”شاعرٌ لنا جميعًا، تنبض كلماته الأنيقة بالفكاهة والتناقض”.
دانيال بورستين، أمين مكتبة الكونجرس الأمريكية يتحدث عن ريتشارد ويلبر
هل سيستمر نجاح الشّاعر الأمريكي ريتشارد ويلبر مع ظهور مدرسة الشعر الاعترافي ومُتبنيه من الشعراء والشاعرات الأمريكيين مثل سيلڤيا بلاث وآن سيكستون وچون بيريمان وغيرهم الكثيرين؟ هل انتماء ويلبر إلى المدرسة الشكلية سينقذه من الوقوع في فخ التقليدية في الشكل والمضمون؟ هل كون ويلبر شاعرًا شكليًّا سيجعله يؤثر على المُتلقي مثلما يؤثر الشّاعر الاعترافي على مُتلقيه؛ الذي يتماهى ويندمج معه ومع أحزانه وشكواه ومعاناته في الحياة وتفاصيل حياته الدقيقة من خلال سطورٍ شعريةٍ يبث فيها الشَّاعر الاعترافي مشاعره بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ؟.
أسئلةٌ كثيرة متنوعة قفزت إلى عقلي فور قراءتي شعر ويلبر الذي أدركت منذ الوهلة الأولى أنه شعرٌ مُختلفٌ شكلًا وموضوعًا وروحًا أيضا.
وُلِدَ الشَّاعر والمترجم الأمريكي ريتشارد ويلبر في مانهاتن بولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في عام ١٩٢١ لأبٍ يعمل فنان بورتريه اسمه لورانس لازار، ولأمٍ أخذ اسم عائلتها اسمها هيلين روث ويلبر.
انتقلت أسرة ويلبر بعد ولادته بعامين إلى شمال كالدويل بولاية نيوچيرسي التي كانت حينذاك قرية ريفية حيث قضى فيها طفولته. أما عن جد ويلبر وجد جده فكلاهما كانا محررين، وأظهر ويلبر اهتماما مبكرا بالصحافة وكتب العديد من القصص والقصائد لصحيفة ومجلة الكلية عندما كان طالبًا بكلية أمهيرست في أوائل أربعينيات القرن العشرين.
فكَّر ويلبر في فترة من حياته أن يعمل رسَّام كاريكاتير سياسي، ولكنه سرعان ما اتجه إلى كتابة الشعر واستمر فيها إلى نهاية حياته.
خدم ويلبر في الجيش الأمريكي في أوروبا بعد تخرجه في كلية أمهيرست في عام ١٩٤٢ وشاهد هناك فظائع الحرب العالمية الثانية وقال بعد ذلك إن هذه التجارب أصقلت موهبته الشعرية وجعلته شاعرًا. ووصف ويلبر بعد ذلك تأثير تجربته في الحرب على شعره قائلًا: ”لا يُستخدم الشعر لأغراضه الرئيسة كوسيلة لتنظيم الذات والعالم، إلا عندما يخرج عالمك عن السيطرة بطريقة ما”.
تحدث الشاعر والناقد الأمريكي آدم كيرش في مجلة نيويوركر عن مجموعة ويلبر الشعرية الأولى: ”التغييرات الجميلة وقصائد أخرى”، قائلًا:’ ‘إنها تُعالج تجاربه في الحرب بأسلوب رسمي مكلّف للغاية حتى إنه حوَّل أكثر الموضوعات فظاعة إلى سُخرية أو حتى كوميديا سوداء. ولذلك فاهتمام ويلبر بالنظام وأسلوبه المحدد والرسمي إلى توجيه اتهامات بأنه ضحى بالعاطفة الحقيقية من أجل السلاسة.
وفي سياقٍ آخر، تحدث الشاعر والأكاديمي الأمريكي چون رايبتنز (١٩٤٤) في دراسات الشعر الحديثة عن ويلبر قائلًا: ”بالنسبة لريتشارد ويلبر، فإن مشاهد الحرب العالمية الثانية تتناقض مع أساسيات معتقداته التي يمكن استنتاجها من كتاباته، وهو أن الحب أقوى من الكراهية، وأن الطبيعة مصدر للقيم والاطمئنان، وأن هناك دافعًا قويًّا في كل من الإنسان والطبيعة الذييسعى باستمرار ويجد التعبير في صور الكمال الإلهي البهي”. ولكن استنتج رايبتنز بعد ذلك أن ”التناقض بين ما رآه وما كان يتمنى أن يراه دفعه إلى الاختباء”، لكن ويلبر بعد ذلك رفض الفكرة القائلة بأن كونه شاعر المدح وليس الشكوى مجرد أمر يتعلق بالهروب من الواقع.
وفي لقاءٍ له مع الكاتب الصحفي بيتر ستيت في مجلة ذا باريس ريڤيو قال: ”أشعر أن العالم مليء بالطاقة الرَّائعة وأن هذه الطاقة تأخذ نمطًا وشكلًا، وأن الطبيعة المطلقة للأشياء جميلة وصالحة. أدرك تمامًا أنني أقول هذا رغم كل أنواع الأدلة المخالفة وأنني يجب أن أبني ذلك جزئيًّا على المزاج العام وجزئيا على الإيمان ولكن هذا هو موقفي”.
وكتب الأكاديمي الناقد الأمريكي الذي يكتب دوما عن الشعر الحديث والمعاصر روبرت بي شو (١٩٤٧): من الصحيح أن بعض قصائد ويلبر تنحرف بشكل مقلق ومفاجئ من الواقعية إلى الجماليات ولكنه في الواقع لم يتجنب الموضوعات السلبية بشكل كامل كما اتهمه بعض النقاد”. وأضاف الناقد لاحقا أن العديد من قصائده في مجموعته الشعرية الثالثة ”أشياء من العالم” تتعامل مباشرة مع القضايا الإنسانية والسياسية”.
شعر مليء بالتفاؤل
استمر ويلبر في كتابة شعر منتظم ومليء بالتأمل والتفاؤل وذلك في كتبه الشعرية ”أشياء من هذا العالم” ١٩٥٦، و”نصيحة لنبي” ١٩٦١، و”المشي حتى النوم” ١٩٦٩، مستخدمًا أنماطًا تقليدية للقافية والوزن ومع ذلك فالمشهد الشعري في ذلك الوقت كان يوحي بأن أعمال ويلبر كانت دائمة العرضه للحكم عليه بقسوةٍ، ولكن أعماله دائما ما حظيت بإشادة نقدية كبيرة من قِبل العديد من النقَّاد الكبار حتى أن الجوائز الشعرية الكبيرة التي نالها خير دليل على ذلك.
وبظهور الشعراء الاعترافيين وشهرتهم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ،بدأت سمعة ويلبر في الهبوط فكتب النَّاقد الأمريكي ستيفين ميتكالف في مجلة نيويورك تايمز (١٩٦٤) عن هذا الموضوع قائلا: ”بفضل ”هلول” و”دراسات الحياة” للويل وظاهرة تعرف باسم سيلڤيا بلاث ذائقة الجمهور ابتعدت عن ويلبر وعن تفانيه في التأدب واللياقة والإيقاع المتماسك”.
واصل ويلبر في سمعته كشاعرٍ شكليٍّ في السبعينيات والثمانينيات يكتب أعمالًا مهمة على الرغم من أنه كتبها على هوامش الشعر المعاصر، فقصائد مثل تلك الموجودة في ”قارئ العقل” ١٩٧٦ ”تستطيع أن تقف في وجه كل نوع من أنواع الموضة الشعرية”، كما قال المؤلف والأكاديمي الأمريكي بروس ميكلسون في مجلة ساذرن ريڤيو.
ومع تقدم ويلبر في السن أصبحت أعماله أكثر شخصية حتى إنه اعترف في مقابلة مع مجلة ذا باريس ريڤيو وقال: ”بدأت أنهار قليلًا وأكتب بلا خجلٍ عما هو قريب مني”. من خلال مراجعة كتابها لشعري ”قصائد جديدة ومُجمعة” من قِبل مساهم في مجلة لوس أنجلوس تايمز بوك ريڤيو لاحظ أن ”ظهور تطور ملحوظ مستمر في الأسلوب من أناقة مزخرفة موجودة بشكل خاص في أول مجموعة لويلين ”التغييرات الجميلة” إلى شعر بسيط وواضح وحاد”.
وعلى الرغم من كل ذلك لم تؤثر تلك التغييرات على فلسفة ويلبر الخاصة التي تظهرها قصائده دائما وهي أن طاقة العالم الرائعة تميل إلى النمط والشكل”، ومع ذلك فانفصال ويلبر عن الواقع وعدم رغبته في الشكوى أو إضفاء البريق على الذات وعبقريته الشكلية واعتماده على الوزن والقافية ساعدوه على استعادة الاهتمام النقدي حتى كتب عنه الشاعر والناقد الأمريكي چيمس لونجنباخ (١٩٥٩) في سليت: ”قصائد ويلبر مهمة ليس لأنها أنيقة أو لا في أي لحظة معينة ولكن لأنها تبقي اللغة الإنجليزية على قيد الحياة، قصائد ويلبر العظيمة مليئة بالحداثة والدهشة والإرباك كما كانت قبل خمسين عاما”.
حاز ريتشارد ويلبر كل الجوائز الكبرى في الشعر فيما عدا جائزة نوبل في الآداب، حيث حصل على زمالة جوجنهام للفنون الإبداعية، وجائزة الكتاب الوطني في الشعر، وجائزة البوليتزر مرتين في الشعر عامي ١٩٧٥ و١٩٨٩، وجائزة بولينجن، والميدالية الذهبية من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وجائزة سانت لويس الأدبية من جامعة سانت لويس، وميدالية فروست، وجائزة واليس ستيڤينس، وجائزة روث ليلي، وجائزة تي إس إليوت، وجائزة آيكن تايلور للشعر الأمريكي الحديث، وجائزة إدنا سانت فينسنت ميلاي التذكارية وغيرها من الجوائز الكبيرة في الشعر والترجمة.
كان ويلبر شاعرًا مُنتجًا استمر في الكتابة الشعرية بأشكال تقليدية بغض النظر عن الاتجاه السائد في الشعر. ومن أهم كتبه الشعرية: ”التغييرات الجميلة وقصائد أخرى” ١٩٤٧، ”احتفال وقصائد أخرى” ١٩٥٠، ”الحيوان” ١٩٥٥، ”أشياء من هذا العالم” ١٩٦٥، ”قارئ العقل: قصائد جديدة” ١٩٧٦، ”قصائد جديدة ومُجمعة” ١٩٨٨، وكتب شعرية أخرى كثيرة.
كما له العديد من الترجمات للمسرح الفرنسي الذي كان محط تقدير كبير من قِبَل النقَّاد، فترجم للكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير (١٦٢٢-١٦٧٣)، والشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي چان راسين (١٦٣٩-١٦٩٩)، والشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي بيير كورني (١٦٠٦-١٦٨٤)، كما كتب كُتبًا للأطفال وحرَّر أعمالًا للشاعر والكاتب المسرحي وليام شكسبير والشاعر والناقد الأدبي الأمريكي إدجار آلان بو (١٨٠٩-١٩٤٩)، كما صدر كتاب ويلبر الأول ”التغييرات الجميلة وقصائد أخرى” في العام نفسه الذي حصل فيه على درجة الماچستير، وذلك في عام ١٩٤٧، ومن عام ١٩٥٠ إلى عام ١٩٥٤ كان أستاذًا مُساعِدًا في اللغة الإنجليزية في جامعة هارڤارد وقد درَّس لاحقًا في جامعة ويلسلي (١٩٥٥-١٩٥٧)، وجامعة ويسليان (١٩٥٧-١٩٧٧) وكلية سميث (١٩٧٧-١٩٨٦). ومن عام ١٩٨٧-١٩٨٨ كان الشَّاعر الوطني الرسمي الثاني للولايات المتحدة الأمريكية بعد روبرت بين وارن (١٩٠٥-١٩٨٩).
شعر في خدمة الرقة والرعب!
في مقابلة مع الصحفي هاريسون سميث من صحيفة واشنطن بوست، قال روبرت كاسبر رئيس قسم الشعر والأدب في مكتبة الكونجرس: ”إذا كان زميله الحائز على جائزة بوليتزر چون أشبري قد اخترع نوعًا جديدًا تمامًا من الشعر، فإن ريتشارد ويلبر ذكَّرنا بالقوة الدائمة للتقاليد: فالقصائد المكتوبة عن العالم الطبيعي والحب، بقافية وإيقاع كلاسيكي تقليدي، ستستمر في الأهمية في المستقبل”. كما وصف بول مولدون الشَّاعر الأمريكي الحائز على جائزة بوليتزر أيضا ويلبر ”أفضل تقني في الشعر الأمريكي خلال السبعين عاما الماضية وكانت هذه التقنية في خدمة الرقة والرعب بشكل تام”.
ويا ليت قومي في البلدان العربية يعلمون أن الشعر اختلاف وليس خلافًا ،وأن الساحة الشعرية تسع الأصوات الشعرية المتنوعة كي لا نقصي شاعرًا لمصلحة آخر، وألا نمارس الحذف أو النفي على من نختلف معهم فكريا، ولعل رحابة المشهد الشعري في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تكون نموذجًا لأن نحتذيه.
غرابة وتأويلات متعددة
وأكثر ما أعجبني في قراءتي عن ريتشارد ويلبر هو إصراره الكبير وإيمانه القوي فيما يفعل ويكتب فلم تهتز ثقته بنفسه، برغم وجود الكثير من التحديات التي قابلته أثناء مسيرة كتابته الشعرية، وذلك يدل على أنه صاحب موهبة شعرية حقيقية واثقة ورصينة مبنية على عقيدة وتعلم وتجارب عاشها، وآمن بها وفعلها.
كما وجدت أن قصائده تتسم بالغرابة بعض الشيء حتى إنني في كل قراءة للقصيدة الواحدة أجد تأويلًا جديدًا يختلف عمَّا سبقه، قصائد لها أبعاد نفسية وأخرى جمالية لا تختلف فقط من رؤية شخص إلى آخر ولكن حتى من قراءة إلى أخرى للقصيدة نفسها، وهذا من وجهة نظري تمكُّن من اللغة والأسلوب الشعري الذي يتبعه، وبرغم اهتمامه بالشكل الشعري التقليدي فإنه كان متنوعا ومتجددا في موضوعاته وتيماته التي يتناولها في قصائده واقتنع دوما بأن من كثر نقاده دليل على نجاحه، لأن العمل الجدي الذي يثير الجدل والرؤى المختلفة قد يكون عملا مختلفا شكلا ومضمونا.
وأعجبت كثيرا بتفاؤل ويلبر الذي على الرغم من ظروف الحرب التي مر بها فإنه لم يغير اتجاهه في الحياة وإصراره بأن الحياة مليئة بالأسباب التي تجعلنا نعيشها بسعادة ، وهذا في رأيي ليس انفصالًا عن الواقع بل بالعكس هو دعوة إلى الرضا والامتنان لوجودنا في الحياة، فالانخراط في الحياة السياسية أو الاجتماعية حولنا وتحويلها إلى مادة في كتاباتنا ليست دليلا على التفوق والتميز والتفرد بل هي اتجاهات في الحياة، يتبناها البعض ويعزف عنها البعض الآخر ولا لوم على الاثنين، فالكتابة حرية وجموح لا تتقيد بأي ظروف مهما كانت وكل روح تألف مع ما يشابهها.
وفي لقاءٍ مع ريتشارد ويلبر أجراه الكاتب الصحفي الأمريكي بيتر أيه ستيت من مجلة ذا باريس ريڤيو ،سأله بيتر: ”متى بدأت كتابة الشعر؟”
أجابه ويلبر: ”بدأت الكتابة الشعرية، منذ طفولتي، وأصبحت شاعرًا محترفًا في سن الثامنة عندما نُشرت أول قصيدة لي في مجلة چونمارتن. حسبما أتذكر كانت قصيدة عن البلابل، سيئة للغاية، والتي لم أكن قد رأيتها أو سمعتها من قبل كطفلٍ أمريكيٍّ. بالطبع، لم أكن أفكر في الشعر باعتباره نشاطي الرئيس أو حتى هوايتي الرئيسة في تلك السن. كنت أرسم الصور وأعزف البيانو بشكل سيء وكنت أفكر في أن أكون رسام كاريكاتير وأتخيل أنني قد أكون صحفيًّا. كان الشعر مجرد واحد من المنتجات المتعددة ولا يمكن القول إنني قمت بأي شيء استثنائي للغاية.”
سأله بيتر: ”هل تم دفع أجر لك مقابل القصيدة؟”
أجابه ويلبر: ”نعم، دولار واحد. لا أزال أحتفظ به في مكانٍ ما هناك في تلك الصومعة، والتي لا أستطيع فتحها لأنني فقدت المفتاح، توجد صناديق بنية محشوة بالذكريات، وأعتقد أن أحدها يحتوي على الدولار”.
سأله بيتر سؤالا آخر: “ما الذي دفعك في النهاية إلى اتخاذ قرار بشأن مهنة شاعر؟”
أجابه ويلبر: ”لقد انزلقت إليها ببطءٍ عندما كنت في كلية أمهيرست كنت محررًا أو رئيسًا كما كانوا يسمونه لصحيفة الكلية وقمت بالكثير من الكتابة والرسم لمجلة الفكاهة في الكلية ”تاتشستون”. في الوقت نفسه شعرت بنوع من الدعوة لدراسة أدب اللغة الإنجليزية وفكرت أنني قدأريد أن أكون عالمًا . خلال الحرب العالمية الثانية، كتبت قصائد لتهدئة أعصابي وأرسلتها إلى زوجتي وبعض أصدقائي وبعض المعلمين في أمهيرست، ثم عندما عدت بعد الحرب وذهبت إلى جامعة هارفارد على بطاقة الجندي المسرَّح لأحصل على ماجستير في الأدب الإنجليزي، كان هناك صديق تعرفنا إليه هناك وهو شاعر فرنسي معروف الآن يدعى آندريه دي بوشيه. كان مرتبطًا بمجلة صغيرة تُدعى ”الخلفية”، والتي كانت تحظى بدعم من ”رينال وهتشكوك” كوسيلة لاكتشاف مواهب جديدة. سمع أندريه من زوجتي في إحدى الليالي أن لدي مخبأ سرِّيَّا للقصائد في مكتب دراستي ثم طلب أن يراها ثم أخذها ليقرأها وعندما عاد بعد ساعة تقريبًا، قبلني على خدَّي وأعلن أنني شاعر. أرسل هذه القصائد إلى ”رينال وهيتشكوك” وأعلنا هما أيضا أنني شاعر، وقالا إنهما يودان نشرها وقصائد أخرى لدي في كتاب”.
أشعر دوما بشغف وترقب كبيرين عندما أقرأ حوارًا لشاعرٍ فأنتظر دوما إجاباته عن أسئلة المحاور لفك شفراته الخاصة وقراءة ما بين السطور لمعرفة دواخله وبقرب وعمق أكثر. فأتوق دوما إلى معرفة دوافعه لكتابة الشعر وكيف اكتشف موهبته الشعرية ومتى بدأ عنده الإلهام والكتابة.
أشياء كثيرة ممتعة أعرفها من خلال قراءتي لحوارات الشعراء حتى أنني أتعلم كيفية إلقاء الأسئلة من المحاورين وأتعلم فن الإجابة عنها منخلال إجابات الشعراء.
رحيل ويلبر
توفي ريتشارد ويلبر في الخامس عشر من أكتوبر عام ٢٠١٧ في بيلمونت بولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية بعد رحلة عميقة وعظيمة في الكتابة الشعرية وتحقيق ذات ملهمة ودؤوب لم تعرف لليأس طريقا بل بالعكس هي روح تخلق من الحرب سلاما ومن الكراهية حبا، روح قوية عرفت كيف تصمد أمام التحديات والإحباطات الكثيرة قد تهتز لها الجبال ولكن إيمانه القوي في موهبته الشعرية وفي مبادئه واتجاهاته في الحياة جعلته يتمسك أكثر بما يحب ويميل إليه وأن يفصل نفسه عن واقع الحروب الذي عاش فيه وعانى منه الكثير، ولكنه اختار رغم ذلك التفاؤل وعدم الشكوى، وأرى في ذلك قمة القوة والثقة بالنفس.