في بداية حضوري للمهرجانات السينمائية، لطالما أحببت الرجوع بكل المطبوعات التي أحصل عليها من المهرجانات سواء كانت كارت بوستال أو بوستر أو مجلة فارايتي أو سكرين، والتي تطبع أعدادها وتوزعها في المهرجانات الكبيرة مجانًا.
لطالما كلفني ذلك في وزن حقيبة الطيران أو أرغمني على التخلص من بعض الملابس للعودة بالمطبوعات الثمينة. بعدها وخلال عملي في مهرجان الجونة مديرًا للمطبوعات العربية، أصبح الأمر نوعًا من العمل، خاصة وأن مديري آنذاك انتشال التميمي آت من خلفية تصميم الجرائد والكتب، لذا أمضيت 3 سنوات من عمري وأنا أدقق كل كلمة وكل صورة في كاتالوج مهرجان الجونة السينمائي، وفي كل الكاتالوجات الأخرى، بل وأصبح لدي ما يشبه العدوى لكشف الأخطاء في المطبوعات هنا وهناك.
وقتها، كان أكثر ما يحزنني أن هذه المطبوعات لم تكن تلقى الانتباه الكافي، فهي قادمة بشكل ما من الماضي، بحجمها الثقيل وطباعتها الفاخرة، ما يؤدي بها إلى سلال القمامة في غرف الضيوف أو في سلة مهملات المطار. بالتالي كانت المطبوعات هنا تفتقر إلى روح العصر بشكل ما، فبرغم جودتها واحتوائها على مواد نقدية مكتوبة عن كل الأفلام المشاركة وطباعتها المنقحة والمُراجعة عشرات المرات، فإنها كانت لا تأتي بثمارها إذا ما قارناها بالجهد المبذول فيها.
في مهرجان كان أيضًا، ومع حضوري الأول كنت فرحا بتلك المجلات السينمائية التي تحتوي صورًا لنجوم سينمائيين كثر أو لمهرجان سينمائي، ولكني عادة ما كنت أجدها ملقاة بجانب مراحيض قصر المهرجان، ما دفعني للتفكير، لماذا تلقي بتلك المطبوعة في المرحاض إذا كنت قد حصلت عليها منذ أقل من خمس دقائق، ولماذا أخذتها في المقام الأول؟! هل بسبب مجانية تلك المطبوعات أم أن النقاد دائمًا ما ينظرون إلى تقييمات معينة ومراجعات سريعة ثم يقومون بالتخلص منها؟ أم لأن تلك المجلات لا تقدم فائدة نقدية قدر ما هي ترويجية؟ أم سبب زيادة وزن حقائب السفر؟
دورية موبي الصفراء
أعتقد أن السبب هو مزيج من كل ذلك، وهذا ما دفعني للتفكير في لا جدوى تلك المطبوعات السينمائية، وأصبحت أبتعد عنها وأحاول أن أقرأها وأعيدها إلى الرف إذا احتجت إلى معلومة أو تركها بعد قص صور منها أو ما شابه. دفع ذلك تفكيري أكثر إلى موت المطبوعات الورقية خاصة مع تصاعد الوعي البيئي وخطورة زيادة الطباعة على حساب الأشجار والهواء الذي نتنتفسه، خاصة إذا كانت مطبوعات بلا قيمة مستمرة.
كل ذلك تغير حتى حصولي على دورية موبي الصفراء في كان 2024. تلك الدورية التي وزعت علينا من شاب بشوش يقف أمام القصر وحصلت عليها وكان أكثر ما لفت نظري لها في البداية لونها الأصفر الفاقع ونوع الخط (الفونت) المستخدم للكتابة عليها، وطبيعة أوراقها التي تشبه الجرائد الثقيلة التي اعتدت على شرائها لجدتي يوم الجمعة في طفولتي.
دورية موبي أو (The Notebook) هي دورية تابعة لمنصة موبي (بمثابة نتفليكس للأفلام المستقلة) تصدر إلكترونيا منذ عام 2007 مع بعض الإصدارات الورقية منذ عام 2022 (مرتين في العام). ما يميز تلك الدورية هو أنها مطبوعة قيمة من جميع النواحي فهي ثرية على مستوى التصميم الخارجي والداخلي ومصنوعة من أوراق الجرائد (عنصر قديم) وتصميمات العالم الإلكتروني (عنصر جديد) ما يخلق عنصرا جديدا يصلح لكل الأجيال ويضفي حسًا من النوستالجيا عليها بشكل ما، الأمر الذي يشجع على الاحتفاظ بها.
على الناحية الأخرى، فإن المحتوى الموجود بداخل الدورية هو محتوى مناسب للمهرجان بحق، سواء من ناحية التعليق على أمور تشغل المشاركين حتى الجانبية منها بل ووضع أبجدية للمهرجان بالأحرف المختلفة، وفي الفقرات التالية نستعرض بضعًا من فقرات المحتوى المختلفة الموجودة بداخل الدورية.
الصفحات الداخلية
في الصفحة الثانية تجد مقدمة المحرر وفريق العمل وإعلانا لموبي ذاتها ولشركة ماتش فاكتوري، ثم تدخل إلى الصفحة الثالثة وقد كتب فيها في الأعلى “ماذا شاهدت من تلك الأفلام؟” ثم أسفلها عنوان آخر الأفلام الفائزة بالسعفات الذهبية في كان، وتحتها كتب كل الأفلام الفائزة ولكن بطريقة تجعلك تجيب على السؤال من خلال التظليل على الأفلام التي شاهدتها، ما يخلق مساحة بشكل ما للقارئ لوضع لمساته هو الآخر على الدورية وجعلها دوريته الخاصة.
في الصفحتين الرابعة والخامسة تجد موضوعًا عن بناء قصر المهرجان وتاريخه مع صورة للبناء ومخططاته الهندسية.
في الصفحتين 6 و7 تجد موضوعًا كتبه 9 كتاب عن أفضل 9 أفلام في 9 عقود للمهرجان.
في الصفحة الثامنة تجد بوستر مهرجان كان لدورته عام 1939 والتي لم تعقد أبدًا.
في الصفحة التاسعة تجد أسئلة للمهرجانات عن إمكانية صناعة مهرجانات صديقة للبيئة، تتضمن تلك النقاط:
- السماح بالأزياء صديقة البيئة على السجادة الحمراء.
- تشجيع المشاركين على استخدام المواصلات العامة فقط.
- اختيار الأفلام التي ترسل إعلانا خاصا باستهلاكها للبيئة.
- منح جائزة الفيلم الأخضر (وجب التنبيه أن مهرجان الجونة السينمائي يمنح هذه الجائزة بقيمة 10 آلاف دولار منذ عدة سنوات وهي خطوة لم تحدث في مهرجانات عالمية كبيرة).
- تنظيم فعاليات موازية في قارات مختلفة لتقليل استخدام الطيران. (أنا ضد هذا الاقتراح في حالة كان قلبا وقالبا، ففي مقابل ذلك الاقتراح عزلة وتقليل من إحساس الحدث السينمائي الذي تتوقف صناعة السينما في كل مكان لأجله ويلتقي الأمريكي بالآسيوي والإفريقي بالأوروبي واللاتيني في مكان واحد، بينما الحدث الآخر لن يضمن أبدًا حدوث ذلك).
- قبول عروض الرعاية من شركات تتبع استراتيجيات الاستدامة.
في الصفحتين الـ 10 والـ 11 تجد مقابلة مع أندريا أرنولد.
في الصفحتين الـ12 والـ13 نجد بوسترا سورياليا متخيلا للمهرجان.
في الصفحات 14 و15 و16 نجد توقعات للفائزين بالسعفة الذهبية من خلال تخمينات الضيوف وتخمينات الذكاء الاصطناعي.
في الصفحة الـ17 نجد مقالة لجين كامبيون عن رئاستها للجنة تحكيم مهرجان كان عام 2014
في الصفحة الـ18 نجد ترشيحات لنشاطات غير سينمائية في المدينة الساحلية.
في الصفحة الـ 19 نجد أبجدية موبي لمهرجان كان، أكثر ما يلفت النظر هنا هو روح الدعابة المستخدمة للتعريف والتعليق على كثير من الأمور التي ترتبط بالحاضرين، بعض تلك التعليقات تفهمها من خلال الزملاء الذين يحضرون المهرجان منذ سنوات عديدة، ومن تلك التعليقات “من أجل راؤول وهو اسم مشغل ماكينة الخام والذي كان يجهر الحاضرين باسمه كدلالة على الرغبة في بدء الفيلم”. (حكى لي تلك القصة صديقي العزيز الناقد أحمد شوقي).
في الصفحة الـ20 نجد إتيكيت الكروازيت والذي يتعامل بشكل مرح وجاد في الوقت ذاته مع أسئلة مثل “ماذا تفعل إذا جلس أمامك شخص طويل القامة في الفيلم؟” و”كيف أحضر المهرجان من دون الاحتكاك بحبيبتي السابقة التي تعمل في مجال السينما؟” و”كيف يمكن تخطي زحام الكروازيت؟!”
في الصفحات الأخيرة للمجلة نجد مكونات من الصحافة التقليدية سواء كانت متعلقة بالأبراج (حظك في المهرجان) أو بألعاب الكلمات المتقاطعة أو حتى بكاريكاتير يسخر بشكل حاد الذكاء من مكانة كل حامل بطاقة (بادج) (في مهرجان كان يُمنح كل مشارك بادج خاص به وله لون يضمن نوعًا معينًا من الخصوصيات للمشارك).
سعفة ذهبية لمطبوعة ذهبية!
ختامًا إن كان هناك جائزة لمطبوعة سينمائية تصدر في مهرجان فهي بالطبع من حق دورية موبي التي تشجعك بصريًا على الاحتفاظ بها وتمتلئ بتفاصيل صغيرة عن المهرجان ككل وليس تغطية لأفلامه أو أحداثه، كما تستخدم حسي الدعابة و/أو النقد للتعليق على ما يحدث في المهرجان وفي كل عموم المهرجانات الكبيرة وسواء كنت قد حضرت المهرجان أو لا فإنها بالتأكيد مطبوعة ينبغي التوقف عند تصميمها واستلهام الأفكار منها لمطبوعات سينمائية ذات طابع حداثي يتعلق بمهرجاناتنا العربية. إذن، سعفة ذهبية لمطبوعة ذهبية!