أحدث الحكايا

د. محمد عفيفي يحكي: حكاية الأغنية الوطنية والتاريخ (2-2) هكذا تطور النشيد الوطني

في اللحظات الاستثنائية في تاريخ الأمم تستدعي الشعوب بشكلٍ تلقائي الأغاني الوطنية التي رسخت في ذاكرتها عبر لحظاتها النادرة، ومع تصاعد الأحداث بعد 25 يناير وسخونة المواقف استدعت الجماهير في ميدان التحرير وميادين مصر كلها العديد من الأغاني الوطنية، التي صنعت الذاكرة الجماعية للشعب المصري.  غنت الجماهير في الشارع ورددت أيضًا بعض وسائل الإعلام أغاني طالما هزت وجدان الشعب مثل أغنية “بلادي بلادي” التي هي في الوقت نفسه النشيد الوطني لكنها أيضًا محفورة في الوجدان المصري على أنها الشعار الذي رفعه “مصطفى كامل” للحركة الوطنية، وأيضًا هي أغنية ثورة 19، وجديرة أن تُرَدَّد من جديد في ثورة 25 يناير.

وسيرًا على درب أغاني حب الوطن رددت الجماهير أيضًا الأغنية الشهيرة لشادية “يا حبيبتي يا مصر”، كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي:

يا بلادي يا أحلى البلاد يا بلادي

فداكي أنا والولاد يا بلادي

يا حبيبتي يا مصر

ما شافش الأمل في عيون الولاد وصبايا البلد

ولا شاف العمل سهران في البلاد والعزم اتولد

ولا شاف النيل في أحضان الشجر

ولا سمع مواويل في ليالي القمر

أصله معداش على مصر

يا حبيبتي يا مصر

ما شافش الرجال السمر الشداد

فوق كل المحن

ولا شاف العناد في عيون الولاد

وتحدي الزمن

ولا شاف إصرار في عيون البشر

بيقول أحرار ولازم ننتصر

أصله معداش على مصر

استمع لأغنية «يا حبيبتي يا مصر» من هنا 

شادية

واستعادت ذاكرة جيل السبعينات أغاني الشيخ إمام والحلم المفقود لهذا الجيل الذي فرح بتحققه أخيرًا مع ثورة 25 يناير، وردد الجميع الأغنية الشهيرة للشاعر نجيب شهاب الدين ولحن وغناء الشيخ إمام:

يا مصر قومى وشدي الحيل

كل اللى تتمنيه عندي

لا القهر يطويني ولا الليل

آمان آمان بيرم أفندي

رافعين جباه حرة شريفة

باسطين أيادي تأدي الفرض

ناقصين مؤذن وخليفة

ونور ما بين السما والأرض

يا مصر عودي زي زمان

ندهة من الجامعة وحلوان

يا مصر عودي زي زمان تعصي العدوين وتعاندي

آمان آمان بيرم أفندي

الدم يجري في ماء النيل

والنيل بيفتح على سجني

والسجن يطرح غلة وتيل

نجوع ونتعرى ونبني

يا مصر لسه عددنا كتير لا تجزعي من بأس الغير

يا مصر ملو قلوبنا الخير وحلمنا ورد مندي

يسعد صباحك يا جنينة

يسعد صباح اللى رواكي

يا خضرا من زرع إدينا

شربت من بحر هواكي

شربت من كاس محبوبي وعشقت نيل أسمر نوبي

وغسلت فيه بدني وتوبي وكتبت اسمه على زندي

آمان آمان بيرم أفندي

استمع لأغنية «يا مصر قومي وشدي الحيل» من هنا 

الشيخ إمام

وفي اللحظات الحاسمة الأخيرة قبيل إعلان مبارك تخليه عن السلطة، وخاصةً في الفترة الواقعة ما بين موقعة الجمل وتخلي مبارك عن السلطة، دأبت بعض الفضائيات على إذاعة الأغنية الشهيرة لأم كلثوم والتي كان الجميع يذرف الدمع عندما يسمعها في أثناء اللحظات العصيبة التي تمر بها مصر آنذاك، هي أغنية “وقف الخلق” التي كتبها حافظ إبراهيم:

وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعًا          كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي

وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهـ          رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي

أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر          قِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي

أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي          لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي

ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليمًا          مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي

كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت          ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي

استمع لأغنية «وقف الخلق» من هنا 

أم كلثوم

اقرأ أيضًا: محمد عفيفي يحكي: حكاية الأغنية الوطنية والتاريخ

قصة السلام الوطني

ارتبط مفهوم الدولة الوطنية في العصر الحديث ببعض الرموز المهمة التي تلعب الدور الأساسي في بروز الوعي القومي لدى الشعوب. ويعتبر العَلَم والسلام الوطني من أهم هذه الرموز التي تشكل الوجدان الوطني. لذلك تحاول الدول من خلال تحية العَلَم في المدارس المدنية وحتى الوحدات العسكرية مع عزف السلام الوطني تأكيد الهوية الوطنية في وجدان الشعب.

لذلك ارتبطت قصة أول سلام وطني في التاريخ المصري بعصر إسماعيل، هذا العصر الذي شهد أول محاولة للتأكيد على رموز الدولة الوطنية حيث خرج في عصره أول علم خاص بمصر، كما عهد إسماعيل إلى الموسيقار الإيطالي فيردي بوضع أول سلام وطني لمصر وهو الذي عرف بـ”سلام مخصوص خديوي”.

لكن هذه المحاولة لن يُكتب لها الاستمرار طويلًا نظرًا لعزل الخديو إسماعيل في عام 1879، بالإضافة إلى وقوع مصر في يد الاحتلال البريطاني منذ عام 1882.

ومع إعلان بريطانيا الحماية على مصر في عام 1914 تم إعلان السلطنة في مصر وانفصلت مصر رسميًا عن الدولة العثمانية. وظهر آنذاك ما يعرف بالسلام السلطاني، ووضعت له كلمات في عهد السلطان فؤاد مطلعها:

يا بني مصر وأهل الفطن

جددوا المجد القديم الزمن

بشروا الأمة بالشهم فؤاد

خير سلطان به يرجى السداد

ومع ثورة 19 وصدور تصريح 28 فبراير 1922 تم إعلان استقلال مصر باسم “المملكة المصرية” ودار جدل كبير حول السلام الوطني الجديد لهذه المملكة الوليدة إلى أن تم الاستقرار على النشيد الوطني الشهير “اسلمي يا مصر” الذي وضع كلماته الأديب مصطفى صادق الرافعي ووضع موسيقاه صفر عليّ وقام بتوزيعه يحيى الليثي ومطلعه:

اسْلَمِي يا مِصْرُ إنِّنَى الفدا ذِى يَدِى إنْ مَدَّتِ الدّنيا يدا

أبدًا لنْ تَسْتَكِينى أبدا إنَّنى أَرْجُو مع اليومِ غَدَا

وَمَعى قلبى وعَزْمى للجِهَاد ولِقَلْبِى أنتِ بعدَ الدِّينِ دِيْن

لكِ يا مِصْرُ السلامة وسَلامًا يا بلادي

إنْ رَمَى الدهرُ سِهَامَه أتَّقِيها بفؤادى

واسْلَمِى في كُلِّ حين

وقد عرف هذا النشيد بمارش سعد وكأنه وُضِّعَ على لسان سعد باشا في التعبير عن إرادة الأمة ووطنيتها.

استمع لنشيد «اسلمي يا مصر» من هنا 

علم مصر

ومع ثورة 23 يوليو 1952 كان من الطبيعي أن يتم تعديل السلام الوطني ليظهر سلام وطني جديد يتسم بحماسة ذلك العصر والإيقاعات السريعة فضلًا عن إبراز دور الجيش في هذه المرحلة، فتم اختيار “نشيد الحرية” من كلمات كامل الشناوي وألحان محمد عبد الوهاب:

كــنــت في صــمــتــك مــرغم                 كـنـت في صبرك مــكــره

فـتــكــلم وتألـم                              و تــعلــم كـيـف تـكــره

عــرضــك الغـالى علـى الظالم هان                  ومشى العــار إلـيه وإلـيك

أرضــك الحرة غطــاهـا الهــوان              وطغى الظلم علـيها وعـليك

قـدم الآجـال قـربـانـًا لـعـرضـك               اجعل العمر سياجًا حول أرضك

غـضـبـة ً لـلـعـرض لــلأرض لـنـا            غضبـةً تبـعـث فيـنـا مجـدنا

وإذا مـاهــتــف الهــول بــنــا          فـليـقـل كـل فتى.إنى هنا

أنا يا مصر فتاك..بدمى احمـى حمـاك             ودمى مـلء ثــراك

أنا ومــض وبـريـق                 أنا صــخــر.أنـا جمــر

لــفح أنــفـاسى حــريــق              ودمى نار وثأر

بـلـدى لا عــشــت إن لم أفــتــد               يومك الحـر بـيـومــى وغـدى

نازفــًا مــن دم أعدائــك             مانـزفـوه مـن أبى أو ولـدى

آخــذًا حـريـتي مـن غـاصــبـيـها              سالبـيها وبـروحى أفتديها

هـات أذنـيـك معـى واسمع معـى            صيـحة اليقـظة تجتـاح الجموع

صـيــحــة ً شـدت ظـهـور الـركـع             و محت أصداؤها عـار الخـضوع

أنا يامصر فتاك.. بدمى أحمـى حمـاك    و دمى مــلء ثـراك

أنت إن لم تتحرر بيدى يا بلدي !                 فسـأمضي أتحرر من قيود الجسد

لا أبـالى الهــول بــل أعــشــقـه               لا أبالـيـه وإن مـت صريعاً

إنه لـو لم يــكــن.أخـلـقـه            لأرى فيـه ضحـايانا جمـيعاً

في دمـاهــم أمـل النـيـل تـوحـد               في دمـاهـم دم عـيسى ومحـمد

فاحـترم بالثـأر ذكـرى شـهـدائـك             بذلوا أرواحهم بذل السخى

وانـتـقم ! إن هنـا أزكـى دمائك              وهنا أمي، وأختي، وأخي ! !

أنا يا مصر فتاك..بدمى أحمـى حمـاك             ودمى ملء ثـراك

استمع إلى «نشيد الحرية» من هنا 

علم مصر

وفي عام 1960 وأثناء الوحدة المصرية السورية تم من جديد تعديل السلام الوطني ليتناسب مع روح المعركة التي كانت تحسها الجمهورية العربية المتحدة في مواجهة الاستعمار وإفشال مشروع الوحدة العربية، فتم اختيار لحن والله زمان يا سلاحي الذي ذاع صيته في حرب 56.

وفي عهد السادات ومع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ورغبة السادات في إرسال رسالة للجميع أن حرب 73 هي أخر الحروب، رأى السادات أن السلام الوطني الذي يُعزف على أنغام والله زمان يا سلاحي لم يعد صالحًا للمرحلة الجديدة، مرحلة السلام من وجهة نظره. من هنا سيعهد أنور السادات إلى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بإعادة توزيع أغنية “بلادي بلادي” أغنية ثورة 19، التي كتبها الشيخ يونس القاضي ولحنها سيد درويش:

بلادي بــلادي بلادي             لــك حبـي وفــؤادي

بلادي بــلادي بلادي             لــك حبـي وفــؤادي

مصـر يا أم البلاد                انـت غايتي والمراد

وعلى كل العبــاد                  كم لنيلك من أيـادي

بلادي بــلادي بلادي             لــك حبـي وفــؤادي

بلادي بــلادي بلادي             لــك حبـي وفــؤادي

استمع للنشيد المصري من هنا  

علم مصر

وهو في الوقت نفسه شعار الزعيم مصطفى كامل الذي كان السادات قد اختار اسم “الحزب الوطني” اسمًا لحزبه الجديد آنذاك. من هنا أصبح السلام الوطني الجديد والمستمر حتى الآن والذي رددته الجماهير في ميدان التحرير في 25 يناير هو بلادي بلادي.

هكذا نرى كيف تغير السلام الوطني مع تغير الأنظمة السياسية الحاكمة، مما يجعلنا نطرح ملاحظة حول مدى ارتباط السلام الوطني بالنظام السياسي وليس بالقاعدة الشعبية وبالتالي الجرأة على تغيره مع تغير النظام، لكن ربما نشيد بلادي بلادي يستمر لمدة طويلة نظرًا لارتباطه بفنان الشعب سيد درويش وثورة 19 فضلًا عن أن هذا الشعار قد رفعه من قبل مصطفى كامل، وربما سيستمر هذا النشيد لفترة طويلة في المستقبل مع غناء الجماهير لهذا النشيد في ميدان التحرير أثناء الثورة.

عن د. محمد عفيفي

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، حصل على الماجستير عن رسالته التي تناولت الأوقاف في العصر العثماني، ومن بعدها درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عن دراسة حول الأقباط في العصر العثماني، وقد تولى رئاسة قسم التاريخ بآداب القاهرة مرتين. كما عمل باحثًا في المعهد الفرنسي للآثار، وفي المعهد الفرنسي للدراسات الاجتماعية والاقتصادية. ثم شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في الفترة من 2014 إلى 2015. حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية لعام 2004، والتفوق في العلوم الاجتماعية لعام 2009، والتقديرية في العلوم الاجتماعية لعام 2020-2021.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *