أحدث الحكايا

شريف الشافعي يحكي: نجيب محفوظ وسرديات الأمكنة القاهرية (1-2)

في هذه الجغرافيا المتحركة، المستحيلُ بعينه هو تحديد نقطة زمنية ينتهي فيها يوم، ويبدأ يوم جديد. لا الفجر يصلح أن يكون ذلك الحد الافتراضي الفاصل بين يومين، ولا منتصف الليل، ولا غروب الشمس بطبيعة الحال. هنا، كل شيء ينطلق باستمرار في مسار دائري متصل، يستوي في ذلك البشر والزمان والمكان. هنا خريطة الصخب، والازدحام المثير، وفوران الحياة كما لو أنها تزيد على الحيّز الضيق المخصص لها.

كانت رحلتي إلى “خان الخليلي” في قاهرة المعزّ لدين الله الفاطمي واحدة من مجموعة رحلات استكشافية مطوّلة إلى أمكنة روايات العمّ نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006)، الذي حلت منذ يومين ذكرى رحيله معلنة أنه باقٍ كهذه الكونيّات الدائرية التي لا تزول. احتشدتُ وقتها، في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، لعمل استقصاء تحليلي مصوّر يتلمّس المكان الشعبي بين الواقع والإبداع في أبرز روايات محفوظ وأقاصيصه التي تفسح للمكان دور البطولة.

خان الخليلي

 

إنها السرديات الكبرى للأمكنة القاهرية النابضة، التي حكاها صاحب نوبل في أعماله، فهل لي أن أحكي عنها في زمني، وأحكي عمّا حكاه في زمن أعماله وشخصياته؟ إن “خان الخليلي”، و”زقاق المدق”، و”بين القصرين”، و”قصر الشوق”، و”السكرية”، وغيرها، هي سرديات محفوظ الخالدة بحضورها الدلالي الفني المتجاوز، دراميًّا وتصويريًّا وفلسفيًّا، وأيضًا بحضورها الطبوغرافي الأمين، أرضًا وطبيعة وبشرًا، فإلى أي مدى يتطابق الحقيقي والمتخيَّل في قاموسه، وإلى أي حدّ تظل هذه المرويّات على عهدها، بعد تعدد أجيال الرواة؟!

أوراق متداخلة

هكذا تشعّبت الرحلة، وتشابكت فروع شجرة الحكايات، بين تسجيل محفوظ الجغرافي الصريح للأمكنة القاهرية؛ وتسجيله الإبداعي الإسقاطيّ الرمزيّ من جهة، وبين خرائط الأحياء والشوارع والأزقة والحارات القاهرية في عهد روايات محفوظ؛ وهذه الخرائط في زمن رحلتي الذاتية من جهة أخرى. وتجسّدت المفارقة أكثر وأكثر بالمقارنة بين التصوير المحفوظي الذي يحكي هذه الأمكنة ويرسمها بدقة من خلال الكلمات والعبارات المنحوتة، والصور الفوتوغرافية الحديثة التي تروي سرديات الأمكنة نفسها بعيون كاميرا عصرية متطورة في يدي.

ولم تتوقف غاية الرحلة عند تدوين تحولات المكان وتطوراته الظاهرية عبر الزمان، ولكن الحكاية توغّلت إلى قراءة التغيرات المجتمعية والتطورات الحياتية، واستشفاف مؤشرات العادات والتقاليد ومنظومة القيم والسلوكيات والأخلاقيات وغيرها فوق المكان النوعي الدال، التي رصدها نجيب محفوظ وقيّمها وحللها في زمن الرواية، وصار من الضروري إعادة رصدها وتقييمها وتحليلها من جديد.

صناعات خان الخليلي التقليدية

 

ولم تقتصر الرحلة أيضًا على ذلك المكان الجغرافي المباشر في روايات محفوظ الواقعية الأولى، ولكن الحكاية تمددت إلى المكان الرمزي والمكان الفانتازي في روايات وأقاصيص محفوظية أخرى، منها “قشتمر”، و”الباقي من الزمن ساعة”، و”الحب فوق هضبة الهرم”. وفي هذه الأعمال، التي يجسّد فيها المكان طبيعة خاصة، قد يصير الانحدار الجغرافي للمكان في أزمته وشيخوخته ومرضه مرآة لانحدار مجتمعي وتاريخي وحضاري ومفاهيمي، كما أن المكان الأسطوري قد يكون الهواء الذي يتنفسه الشخوص ليُنعش تمردهم وجنونهم ويؤكد قدرتهم على نسج أحداث درامية لامعقولة.

المشربية وما وراءها

أنتجت شجرة الحكايات ثمارًا كثيرة، بعضها يخص الرحلة إلى أمكنة روايات محفوظ الواقعية الأولى، التي تتناولها سطور هذه الحلقة، وبعضها الآخر نتاج الرحلة إلى سردياته اللاحقة، التي تحررت فيها كتابته واتخذت مدارات مراوغة منفلتة، كما سيتضح في الحلقة المقبلة. “بين القصرين” على رأس هذه المحطات الواقعية، حيث تصوّر الرواية ملامح الحياة والبشر وطبيعة المكان في هذه المنطقة بحي الجمالية، وأيضًا في “النحاسين” و”بيت القاضي” و”درب قرمز” و”الخرنفش” و”الصنادقية” وغيرها من مناطق القاهرة الفاطمية، بالقرب من مسجد الحسين.

منطقة النحاسين في شارع المعز

 

وبالعودة إلى رواية الأجيال الشهيرة، التي تنتهي أحداثها مع ثورة عام 1919 باستشهاد فهمي، الابن الأوسط في عائلة السيد أحمد عبد الجواد، نجد موضع بيت العائلة “بيت سي السيد” بمشربياته الخشبية أمام سبيل بين القصرين، عند نهاية سكة النحاسين، وامتداد شارع بين القصرين (شارع المعز لدين الله حاليًا)، وفي مقابل عطفة الخرنفش (شارع الخرنفش حاليًا)، وبمحاذاة درب قُرمز.

وبالانتقال إلى هذا الموضع، تلتقط كاميرا العصر بناءً تاريخيًّا، هو قصر الأمير “بَشتاك”، الذي جرى تشييده في القرن الرابع عشر الميلادي. وهو بناء متسع، متعدد الأدوار والمشربيات، ويحتوي على جناح يسكنه بعض الأهالي. ويمكن اعتباره “المعادل المكاني” لبيت عائلة أحمد عبد الجواد وفق خريطة الرواية، فهل كان نجيب محفوظ يقصد هذا البناء بعينه؟ لعله قد اختاره، اعتقادًا منه بأن الزمن سيحافظ عليه، لأنه بناء أثري. أما بيت والدة “أمينة” (زوجة أحمد عبد الجواد) في “عطفة الخرنفش”، فلم يعد له وجود أو أثر يوحي بأن ما ورد عنه في النص الروائي كان حقيقيًّا. وكذلك اختفى منزل أم “ياسين” (الابن الأكبر لسي السيد) “في طريق الجمالية.

قصر بشتاك

 

أما ميدان “بيت القاضي”، الذي كان الابن كمال عبد الجواد يسميه ميدان ذقن الباشا، وهو اسم الزهر الذي يعلو أشجاره، أو يسميه ميدان شنجرلي، وهو اسم بائع الشيكولاتة التركي، فلا يزال محتفظًا باتساعه واخضراره. وقد اختفى شنجرلي بائع الشيكولاتة التركي بالتأكيد، وحل مكانه سوبر ماركت حديث، ومتجر للعصافير الملونة. وبالانتقال إلى موضع دكان السيد أحمد عبد الجواد أمام جامع برقوق بالنحاسين، هناك بالفعل أكثر من محل يمكن أن يجسّد هذا الدكان. ففي هذه المنطقة، لا تزال تنتشر محلات العطارة والصناعات والحرف التقليدية مثل الذهب والفضة والنحاس والألومنيوم والخشب والصَّدَف.

بوابة بيت القاضي

 

لقد وصف نجيب محفوظ ملامح الروح الشعبية في هذه الأمكنة والدروب المزدحمة، التي لا تغيب عنها الضوضاء، ولا ينقطع عنها تيار المارة، وعربات اليد والكارو، وعربة “سوارس” التي تترنح من ضخامتها وثقلها، والباعة المغنون الذين ينشدون وهم يبيعون الفاكهة والخضراوات. وبالكاميرا الفوتوغرافية الحديثة، فإن المنطقة لا تزال تحتفظ بشعبيتها، مع زيادة الضوضاء والازدحام. وقد أضيف إلى بائع الفول واللبان والشربتلي، الذين وردوا في الرواية، بائعو البطاطا والذرة المشوية والكشري والعصائر والسندويتشات وغيرهم. أما عربة “سوارس”، فقد اختفت لتحل محلها آلاف السيارات والدراجات البخارية ووسائل النقل العصرية الأكثر إزعاجًا.

ولا تزال منطقة الجمالية تحتفظ بطابعها الشعبي، حيث تجمع طوائف التجار والحرفيين والصنايعية والموظفين والطلاب والعاملين في الآثار. وقد صار للمرأة حضور كبير إلى جانب الرجل في هذه المجالات كلها، بعدما كانت في زمن رواية نجيب محفوظ قابعة خلف المشربية، وفي حجرة العجين، وأمام الفرن، وفوق السطح مع الحمام والدجاج. وقد خلت أسطح البيوت الجديدة من الطيور والدواجن، وحلت محلها الهوائيات وأطباق استقبال القنوات الفضائية، وإن ظلت الخصوصية المعمارية والأثرية طابعًا مميزًا للمكان التاريخي العريق، فالجمالية أو “مدينة القصور”، هي أقدم أحياء مصر القديمة الإسلامية، وتعود إلى قرابة ألف عام.

سوق بين القصرين القديمة

 

أما الأثر الذي غاب عن المنطقة، ولم يحزن عليه أحد، فهو ذلك “البرقع الأسود”، الذي كان يغطي وجه المرأة وحياتها في “بين القصرين” وغيره من الأحياء الشعبية في زمن الرواية. وقد كان هذا الغطاء يعزل المرأة المصرية تمامًا عن المجتمع والعالم الخارجي، ولم تكن المرأة تتطلع إلى الشارع حتى إلا من خلال المشربية. وقد كان خروج المرأة في مظاهرات عام 1919، في نهاية رواية “بين القصرين” تبشيرًا بظهور “المرأة الجديدة”، التي تقوم بأدوار إيجابية مختلفة، في البيت والمجتمع. لقد جسّدت رواية “بين القصرين”، مثلما أوضح نجيب محفوظ نفسه في حوار له، تغيرات المجتمع ويقظته من غفوته، بعدما دق جرس الثورة.

تحولات وانفتاحات

وإلى محطة واقعية أخرى، حيث شارع “قصر الشوق”، الذي اتخذه نجيب محفوظ عنوانًا لروايته. ولا تزال الآثار الإسلامية هناك، وبقايا البيوت القديمة، وعربات الفاكهة الخشبية، والملايات اللف، والدكاكين العتيقة، تدافع كلها عن الماضي، بينما يشير أسفلت الطريق، والكوافير الحديث، والمطبعة الجديدة، ونادي الفيديو جيم، وهوائيات التليفزيون، وأطباق الفضائيات، إلى وجه الحاضر. وفي الرواية، انقسمت عائلة “سي السيد” بعد منتصف عشرينيات القرن العشرين إلى ثلاثة بيوت: البيت الكبير في بين القصرين، ويضم السيد أحمد عبد الجواد والزوجة أمينة والابن كمال. والدار الشوكتية في السكرية، وتضم الابنتين خديجة وعائشة وزوجيهما وأبناءهما. بينما انتقل الابن الأكبر ياسين إلى قصر الشوق ليعيش هناك بمفرده في منزل والدته بعد وفاتها.

وفق الرواية، فإن منطقة قصر الشوق المزدحمة تضم البيوت ذات المشربيات، والدكاكين الصغيرة المتلاصقة، وتشتهر بعربات الفاكهة. وبالانتقال إلى المنطقة في الرحلة المعاصرة، فإن طريق الجمالية قد تغطى بأسفلت الحضارة الذي طمس الأرض الترابية القديمة، وفوقه تتجاور المتاجر القديمة، ومحلات الفاكهة (في موضعها ذاته بالرواية)، والمخازن، وعربات الكارو، ودكاكين الفحم، والورش والمطاعم، وبائعو الروبابيكيا، والمكوجي التقليدي، ولا يزال الزحام والضوضاء على حالهما. وتمتلئ المنطقة بالآثار الإسلامية الفريدة، ومن أبرزها المسافر خانة ومسجد سيدي مرزوق الأحمدي.

منطقة النحاسين في شارع المعز

 

وتتفجر رائحة الزمن العتيق أيضًا في منطقة قصر الشوق من بعض السيدات اللاتي يرتدين الملاءة اللف السوداء، وهو أمر مدهش للغاية أن يظل هذا العدد غير القليل من مرتديات الملاءة اللف في هذا الشارع بالذات، مثلما ذكرت الرواية. أما في منطقة “السكرية”، التي اتخذها محفوظ عنوانًا للجزء الثالث من ثلاثيته، فقد بدأت تظهر على المرأة في الرواية سمات التحرر، كدلالة على تحرر المجتمع وتطوره، رغم بقاء المشربيات في البيوت.

لكن مشربيات “السكرية” لم تكن كمشربيات “بين القصرين”، ففي “بين القصرين” كانت المشربية هي النافذة الوحيدة التي ترى المرأة الدنيا من خلالها. أما مشربيات “السكرية”، فهي نوافذ للتسلية وقضاء وقت الفراغ والمتعة بالنسبة لعائشة ابنة السيد أحمد عبد الجواد، التي اعتادت الخروج مع زوجها ومشاركته في كل شيء حتى في الغناء والتدخين! لقد بشّرت رواية “بين القصرين” في نهايتها بتحولات المجتمع المصري الجديد مع انطلاق ثورة 1919م، فيما أبرزت “قصر الشوق” العوامل الطبقية التي سعت إلى إفساد هذه الثورة، وفي “السكرية” تجددت ثورات أخرى مع دخول شباب جديد إلى المسرح.

مهرجان بلا انقطاع

وإلى محطة واقعية أخرى، حيث غادر أحمد عاكف حي السكاكيني خوفًا من غارات الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وانتقل إلى “خان الخليلي”، بحثًا عن الأمان والهدوء، لكنه فوجئ بغارات مصرية مزعجة، مصدرها الضوضاء التي لا تتوقف ليل نهار! إن منطقة “خان الخليلي”، التي كانت في يوم ما مقبرة للخلفاء الفاطميين، قد صارت منطقة لا يعرفها الهدوء والسكون أبدًا في أربعينيات القرن الماضي، كما تصف الرواية، وفي العصر الحديث أيضًا، مثلما تسجّل عدسات كاميرا الواقع. إنه الحي الزاخم بأنفاس الحياة حدّ الجنون، والذي يمتلئ بالورش والمحلات والبازارات والمطاعم والمقاهي التي تستقبل روادها طوال اليوم.

النهار، في خان الخليلي، تقتسمه البازارات والمحلات التي تعرض الأشغال الفنية من منتجات الفضة والنحاس والأرابيسك والسيرما والصدف والعاج والعطور والمسابح والبردي وغيرها، إلى جانب المقاهي والمطاعم التي تملأ المنطقة. أما الليل، فهو يكاد يكون مخصصًا لهذا العدد الضخم من المقاهي المتلاصقة، حيث تمتد السهرات للصباح، بعد أن تغلق المحلات أبوابها. وقد تطورت هذه المقاهي مقارنة بزمن الرواية، فبعد أن كانت مجرد مقاهٍ تقدم المشروبات وتسمح بألعاب النرد والدومينو، صارت أقرب إلى الكافيتريات أو الكازينوهات. وتعددت أنشطتها، فقد تقام فيها الأعراس، كما تُعقد فيها حفلات الغناء الشعبي والعزف الموسيقي على العود والكمان والربابة.

وهذه المهرجان الليلي الذي لا ينقطع، قد نقله نجيب محفوظ من خلال شخصية أحمد عاكف، الساكن الجديد في الحي في سبتمبر 1941، حيث “لم يستطع أنْ يركز انتباهه في القراءة لما أحدثه تغير المكان في نفسه من اليقظة والقلق، فمضى في مطالعة فاترة متقطعة، ومضى من الليل ساعة فسكنت ضوضاء النهار، ولكن لتحل محلها ضوضاء أشد وأفظع، سرعان ما جعلت الحي جميعه كمسرح من مسارح روض الفرج الشعبية. أما مصدرها فالقهاوي العديدة المنتشرة في جوانب الحي، فالراديو يذيع أناشيده وأحاديثه بقوة وعنف فكأنه يذيع في كل شقة، والندّل لا يكفون عن النداء والطلب في أصوات ممطوطة ملحنة: واحد سادة، شاي أخضر، تعميرة على الجوزة، وشيشة حِمِّي، ودق قطع النرد والدومينو وأصوات اللاعبين! فخال نفسه في طريق مزدحم بالمارة لا في شقة، وعجب كيف يحتمل أهل الحي ضوضاءه أو كيف يغمض لهم جفن؟!”.

أما السيناريو النهاري لضوضاء الأربعينيات من القرن الماضي فينقله نجيب محفوظ أيضًا، وذلك حينما تصاعدت إلى أحمد عاكف من الطريق “ضجةٌ مزعجة وضوضاء فظيعة، فأنكرها وأصغى إليها بانتباه، فتبين له أنها أصوات أطفال يلعبون ويغنّون، وبدا الطريق وكأنه نادٍ رياضي ساذج، فهذه جماعة تلعب بالجديد وتلهب الأكف بالطرة، وهذه جماعة تلعب بالبلي، وتلك عصبة تحجل، وتلك أخرى تتصارع، واقتعد الصغار الطوار يرقصون ويغنون ويصفقون. اضطربت الأرض وضج الجو وثار الغبار فأيقن ألا قيلولة منذ اليوم!”. وهكذا الحال، حتى يومنا هذا، إذ لا يستطيع أحد اختيار نقطة زمنية يتحدد عندها بدء السيناريو الدائري لحياة الخان ومنطقة الحسين بالكامل.

مشغولات خان الخليلي

 

وتضم منطقة خان الخليلي الكثير من الآثار الإسلامية اللافتة، منها وكالة القطن ووكالة السلحدار وباب السلطان الغوري، ومجموعة كبيرة من المباني والمنازل القديمة، ويعود تاريخ الخان إلى أكثر من 600 عام ماضية. أما معظم أسماء الطرق والدروب والمقاهي وعناوين المنازل التي وردت في رواية “خان الخليلي”، فيبدو أن نجيب محفوظ قد فضّل في هذه المرة استخدام أسماء مؤلَّفة غير حقيقية، وإن كان لها ما يعادلها مكانيًّا ونفسيًّا، كما أن وصفه لتفاصيل المكان ككل لا يختلف عما ترصده الكاميرا العصرية. فهو هنا يتجاوز المكان الموجود إلى خلق أمكنة تمثل حقائق يتم السعي إلى ترسيخها من خلال جماليات الفن. ويظل من أهم جوانب الواقعية قدرة الكاتب على تخيل أمكنة مطابقة لحقيقة الواقع الخارجي.

عن شريف الشافعي

شاعر وكاتب مصري، من مواليد 1972، صحفي بمؤسسة "الأهرام" المصرية. صدرت له ثمانية دواوين، منها: «الأعمال الكاملة لإنسان آلي»، و«كأنه قمري يحاصرني»، و«هواء جدير بالقراءة». صدر له كتاب «نجيب محفوظ.. المكان الشعبي في رواياته بين الواقع والإبداع». تُرجمت أعماله الشعرية في كتب منفردة وأنثولوجيات إلى لغات عدة، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والصينية. شارك في مهرجانات شعرية دولية في فرنسا والولايات المتحدة والصين والمغرب ولبنان والأردن والسعودية وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *