أحدث الحكايا

د. سلمى مبارك تحكي: حكاية السينما المصرية خارج الحدود (1930 – 1970)

في مذكراته يحكي محمد كريم عن عرض فيلم “الوردة البيضاء” (1933) بيافا المحتلة، ويتوقف عند قصة أبو جلدة -أحد زعماء المقاومة الفلسطينية ضد المحتل البريطاني- الذي قام بالتسلل من مخبأه في الجبال وتنكر وذهب إلى المدينة لكي يشاهد الفيلم في دار السينما ويستمتع بغناء محمد عبد الوهاب، مطرب الملوك والأمراء.

قصة دالة، تشهد على أن السينما المصرية لم تكن فقط ظاهرة فنية تجاوزت نطاقها الجغرافي، بل إنها قد شكلت أيضا ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية استطاعت أن ترسخ لنفسها في جميع أنحاء العالم العربي وما وراءه، منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات. ففي تونس على سبيل المثال أطلق بشير فهمي، صاحب محل لبيع الاسطوانات بشارع القصبة في الثلاثينيات على متجره اسم “الوردة البيضاء” (لا روز بلانش)[1]، تكريما لهذا الفيلم المصري الذي وصلت عروضه إلى أمريكا الجنوبية.

وفي فرنسا كانت السينما المصرية حاضرة بقوة في الأفق الثقافي للمهاجرين العرب، يشاهدها على وجه الخصوص عمال شمال إفريقيا، حيث تم عرض 208 أفلام مصرية في عام 1958 من إجمالي 456 فيلمًا تنتمي إلى دول مختلفة. وبلغ عدد المشاهدين الذين اجتذبتهم تلك الأفلام 900 ألف مشاهد يمثلون 4.8٪ من إجمالي عدد التذاكر المباعة في فئة الأفلام المتنوعة[2].

تعبر هذه القصص وتلك الإحصائيات عن الظاهرة التي مثلتها السينما المصرية خارج حدودها منذ الثلاثينيات، وهي ظاهرة تتجاوز أبعادها الفنية إلى ما هو وراء ذلك. لا ينفصل هذا التفوق عن صناعة قوية أنتجت ما بين عامي 1927 و1963، 1008 أفلاما روائية كانت تعُرض في الـ400 قاعة عرض الموجودة بالقاهرة والأقاليم في عام 1960.

أول استوديو مصري

نشأت السينما المصرية أولا في سياق كوزموبوليتانى مع ظهور هذا الفن الجديد في مصر فى 1896، حيث سيطرت الشركات الأجنبية منذ 1906 على صناعة السينما بشكل شبه حصري، ومنها شركتا “باتىي ولوميير”. ثم ما لبثت وأن تطورت على أيدي المصريين الذين تعلموا السينما في المدارس الأوروبية، إذ غادر محمد بيومي في 1919 إلى برلين لدراسة السينما، ثم عاد وأسس أول استوديو مصري عام 1923 (آمون فيلم) وأطلق أول جريدة سينمائية مصرية سعى إلى توزيعها في ألمانيا.

محمد بيومي
الرائد السينمائي محمد بيومي

 

وفي عام 1933 قبل افتتاح استوديو مصر، أرسل طلعت حرب أول بعثة للطلاب المصريين لتعلم الإخراج السينمائي في باريس والتصوير في برلين. ومن بين هذه المجموعة من الطلاب المخرجين كان أحمد بدرخان، ومن المصورين محمد عبد العظيم وحسن مراد (الذي تخصص في تصوير الأخبار “إيجيبشان نيوز” من 1935 إلى 1970). وكان كل من نيازي مصطفى وعلاء الدين سامح قد سافرا إلى برلين لدراسة الإخراج والديكور على نفقتهما الخاصة. وهناك التقى بهما طلعت حرب ووظفهما للعمل في استوديوهات مصر.

هكذا بدأت هذه الاستوديوهات عملها مع فريق من الفنيين المدربين بشكل جيد، وهو ما شكل جزءا من خطة الاستعدادات الطموح التي وضعها طلعت حرب لإنشاء صناعة سينما وطنية، وهي الخطة التي كانت قد أعلن عنها في خطابه الافتتاحي لجمعية المسرح والسينما المصرية (1925)، عندما قال عن تلك الجمعية: “أتمنى أن تكبر وأن تكون قادرة على إنتاج أفلام مصرية ذات قيمة عالية يمكننا عرضها في بلادنا وفي دول الشرق المجاورة[3].”

منذ ذلك الحين ظهرت الاتجاهات التجارية للسينما المصرية بقوة، واستطاعت أن تطول جمهورا امتد من الشرق الأوسط إلى المغرب مرورا بإفريقيا السوداء. وظهر دور هذا الفن في تشكيل مرجعية ثقافية مشتركة بين شعوب تلك المناطق اعتمدت على ثلاثة عوامل -إلى جانب قيمتها الفنية الكبرى- كان لها الدور الأكبر في التأثير الذي مارسته السينما المصرية على جماهيرها خارج الحدود. هذه العوامل الثلاثة تتمثل في قيم الحداثة التي عبرت عنها السينما المصرية، ونظام النجوم الذي أفرزته، وارتباطها بمفهوم الهوية القومية. 

السينما المصرية وقيم الحداثة

في نهاية القرن التاسع عشر، كانت مصر دولة منفتحة على الحداثة وقدمت، من خلال صناعتها الثقافية الناشئة، أدوات للتجديد الثقافي جذبت جماهير العالم العربي. كانت السينما المصرية غالبًا ما تروي قصصها في أماكن برجوازية عصرية: فيلات ذات حدائق عملاقة، وشقق فاخرة، وضواحي هادئة، وكازينوهات ثرية… تظهر أبطالًا يقدمون نماذج من الجمال والتحرر شكلت صورة خلابة عن مجتمع مصري حديث أشعل خيال ملايين المشاهدين العرب.

المخرج السينمائي أحمد بدرخان

 

كتب أحمد بدرخان في كتابه السينمائي الصادر عام 1936:

لقد وجدت أن السيناريو الذي يدور في أماكن بسيطة مثل دوائر العمال والفلاحين لم يحقق سوى نجاح محدود للغاية. السينما، في الواقع، تعتمد أساسًا على مجموعات، ومع ذلك، فإن الجماهير الشعبية التي تشكل الغالبية العظمى من مشاهدي السينما، لا تحب أن ترى فى السينما الأماكن البائسة التي تعيش فيها بشكل يومي.

ويضيف بدرخان: “هناك بعض الأماكن المناسبة تمامًا لكي تدور فيها أحداث الأفلام مثل: المسرح، وقاعة الموسيقى، وإدارة صحيفة، أو فندق كبير، وبورصة الأوراق المالية، والشاطئ، أو مضمار السباق، والكازينو…. السيناريو الجيد هو قصة حب وغيرة بين ثلاثة أو أربع شخصيات في مدينة جميلة، داخل قصور رائعة[4].

هذه الصور لحياة بورجوازية حديثة هي التي رسمت خيال جماهير السينما المصرية خارج حدودها، ورسمت أحلامها من خلال التماهي الذي كانت تستدعيه مع أبطال شكلتهم عملية صناعة النجم.

سينما بورصة طوسون في الإسكندرية

 

بدأت عادة الذهاب إلى السينما في الانتشار لدى سكان المدن العربية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشاركت السينما في هذه الحركة من خلال حداثتها المرتبطة بثقافة الترفيه الجديدة التي غزت الأجيال الشابة. في تونس، على سبيل المثال، ساهم الذهاب إلى دور السينما في إدخال أساليب جديدة للحياة تؤثر على نمط حياة المرأة. “ففي عام 1939، عبر كاتب عمود في مجلة “ليلى” ذات التوجهات القومية والنسوية عن سعادته عندما لاحظ أن تطور صناعة السينما على ضفاف نهر النيل قد أدى إلى تغير شكل المتفرجين في دور العرض التونسية. فإلى جانب “سي علي، ظهرت مدام سي علي ومادموزيل سي علي[5].” وكانت التونسيات تذهبن لالتقاط الصور بأزياء مستوحاة مباشرة من الأفلام المصرية.

علاوة على ذلك، أكدت دور السينما في مدينة مثل تونس على سبيل المثال انتماءها واندماجها في عالم الحداثة المبهر من خلال اختيار أسماء القاعات مثل كابيتول، رويال، أوليمبيا، أبوللو … وهي نفس أسماء قاعات السينما في المدن الأوروبية.

بشكل عام شهدت الخمسينيات تكاثر أماكن العرض وزيادة عدد الجماهير، وفرضت السينما نفسها كنشاط ترفيهي شعبي حضري. ووجد المتفرجون في المدن العربية أن السينما تعد وسيلة للتعبير عن اندماجهم في هذا العالم الحديث الذي تتيحه الشاشة الكبيرة.

من الحداثة إلى نظام النجوم

في النصف الأول من القرن العشرين، بدا نجوم السينما المصرية أشبه بآلهة صغيرة أثيرة لدى سكان المدن العربية. ارتبط نظام النجوم في السينما المصرية بالنوع السينمائي خاصة الميلودراما، والكوميديا، ​​والكوميديا ​​الغنائية. وشكل نجومها، وأفلامها الغنائية، وموسيقاها، ورقصاتها رابطا أساسيا بين جماهير تعيش في دول مختلفة لا تشترك بالضرورة في نفس اللغة. ففيلم “وداد” (1936) إخراج فريز كرامب -وهو أول ظهور لأم كلثوم على الشاشة- هو أيضًا أول فيلم مصري يشارك في مهرجان دولي، مهرجان البندقية، ممثلا لمصر. ومع ذلك، فإن التأثير الأعظم لهذه السينما لم يتحقق من خلال المهرجانات الدولية بقدر ما تحقق مع جماهير السينما المصرية في المدن العربية والأفريقية. في دراسة استقصائية أجريت عام 1960 صرحت شابة من داكار: “أحب الأفلام العربية فقط لأنها قريبة من ديني وتحتوي دائمًا على أغانٍ ورقصات[6]“.

بوستر فيلم وداد

السينما هي أيضًا الوسيلة الأساسية التي مكنت نجمات الرقص الشرقي من الوصول إلى الجمهور العالمي. فجابت عروض الرقصات الآسرة لتحية كاريوكا ونعيمة عاكف وسامية جمال شاشات العالم. وتمكنت سامية جمال -أول من رقص على خشبة المسرح مرتدية حذاء بكعب عالٍ- من تحديث الرقص الشرقي وإعطائه مكانة عالمية، وشكلت مع فريد الأطرش ثنائيا شهيرا لعب أدوار البطولة في الكثير من الأفلام في الأربعينيات، بما في ذلك “عفريتة هانم” للمخرج هنري بركات (1949) ، الذي لف العالم وحقق نجاحات باهرة.

بوستر فيلم عفريتة هانم

 

نموذج آخر قدمه صوت عبد الحليم حافظ في الأفلام الغنائية للشباب العربي المتلهف إلى الحداثة، إذ كان عبد الحليم حافظ يتميز بارتدائه للسترات الخفيفة، والسترات ذات الرقبة العالية، مما أعطاه مظهرا عصريا ومختلفا عن معاصريه من المطربين، وذلك منذ منتصف القرن العشرين. وامتدت معه موجة الميلودراما والكوميديا ​​الموسيقية التي استمرت في الهيمنة على المشهد السينمائي حتى الستينيات، حين قدم فيلمه الشهير “أبى فوق الشجرة” (1969)، للمخرج حسين كمال، المعروف بأنه أحد أعظم نجاحات شباك التذاكر العربي.

مشهد من فيلم أبي فوق الشجرة

 

الميلودراما هي النوع الآخر الذي سطع فيه نجوم السينما المصرية، بدءاً من الرواد: عزيزة أمير، وبهيجة حافظ، مروراً بأيقونات العصر الذهبي: مديحة يسري، ومريم فخر الدين، وماجدة، وصولا إلى فاتن حمامة، التي شهدت رحلتها الطويلة، من الأربعينيات إلى التسعينيات، على تطور هذا النوع من الأفلام. الميلودراما في السينما المصرية هي أكثر من مجرد نوع، إنها أسلوب يلون كل اتجاهاتها. لذلك ليس من المستغرب أن يتسيد هذا النوع الذي يحكى قصصا تمتلئ بالمظالم، وتدمى قلوب المشاهدين من جمهور عربي عانى ويلات الاحتلال والحروب في تاريخ مشترك. ففي دراسة عن الأفلام المصرية والعاملين الجزائريين بفرنسا، أوضح المؤلف أن الانفعال الذي يشعر به هؤلاء العمال أثناء مشاهدة الميلودراما المصرية هو نتاج حالة من الشعور بالغربة التي يلعب فيها الفيلم المصري دور المكان الحميم الذي يعيد هؤلاء المهاجرين إلى ديارهم على حصان الخيال، لكي يلتقوا بأهلهم ولو لسويعات على الشاشة[7].

السينما المصرية في أفريقيا

هذه السينما الترفيهية التي وجهت لها الاتهامات بأنها أداة للاغتراب ولتحويل المشاهد عن المشاكل الحقيقية للمجتمع، بقصورها وفيلاتها ومطربيها وراقصاتها، تلك السينما التي تقدم أنماطا محفوظة ومتكررة ومصطنعة، تلك السينما التي قليلا ما ترفع صوتها بالاحتجاج، بأغانيها وضحكاتها ودموعها، هي مع ذلك، سينما قامت باستدعاء قضايا سببت صداعا لحكومات الاحتلال في الدول العربية والأفريقية، إذ قدمت بديلا للنموذج الغربي ونقلت قيما مرتبطة بالهوية وبالدين وباللغة العربية.

ففي تقرير سري من عام 1957، أعرب المسؤولون الفرنسيون في مدينة جاو -وهي بلدة صغيرة في مالي حيث تعرض السينما الوحيدة فيها أفلاما مصرية- عن قلق حقيقي بشأن هذه الأفلام، “التي تسحر الجمهور وتمجد صورة مصر العظمى[8]“. شكلت السينما المصرية في الدول الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي تحديا لصناعة السينما الفرنسية التي لم تستطع منافسة عروض الأفلام المصرية، كذلك قدمت نموذجا للهوية العربية المعاصرة التي ألهمت الشعوب المحتلة. فتحكى نفيسة ديالو، الأديبة السنغالية في مذكراتها “طفولة في داكار” عن عروض الأفلام المصرية التي كانت تشاهدها في طفولتها:

“كان فيلما عربيا، مثلت فيه ربا المطربة العظيمة في ذلك الوقت. لم نكن نفهم الكثير مما يدور. كان الفيلم قديما، ملئ بالقطوع، وكان جهاز العرض يتعطل كل حين والقاعة تمتلئ بضوضاء المتفرجين. البعض منهم يشاهد الفيلم للمرة الثانية عشرة ويحفظ الأغاني عن ظهر قلب ويرددها مع الممثلين[9].”

مدينة داكار

 

وفى السنغال كذلك كانت قاعات السينما تسعى إلى إرضاء المتفرجين من أصول سورية ولبنانية من المقيمين في داكار -والذي كان عددهم يقدر بحوالي 8000 مواطن في الخمسينيات- بعرض الأفلام المصرية التي لعبت دورا مهما في تأكيد الشعور القومي لدى هذه الجاليات العربية. كذلك فى كوناكري بغينيا، حضر الكثير من المشاهدين من ذوي الأصول السورية واللبنانية عرض فيلم “فاطمة وماريكا وراشيل” (1949) الذي حقق هناك نجاحا كبيرا[10].

 

أما في مالي وفى مدينة جاوو الصغيرة حيث توجد قاعة سينما واحدة فقط، كانت تعرض نسبة كبيرة من الأفلام العربية من أصل مصري، شكلت في صيف 1957 ما بين ثلث وربع عدد أفلام البرامج السينمائية. مثال آخر من داكار، عندما عرض فيلم “ظهور الإسلام” (1951)، “بلغ إجمالي عدد المشاهدين على مدار 9 أيام في خمس قاعات، 2400 مشاهد. وأثناء العرض، كان بعض المشاهدين يعبرون عن حماسهم بترديد “الله أكبر”[11].”

كانت إدارات الاحتلال تراقب بمزيد من القلق نجاح هذه الأفلام، وتتساءل عن أسبابه. فعلى الرغم من عدم وجود أي محتوى سياسي في هذه الأفلام فإن شعبيتها الجارفة وحماس المتفرجين أثناء المشاهدة هو ما كان يقلق السلطات في السياق الجيوسياسي لفترة ما بعد الحرب، خصوصا مع زيادة الوعي بالحقوق والمطالب القومية. علاوة على ذلك، فإن اللغة العربية المصرية التي تنقلها هذه السينما قدمت عنصر جذب وعاملا مهما في التوحيد الثقافي. ففي الدول العربية كانت (ومازالت) اللهجة المصرية مفهومة للجميع. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حتى لو لم تكن اللغة مفهومة، فقد عبرت رمزيا عن معنى النضال بقدرتها على نقل قيم تبعد «السكان المحليين عن المجال الثقافي الفرانكفوني[12]. »

 

السينما المصرية والمشروع القومي

ومع ثورة 1952 قدم نظام عبد الناصر مشروعه الفني بهدف الوصول إلى مجتمع عربي يوحده الخيال وأحلام النصر. وشارك في هذا المشروع كبار النجوم، في إطار من الالتزام الفني الذي ميز أيديولوجية هذا العصر. فغنى عبد الحليم عندليب الثورة، للحلم العربي، وللوطن الأكبر، وللقوانين الاشتراكية، ورفع صوته ضد الإمبريالية والاحتلال. نقل صوتَه جهاز الترانزستور -هذا الاختراع العظيم الذي استفاد منه عبد الناصر في ذلك الوقت- حاملا ألحان وأغاني هذا العصر الذهبي التي كانت تدوي على موجات الإذاعة الشهيرة: صوت العرب.

وسرعان ما نأى النظام الثوري بنفسه عن الكوميديا ​​الغنائية والميلودراما، وعمل المناخ الاشتراكي، من خلال تعزيز المسار الواقعي للسينما المصرية، على تدعيم قيمتها الفنية باستثمار الدولة لموارد كبيرة في هذا الاتجاه. وهكذا تم إنشاء القطاع العام السينمائي 1963، وكان من أهدافه إعطاء السينما المصرية مكانة فنية دولية جديدة. لكن سينما النقد الاجتماعي التي انطلقت على حساب أفلام النوع، أعاقت فجأة توزيع الأفلام المصرية في سوقها العربي التقليدي، بسبب المخاوف من تصدير الثورة والأفكار الاشتراكية للأقطار الأخرى. لكن في المقابل، نجح القطاع العام في تحقيق كل النجاحات الكبيرة بين عامي 1963 و1971 على مستوى الجودة الفنية والمشاركة في المهرجانات الدولية.

 

ففي عام 1965، كان “الحرام” للمخرج هنري بركات ضمن الاختيار الرسمي لمهرجان كان. في عام 1967، شاركت مصر في مهرجاني مونتريال ولايبزيج بثمانية أفلام قصيرة. وشهد عام 1968 عرض فيلم “البوسطجي” في مهرجانات قرطاج وتاشنت في الاتحاد السوفياتي. وفي عام 1969، شارك “شيء من الخوف” لحسين كمال في المسابقة الرسمية لمهرجان موسكو، وشارك “الأرض” ليوسف شاهين، خارج المسابقة في نفس المهرجان، كذلك مثل “قنديل أم هاشم” للمخرج كمال عطية و”شيء من العذاب” لصلاح أبو سيف مصر في مهرجان الرباط في نفس العام.

 

النكسة والتحولات

ظلت السينما المصرية هي السائدة بلا منازع حتى الستينيات. ومع هزيمة 1967 بدأت التحولات، فلم تعد السينما المصرية تثير الأحلام كما تقول ماجدة واصف، إنما أصبحت تطرح التساؤلات[13]. ومع بداية السبعينيات شهد حضور السينما المصرية في الخارج العديد من التغييرات بسبب التحولات السياسية التي حدثت مع نهاية عهد عبد الناصر، بالإضافة إلى ظهور سينما قومية في عدة دول عربية.

نجح الفيلم المصري من خلال تاريخه الذي تجاوز ال 100 عام وعبقريته الفنية، سواء كان منتجًا ترفيهيًا أو عملا فنيا ينتمي لسينما المؤلف، في احتلال مكانة متميزة في التراث العظيم للسينما العالمية. وعبر ما يقرب من 4000 فيلم روائي طويل، من الكوميديا ​​الموسيقية والاجتماعية إلى الفيلم الواقعي، إلى الأفلام السياسية والتاريخية، إلى سينما المؤلف، ومن خلال انتظام الصناعة، ومكانة نجومها ومخرجيها، استطاعت السينما المصرية أن تفرض تفوقها خارج حدودها.

————–

المراجع

[1] Morgan Corriou. « Cinéma et urbanité à Tunis sous le protectorat français ». L’Année du Maghreb. 12 | 2015. http://journals.openedition.org/anneemaghreb/2446
[2] Fabrice Montebello. « Films égyptiens et ouvriers algériens dans la Lorraine industrielle. Analyse d’un cas de « diaspora des publics » ». In : Morgan Corriou (dir.), Publics et spectacle cinématographique en situation coloniale. 2012. Tunis. IRMCCERES. N° 5. « Cahiers du C.E.R.E.S. hors-série ». p. 14.
[3] Samir Farid. « Naissance et développement du cinéma égyptien (1922-1970) » In : Les dossiers de la cinémathèque, À propos du cinéma égyptien. 13| 1984. Cinémathèque québécoise/Musée du cinéma.
[4] المرجع السابق.
[5]  انظر. M. Corriou
[6] « Pourquoi allons-nous au Cinéma ? », Bingo, août 1960, no 91, p. 34-35. Cité par Goerg Odile. p. 291.
[7] Fabrice Montebello. « Films égyptiens et ouvriers algériens dans la Lorraine industrielle. Analyse d’un cas de « diaspora des publics » ». In : Morgan Corriou (dir.), Publics et spectacle cinématographique en situation coloniale. 2012. Tunis. IRMCCERES. N° 5. « Cahiers du C.E.R.E.S. hors-série ». p. 14.
[8] ANS 21 G 192, note du service de renseignement, Gao, 27 août 1957, cité par G. Odile. p. 303
[9] Nafissatou Diallo, De Tilène au Plateau. Une enfance dakaroise, Dakar, NEA-Sénégal, 1997, p. 65
[10] Goerg Odile. « Les films arabes, une menace pour l’Empire ? La politique des films arabes à la veille des indépendances en Afrique Occidentale Française ». In: Outre-mers, tome 100, n°380-381,2013. Missions chrétiennes et pouvoir colonial
[11] المرجع السابق.
[12] ANOM FM 1AFF POL/2117, d10 gestion culturelle. Le cinéma 1948-51 ; note de Pignon du 15 sept. 1948, au chef de Cabinet et dir. AP (Affaires Politiques). Cité par cité par Goerg Odile p. 304.
[13] Magda Wassef, « Avant-propos », 100 ans de cinéma égyptien, Paris, IMA, 1990, p.14.

عن د. سلمى مبارك

أستاذ الأدب والفنون والأدب المقارن بجامعة القاهرة. مؤسسة ومديرة شبكة آمون للباحثين في الأدب والسينما. صدر لها دراسات عدة في مجالات الأدب المقارن والنقد الأدبي والسينمائي. من الكتب المؤلفة: "النص والصورة" 2016، و"أمينة رشيد أو العبور إلى الآخر" 2022. ومن الكتب المحررة بالمشاركة مع وليد الخشاب "الاقتباس من الأدب إلى السينما" 2021، ومن ترجماتها: "علم اجتماع السنيما وجماهيرها" 2021 لإيمانيول إتيس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *