لا تتطلب “الليلة الكبيرة”؛ ملحمة مسرح العرائس المصري، مناسبة ظرفية لحكايتها، فهي السردية الشعبية الساكنة دائمًا في الوجدان الجمعي، والمحفورة بعمق في ذاكرة الأمة العربية كلها، منذ أكثر من ستين عامًا. ومع ذلك، فإن شهر سبتمبر 2024 كان على ثلاثة مواعيد مع “الليلة الكبيرة” وصُنّاعها، وتاريخها، وليس ميعادًا واحدًا.
استرجعت ذكرى المولد النبوي الشريف، في منتصف الشهر، هذا الأوبريت الأبرز، الذي طالما تزامن عرضه، على مدار سنوات وسنوات، مع الليلة المحمدية الكبرى، في المسارح وقاعات الأوبرا والحدائق وقصور الثقافة والمكتبات العامة والمدارس والجامعات في القاهرة وسائر المدن المصرية.
ثم جاء الخامس والعشرون من الشهر، ليحيي ذكرى الرحيل الرابعة عشرة لأحد صنّاع الأوبريت الفني الخالد، وهو صلاح السقا، المخرج البارز، أيقونة فن تحريك العرائس في مصر. أما المناسبة الثالثة التي ضربها سبتمبر مع “الليلة الكبيرة”، فكانت في أيامه الأخيرة، التي شهدت في ساحة روابط للفنون في وسط القاهرة معالجة مسرحية غنائية تفاعلية بعنوان “في الليلة الكبيرة”، مستوحاة من رائعة العرائس القديمة، وقدّمها مسرح فابريكا بأنفاس عتيقة.
عمل استثنائي ، تضافرت فيه إلهامات نخبة من المبدعين والروّاد في مجالات عدة، منهم الشاعر صلاح جاهين (25 ديسمبر 1930-21 إبريل 1986)، والأب الروحي لفن العرائس ناجي شاكر (16 فبراير 1932-19 أغسطس 2018)، والمخرج صلاح السقا (11 مارس 1932-25 سبتمبر 2010)، والموسيقار سيد مكاوي (8 مايو 1928-21 إبريل 1997)، الذين تمكنوا من تحريك قلوب البشر بخيوط سحرية.