المتحف المصري الكبير…الليلة التي استيقظ فيها خوفو

في الليلة الأولى التي أضيئت فيها أنوار المتحف المصري الكبير، كان الجوّ دافئًا وهادئًا على غير العادة، وكأن شيئًا غريبًا ما يحدث! يومٌ طالَ انتظاره منذ ظهرت فكرةُ إنشائه في تسعينات القرن الماضي، ووُضِع حجرُ أساسه عام ٢٠٠٢.

 

 

على مدار أعوامٍ، كان العالمُ كلٌّ ينتظر. وفي الليلةِ التي أصبح فيها المتحفُ جاهزًا للافتتاحِ الجزئيّ، في 2022، وبدأت عمليةُ التشغيلِ التجريبيّة، تحرّكت الرمالُ تحت الأهرامات الثلاثة ببطء، وخرجَ منها شيءٌ يمشي في صمتٍ متّجهًا نحو مبنى المتحف الواقع بالقرب من هضبةِ الهرم.

 

 

الريحُ تدوي في الممرّات الحجرية، تتسلّل بين التماثيل الواقفة على الدرج العظيم، وتهمس في آذان الملوك النائمين منذ آلافِ السنين. عندها تحرّك خوفو، القادم من هرمه الأكبر، بعدما استيقظ من نومه الطويل.

 

وقف شامخًا كما كان، يمدّ بصره في أرجاء المتحف المبني على مساحةٍ تقارب المئةِ ألف مترٍ مربع، يُلمحُ أحفاده من الملوك والملكات مصطفّين في بهو الملوك، كلٌّ منهم يحتفظ بظلٍّ من مجده القديم. اقترب منهم بخطواتٍ هادئة، وصوته يرنّ كالموج في الصخر:

 

 «أهذا بيتُ الخلودِ الجديد؟»

 

 

ردّ عليه رمسيس الثاني، الواقف في البهو الرئيسي للمتحف بشموخٍ عظيم:

 

 «هنا لا نُدفن يا خوفو، هنا نُبعَث من جديد.»

 

تجوّل خوفو بين القطع الأثريّة التي ستُعرض لأول مرة أمام العالمِ يومَ الافتتاحِ الرسميّ للمتحف. وجدها الآن تتحتمي بضوءٍ ناعم خلف الزجاج. تلمّس مراكبه الخشبية النادرة، التي تُعدّ من أقدم وأضخم الآثار العضوية التي وصلت إلينا عبر آلافِ السنين.

 

 

تخيل دهشةَ الزائرين الذين سيأتون من كلّ بقاع الأرض ليشاهدوه هو وأجداده وأحفاده، وهم يحملون في قلوبهم دهشةَ اللقاء. ويبحثون عن الخلود في الحكايات التي يمتلئ بها المتحف، الذي يضمّ أكثر من مئةِ ألف قطعةٍ أثرية.

 

وفي تلك اللحظة، ارتجّ المكانُ بنداءِ خافتٍ، كأنّ المتحفَ نفسه استيقظ ليصغي. كانت شهرزاد تمرّ هناك، تمسُكُ بدفترها الذهبي، تكتب ما تسمعه من همساتِ الملوك، وتقول بصوتها الذي لا يشيخ:

 

 «مولاي… في تلك الليلة، حين استيقظ خوفو من نومه الطويل، أدركتُ أن مصرَ لا تنام، بل تحلم… وتحلم حتى تصحو الدنيا كلّها على حكايتها التي لا تنتهي».

 

 

 

عن ابتسام أبو الدهب

كاتبة صحفية، تخرجت من قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 2015، وتستكمل الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير بنفس القسم. تعمل في الصحافة منذ عام 2011، في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، ترأست قسم الأخبار والتحقيقات بجريدة القاهرة عام 2022. وتعمل حاليا بمجلة البيت الصادرة عن مؤسسة الأهرام، ومُعدة بقناة الحياة، كما تعمل كمدربة للأطفال بمشروع "أهل مصر" منذ عام 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *