كانت سيزا -واسمها الأصلي زينب محمد مراد- قد ولدت في الرابع والعشرين من مايو من عام 1897 في قرية القرشية بمركز السنطة بمحافظة الغربية، لوالدين انفصلا بعد ولادتها بشهور قليلة، فكفلتها إحدى قريباتها وهي عديلة هانم النبرواي، التي منحتها لقب العائلة بعد أن أسمتها سيزا، واهتمت بتعليمها في مدرسة فرنسية في الإسكندرية، قبل أن تسافر بهذه الصغيرة، ذات الثماني سنوات، إلى «باريس» عام 1905.
ومع ذلك، لم تكن حياتها مع أسرتها الجديدة في الخارج وردية، بل دخل الخلل حياتها عندما بلغت السادسة عشرة، وانفصلت والدتها البديلة عن زوجها، ثم سرعان ما اكتشفت أن «عديلة هانم» ليست أمها الحقيقية، مما ترك أثرا صعبا على نفسيتها، وهذا ما أكدته «هدى شعراوي» في مذكراتها، إذ قالت:
«كم كانت الصدمة شديدة على «سيزا» المسكينة التي كانت تجهل حتى ذلك الوقت أن لها أما غيرها، وكانت «سيزا» في ذلك الوقت في السادسة عشرة من عمرها.

كان شعور (الفقد) أكثر ما شعرت به «سيزا». ومع ذلك، كان هذه الأحداث المريرة التي عايشتها، مجرد وقود حرك نداءها بالحرية عند عودتها لمصر لتعيش مع أقاربها، وفوجئت -حينها- بفرض قيود عليها في الحركة، والملبس، وهو ما رفضت الإذعان إليه، ثم أعلنت صراحة عن كرهها لما سمى بـ(البرقع)، الذي فُرض عليها في صغرها، وكان لباسا شائعا بين النساء المصريات حينها، ورفضت ارتداءه مرة أخرى.
ارتبطت سيزا بصديقتها هدى شعراوي، التي كانت في الأصل صديقة لأمها البديلة، أكثر فأكثر، حيث أخرجتها من العزلة، ونصحتها بالاتجاه إلى العمل الأهلي، وشاركت الصديقتان في 14 مؤتمرا نسائيا دوليا، وأسستا العديد من الجمعيات النسائية في مصر.

ولكن ثورة 1919 كانت هي نقطة التحول الفعلية في علاقة «سيزا» بالمجال العام، حيث رأت في الاحتجاجات ساحة للتعبير عن غضبها وثورتها على كل الأوضاع التي تنتهك الحقوق وتهمش دور المرأة، فشاركت بحماس في المظاهرات المناهضة للاحتلال البريطاني، واشتركت في تنظيم المظاهرة النسائية الكبرى التي خرجت في 20 مارس، متوجهة إلى بيت الأمة (بيت سعد زغلول)، وحاصرتها قوات الاحتلال، لتثبت أن للمرأة صوتا وحقا مساويا للرجل، للتعبير عن شعور الانتماء للوطن، ونبذ الاحتلال، والنداء بالحرية بكل أشكالها، وهي المظاهرة التي قررت هدى شعراوي بعدها تأسيس «الاتحاد النسائي المصري»، ليكون مظلة للحركة النسائية في «مصر». وهو الاتحاد الذي تأسس في 16 مارس عام 1923.
وقد أسهمت «سيزا» في تأسيس الاتحاد ، وترأسته «هدى شعراوي»، فيما اختيرت «سيزا نبراوي» لمنصب السكرتيرة العامة للاتحاد، ليصير هذا الاتحاد هو أول جمعية ذات توجهات نسوية واضحة في مصر. وكان بين مطالبه الرئيسة: استحداث تشريع السن الأدنى لزواج الفتاة هو عمر السادسة عشرة، والمناداة بمنع تعدد الزوجات، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة إجراءات من شأنها تحقيق المساواة بين الذكور والإناث في جميع مراحل التعليم.

ومن هنا، وجدت «سيزا» نفسها، وأثبتت بجدارة قدراتها، وتفوقها، وتميزها داخل الاتحاد النسائي، رغم صغر سنها بالنظر إلى بقية العضوات، إذ شهد العام نفسه أيضًا، مشاركة «سيزا» في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي، الذي انعقد في «روما» في شهر مايو، إلى جانب كل من: «هدى شعراوي، ونبوية موسى»، لتصبح «سيزا» من أوائل النساء اللائي مثلن «مصر» في الخارج.
وعند عودتهما من المؤتمر، اشتركت «سيزا وهدى» في الخطوة الأجرأ التي قامت بها رائدات الحركة النسوية، وهي خلع النقاب، أو (البرقع) أمام الناس، رافضات أن تطمس هويتهن في المجتمع، حسب تعبيرهن.
شهرزاد
