أحدث الحكايا

د. سارة حواس تحكي: شارون أولذر.. شاعرة أمريكية حوَّلت الألم إلى شجاعة

عرفت شاعرات كثيرات حوَّلن الألم إلى أمل، ولكن لم أسمع عن شاعرة استطاعت أن تحوِّل آلامها وصدماتها النفسية إلى شجاعة إلا عندما قرأتُ شعر شارون أولدز.

شارون أولدز الشاعرة الأمريكية التي وصفت نشأتها بأنها كانت ”الجحيم الكالڤيني” و”الكالڤيني” (Calvinist) نسبة إلى  النظام اللاهوتي البروتستانتي لجون كالفين وخلفائه.

BOMB Magazine | A Social Art
الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

معاناة مبكرة ولّدت الشعر

شارون معروفة بصورها القوية والمثيرة في كثيرٍ من الأحيان عن الجسد و الغوص بعمقٍ في الموضوعات الخاصة بشأن الأسرة، حيث انتماؤها إلى أبٍ مُدمنٍ للكحول وأمٍ مُطيعةٍ عاجزةٍ أشعل داخلها الرغبة في كتابة شعرٍ يعبِّر عن حياتها الخاصة التي كانت مليئة بالقسوة و العنف الجسدي واللفظي، فعبَّرت عن معاناتها بجرأة وشجاعة في شعرٍ حُرٍّ شكلًا ومضمونًا، غير آبهةٍ بقيودٍ شعريةٍ أو مجتمعيةٍ، فكل هدفها هو كتابة شعرٍ يعبِّر عنها وعن أخريات مررن بالظروف نفسها لكن لم يستطعن الإفصاح عن مشكلاتهن لخجلهن أو خوفًا من تمرُّد عائلتهن عليهن، كما أن جُرأة شارون أولدز فتحت بابًا لشاعراتٍ أخرياتٍ لكتابة أنفسهن من دون خوفٍ أو تَردُّدٍ، فكتابة شارون الشعرية مُلهِمة، قادرة على فتح فوهة بركان القلب والبوح بمكنونه والمخبوء فيه من أسرارٍ مؤلمةٍ.

الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

 

ولدت شارون أولدز في ولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٦٤، حازت على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة كجائزة مركز سان فرانسيسكو الافتتاحية للشعر عام ١٩٨٠ عن مجموعتها الشعرية الأولى ”الشيطان يقول”، وجائزة دائرة كتاب النقاد الوطنية عام ١٩٨٤ عن مجموعتها الشعرية الثانية ”الميت والحي”. كما حازت على جائزتيْ البوليتزر وتي إس إليوت عام ٢٠١٣ عن مجموعاتها الشعرية ”الأغاني” و”الألحان” و”قفزة الأيل”، والعديد من الجوائز الرفيعة الأخرى.

Sharon Olds, America's Brave Poet of the Body ‹ Literary Hub
الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

حكايات أشعار أولدز

في حوارٍ لشارون أولدز مع الصحفية والناقدة الأدبية الأمريكية الشهيرة كيت كيلاواي (١٩٥٧) تحدثت عن مجموعتها الشعرية “قفزة الأيل” والتي تناولت فيه قصة طلاقها ومعاناتها الزوجية، وقالت شارون إنها كتبته في أوج أزمتها النفسية، وإنها لا تستطيع أن تكتب مشاعر فياضة أو بإحساسٍ عالٍ في وقت الهدوء والسكينة، أي بعد هدوء العاصفة لا تستطيع أن تستدعي آلامها فلن تكون بنفس التأثير نفسه وكذلك القوة.

وقالت إنها كتبت مئات القصائد من قبل ولم تنشرها لعدم وجود المشاعر القوية فيها، وسألتها المُحاوِرَة كيت عن عدم عرضها لمجموعتها الشعرية “قفزة الأيل” على زوجها السابق قبل نشرها؛ لأنها تحدثت فيها عن علاقتها به فقالت شارون إنها كانت تأخذ رأي زوجها السابق في كل الأمور عندما كانا متزوجين، ولكن الأمر قد تغير بعد انفصالهما حيث إنها لم تكن بحاجة إلى عرض شعرها عليه؛ لأنها كتبته من وجهة نظرها الشخصية كزوجة ولم تكن بحاجة أيضا إلى رأيه أو آراء أخرى؛ لأنها أمور شخصية تخصُّها فقط، وقالت شارون: إن القصيدة الشعرية لا تكثِّف التجربة أو تقلِّل منها أو من تأثيرها لكنها تضيف إليها الكثير.

الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

 

تحدثت شارون أيضًا عن علاقتها بالجمادات والأشياء حولها وربطها بشعرها وقالت إنها تُحبُّ وصف الأشياء كأنها رفيقة لها في الحياة، وأن الناس الذين تربُّوا على العُنف الجسدي وليس الجنسي مثلها تعرف جيدا إحساس كما لو أنك مجرد شيء، وقالت شارون إنها لم تكن بحاجة إلى البداية من الصفر أو إعادة تغيير أو تجديد نفسها بعد الانفصال لأن لديها العديد من الأصدقاء المُقرَّبين المُحبِّين حولها ووقفوا إلى جانبها في محنتها.

وعندما قالت لها المحاورة كيت إن الكاتبه الأمريكية الشهيرة چويس كارول أوتس (١٩٣٨) وصفتها بأنها “شجاعة”، قالت شارون إن چويس شجاعة أيضا وردت شارون على كلمة “fearless” بمُقتبسٍ من الشاعرة الأمريكية آدريان ريتش (١٩٢٩-٢٠١٢): “أنا أخاف كل شيء”، ولكن رغبتها أشد قوة من خوفها وإنها تريد أن تكتب عن حياتها كقصص تمثِّل الحياة العادية للنساء، وأنهت حديثها بوصف يومها العادي في العمل وقالت إنها في الصباح، لديها دفتر ملاحظات تشتريه من بقالة وقلم حبر جاف. وقالت: “إذا كانت تكتب وهي في هامبشاير فإن نافذتها تطل على البحيرة والسماء والشجر، أما لو كانت في ولاية نيويورك فإنها ترى نهر هدسون، “فقد أصف ما أراه أو أدوِّنُ ملاحظاتي”. كما أنها ترسم وتضع ملصقات لطيور وزواحف وديناصورات وملصقات للسماء.

الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

فيديو: شارون أولدز وهي تلقي بعضا من أشعارها 

تنضمُ شارون أولدز إلى قائمة شاعرات الشٍّعر الاعترافي مثل سيلڤيا بلاث وآن سيكستون وسارة تيسيديل، وعبَّرت شارون في شعرها عن العنف السياسي والحياة الجنسية والعلاقات الأسرية والحب والجسد، فتحدثت عن تلك النواحي من حياتها الشخصية بجرأة وشجاعة غير عادية وأثنى عليها الكثير من الشعراء والنقاد، فأشاد بها أحد المُراجعين في صحيفة نيويورك تايمز وقال: “أولدز تُشبه والت ويتمان (١٨١٩-١٨٩٢) بأنها تغنَّت بالجسد احتفالًا بقوة أقوى من السياسة القمعية”.

كما قال الشاعر الأمريكي ريتشارد ويكفيلد (١٩٥٢) عن شعرها: “تكتب أولدز شعرًا مُخلصًا للحقيقة والواقع أكثر من أي نثرٍ آخر”.

Dylan Foley's BookPush: Sharon Olds on Her Mother's Death in "One Secret Thing"
الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

 

من خلال قراءتي لشعر أولدز وجدتُ أنها تخلت عن القافية في شعرها أي أنه شعر نثري وسردي كما أنه حُرٌ، كما أنها تنقل الجُمل من سطرٍ إلى آخر بدلًا من إكمالها في السطر نفسه وهذا عنصر أساسيٌّ في أسلوبها الشعري، كما أنها تكتب الجمل من دون فواصل أو نقاط أو علامات اعتراضية.

أرهقتني ترجمة قصائد شارون أولدز برغم استمتاعي بقراءة شعرها وذلك لاختلافه، وطريقة سردها لأحداث حياتها بصورة شعرية بلاغية دقيقة، وبلغة شعرية ليست صعبة في مفرداتها لكنها صعبة في ترجمة مشاعر شارون المُعقَّدة المُركَّبة الصادمة خصوصًا فيما يتعلق بالقصائد التي تتحدث فيها عن علاقتها بوالديها، فكان من الطبيعي أن أتوحَّدُ مع الشاعرة وأتقمص شخصيتها وروحها وإحساسها وأشعر كأنني أتحدث عن نفسي.

وبرغم أنني أعتبر هذا التوحُّد فرط إحساس واندماج؛ فإنه يرهقني نفسيًّا ويشعرني بالإجهاد، ولكن شارون أولدز شاعرة أمريكية متفردة ومتميزة تستحق الاحتفاء بها كما أن لديها شعبية كبيرة في المجتمع الثقافي الأمريكي ومن أكثر الشاعرات المقروءات أيضا. شعرها مثيرٌ للجدل دائما لاختلافه ولتناولها موضوعات خاصة شديدة الحساسية.

الشاعرة الأمريكية شارون أولدز

 

وفيما يلي ترجم لقصيدتها “ما بعد الأذى”.

 

ما بعدَ الأذى

(Beyond Harm)

 

بعد وَفَاةِ والِدِي بِأسبُوعٍ

أيقَنْتُ فَجأةً

أن حُبَّه كانَ أمَانًا لي

لا شيءَ يُضَاهِيهِ

في تِلك الأَشهُرِ الأخِيِرةِ

كان وجهُهُ يُشرِقُ أحيَانًا

عِندَما كُنتُ أدخُلُ غُرفَتَهُ

ذات مرَّةٍ قالت لي زوجتُهُ:

إنَّهُ كان نصفَ نائمٍ عندما نطقَتْ اسمي وابتسم

احتَرَمَ شَجَاعَتِي عِندَما

رَبَطُونِي في الكُرسِيِّ

تِلك المَرَّةِ

كانُوا يُقَيِّدُونَ شَخصًا يَحتَرِمُهُ

وعِندَمَا لم يكُن يَتَحَدَّثُ لأسَابِيِعَ

كُنتُ واحِدةً من الكَائِنَاتِ

التي لم يَتَحَدَّثْ إليهَا

شَخصٌ لهُ مَكَانةٌ في حَيَاتهِ

حَتَّى إنَّهُ قَالَهَا مرَّةً بالخَطَأ

في ذَلِك الأُسبُوعِ الأَخِيِرِ

اتجَهتُ نَحوَ غُرفَتهِ

قُلتُ: “كيفَ حَالك”؟

فقَال “أُحِبُّكِ أيضًا”

ومُنذُ ذَلِكَ الحين

كان لَدَيَّ تِلك الكِلمَةُ لأخسَرَهَا

حتَّى الَّلحظَةِ الأخِيرَةِ

كان يُمكِنَنِي أن أرتَكِبَ

بعضَ الأخطَاءِ

و أُسِيءَ إلَيهِ

ومع واحِدَةٍ من كَلِمَاتِ

الاشمِئزَازِ التي كان يَتَفَوَّهُ بِها

كان يُمكِنُهُ إعَادةُ تَشوِيشِ حَيَاتِي

كُنتُ أسَاعِدُهُ بالاعتِنَاءِ بهِ

ومَسحِ وَجهِهِ ومُراقَبتِهِ

ولَكِن بعد فَترَةٍ من وَفَاتِهِ

اعتَقَدتُ فَجأةً وبِدهشَةٍ

أنه يُحِبُّني الآنَ فضَحكتُ

لقد كانَ مَيِّتًا، مَيِّتًا!

عن د. سارة حامد حواس

مترجمة، مدرس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة المنصورة، تخرجت في الكلية نفسها بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وحصلت منها على درجتي الماجستير والدكتوراه في اللغويات التطبيقية. حصلت على عديد من الدورات التدريبية، وشاركت في كثير من المؤتمرات العلمية الجامعية. ولها أبحاث في التخصص منشورة في عدد من المجلات المصرية والأجنبية. وهي منسقة البرنامج التخصصي للغة الإنجليزية والترجمة بكلية الآداب جامعة المنصورة، ومنسقة الكلية لدى نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *