار الاجتماعية المهمة التي طُرِحَت على صفحات المجلة، فكرة إدخال عادة شهر العسل “Honeymoon” إلى مصر؛ حيث أشارت المجلة إلى شيوع هذه الفكرة في أوروبا، ومدى أهميتها في إنجاح الزواج. وذكرت المجلة أن فكرة شهر العسل لا تعود فقط إلى مجرد المتعة واللذة للزوجين في بداية حياتهما الزوجية، وهذا مطلوب في حد ذاته، ولكن هناك هدف أسمى ومطلوب لإنجاح مؤسسة الزواج؛ إذ أوضحت المجلة أن الهدف الأساسي من سفر الزوجين بعد الزواج مباشرةً لقضاء فترة ناعمة وهادئة في مكان بعيد، هو البُعد عن الأهل والأسرة، حتى تأتلف حياة الزوجين في بدايتها دون أي مؤثر خارجي من الأهل، وحتى يعود الزوجين بعد ذلك إلى عالمهما، وأسرتيهما بقدرٍ كبير من الأُلفة والحب والتجانس.
هكذا بدأت الفكرة في مصر، وسرعان ما انتشرت وخاصةً بين أبناء الطبقة الوسطى، طبقة العادات والتقاليد، ثم انتشرت بعد ذلك بين كافة طبقات المجتمع، وأصبحنا جميعًا نمارس عادة شهر العسل دون أن نسأل أنفسنا مَن أول من أدخل هذه الفكرة إلى مصر؟ وما هو الهدف الأسمى والحقيقي من وراء عادة شهر العسل؟