باق من الزمن أسبوع واحد على انطلاق التليفزيون العربي وقد أعدّ القائمون عليه خريطة برامجية مميزة. فلن يدخل جهاز التليفزيون إلى بيوت الأُسر المصرية وهو خالي الوفاض؛ بـل عليه أن يجلب مع أثيره المتسلل إلى بيوتهم وليمة فاخرة من البرامج لإبهار المشاهدين وإشباعهم.
تُبشِّـر الجرائد والمجلات بباقة البرامج والتمثيليات التي سيتم بثها في الأسبوع الأول. وتركِّـز على قيمة الآنية والحالية في إرسال الصور المتحركة إلى هذا الصندوق الذي يحتل مكانه في بيوت المصريين سواء في الصالون أو الصالة أو حتى في غرف النوم، لذا فقد طالعنا العديد من العناوين الصحفية على غرار: “أول جلسة يعقدها مجلس الأمـة تشاهدها في حجرة نومك، وأول فيلم تشاهده في بيتك وطني حبيبي”. وأيا ما كان المكان الذي سيتجاوزه الأثير أو موضع التليفزيون في بيت المشاهد فالأكيد هو أن العالم قد بات أصغر وأقرب، وأن مسافات شاسعة قد طويت وأزمنة ممتدة قد تقلصت وانكمشت. وأن العالم بأسره أصبح بين أيدينا حرفيا.
برنامج متكامل ومتنوع
كانت الإشارة إلى إن أكثر برامج الإذاعة ستذاع في التليفزيون باعتبارها أخته الأكبر وكان الـوعـد بمشاهدة فرقة ساعة لقلبك ونجومها يؤدون اسكتشاتهم الضاحكة، والمقرئين يتلون القرآن الكريم، والأدباء يتناقشون؛ حيث قامات مصرية أمثال توفيق الحكيم وطه حسين وعباس العقاد ستظهر على الشاشة الصغيرة في بيوتنا.
تخبرنا الصحف أن عبد الحميد يونس مدير التليفزيون يضع مع المسئولين في البرنامج العربي الخطوط الرئيسية لبرامج التليفزيون. وسيشمل برامج كثيرة ومثيرة تختلف فئاتها المستهدفة ما بين المرأة والأسـرة والطفل، وستغذي حاجات وإشباعات الجماهير سواء كانوا فلاحين أو عمال أو مثقفين؛ فكل له نصيبه وبرامجه الخاصة.
أما البرنامج المذاع باللغات الأجنبية فيقوم شريف كامل بوضع تخطيط شامل له. مع التنويه fأن البرنامج لن يكون أجنبيا بمعنى الكلمة. بل ستظهر فيه الروح العربية وسيعرض للسياح آثار بلادنا ومختلف مظاهر تقدمنا الاقتصادي والإجتماعي. كما سيعرض تمثيليات لشكسبير وتشارلز ديكنز وبرنارد شو. وسيشمل أيضا منوعات من الأوبرات والسيمفونيات العالمية. وسيكتفي بتقديم نشرة أخبار واحدة يوميا.
وكانت الأخبار تشجع المشاهدين على المتابعة وتعدهم ببرامج المنوعات الإستعراضية التي يمتزج فيها الغناء والتمثيل والفكاهة والموسيقى.
مجلة ثقافية تليفزيونية!
وكان التليفزيون قد دشّـن في بدايته مجموعة من البرامج المنوَّعة اتخذت شكل المجلات التليفزيونية التي لا تبعث على الملل وتمتاز بخفة الإيقاع وقصر مدة فقراتها. والتي كان التحمس لها في أوجّـه قبل أن يخفت لتتراجع على الشاشة بعد ذلك.
ونلمح من خلال الخريطة الموضوعة لتدشين التليفزيون الوطني وجود 3 مجلات أسبوعية وهي مجلة “كل الفنون” لأنور المشري، و”مجلة الأغاني” لروبير صايغ. و”مجلة الأسبوع” لسعد لبيب.
أما مجلة “كل الفنون” فستذاع في أمسيات الثلاثاء من العاشرة وحتى العاشرة والنصف وتتناول كل الفنون، وستكون فيها صفحات للموسيقى والرسم والنحت والتصوير والسينما والمسرح والباليه.
وسيقدم أنور المشري المشرف على البرامج الترفيهية في الحلقة الأولى من مجلته “لوحة العدالة” التي تزين المبنى الجديد لمجمع المحاكم بشارع الجلاء وهي من عمل المثَّـال “صادق محمد”.
ثم نرى بعد ذلك ندوة فنية يحدثنا فيها محمد عبد الوهاب وعبد الرحمن الخميسي عن أوبريت “مهر العروسة” التي كتبها الثاني ولحنها الأول. وستُـقدم من على مسرح الجمهورية. ويقدم لنا أنور بعد هذه الندوة لقطات من الباليه الأمريكي على الجليد، ثم يقدم لك الممثلين والمخرجين والمؤلفين الذين فازوا في مسابقة جوائز المسرح، وهي المسابقة التي أقامتها لأول مرة وزارة الثقافة عام 1960 وستعلن نتائجها في أعياد الثورة.
أما “مجلة الأغاني” فستذاع لمدة نصف ساعة مرتين شهريا في أيام السبت.
وتقدم 4 أغنيات في الحلقة الواحدة تختلف كل واحدة عن الأخرى في طابعها وفي كل شيء. فهناك أغنية عاطفية وأخرى شعبية وثالثة راقصة ورابعة سورية.
وفي الحلقة الأولى من المجلة أغنية جديدة للمطرب الشعبي محمد عبد المطلب من تلحين أحمد صدقي يقول فيها طِـلِـب:
فوق شـباك الشـيخ في حـارتنا ليلة الـمـولد يـا حـلاوتـنـا
في اللحظة دي خطر في بالي رحت أقيد الشمع يا غالي
فوق شباك الشيخ في حارتنا..
وأغنية سورية لمحمد جمال وضع كلماتها ميشيل طعمة ومطلعها:
قولي لأمك يا منى عيني بالقلب عم بـيـفتحوا الوردات
وخبـِّريها بــــيـنك وبــيـني شو الحب صار مؤلف حكايات
وهناك أيضا 3 برامج فنية ستقدم على مستوى رفيع. أولها عن الباليه وسيقدمه لك عبد الرحمن صدقي الشاعر والأديب والفنان المعروف الذي كان مديرا لدار الأوبرا فترة طويلة. وسيتضمن هذا البرنامج عرضا لأنواع مختلفة من الرقص: الباليه الكلاسيكي، والإيقاعي، والرقص الشعبي.
والبرنامج الثاني هو “حياة فنان” الذي سيذاع لمدة نصف ساعة في يوم الأربعاء من كل أسبوع. وسيقدمه لك محمود شريف وستلتقي في كل حلقة من حلقاته بأحد الفنانين من الرسامين والنحاتين، وستعرف كيف يؤدي عمله الفني في مرسمه أو الأستوديو الخاص به. وفي أول حلقة سنرى رسام الإسكندرية “سيف وانلي”، وفي الحلقات التالية سنقابل سعيد الصدر، ورخا، والسجيني. وفي كل حلقة ستقوم إحدى كواكب السينما مثل ليلى طاهر أو سناء مظهر أو شريفة ماهر بتوجيه الأسئلة إلى الفنان، أما المادة العلمية والأسئلة فسيعدَّها صدقي الجباخنجي.
أما ثالث هذه البرامج الفنية فهو أول تجربة من نوعها؛ إذ سيقدم لك تاريخ بلادك من ثورة عرابي وحتى ثورة 23 يوليو. سيقدم لك هذا التاريخ بالزجل والرسم، الزجَّـال يرويه لك، والرسام يقوم برسمه أمام عينيك. وهذه محاولة جرئية وستحكم عليها عندما ترى هذا البرنامج واسمه “حكايات مصورة” وسيقدمه لك محمود شريف يوميا. وهو أقصر برنامج يقدمه التليفزيون.
ثقافة وفنون
الملاحظ أن عناية فائقة أولاها واضع الخريطة البرامجية للتليفزيون العربي نراها في اهتمامه بالجرعة الثقافية المعتبرة والبرامج الفنية الرفيعة التي سيتوجه بها للمشاهدين، وها هي الأيام تثبت في المقبل منها أن التثقيف كان أحد الحاجات التي سعى إليها المشاهد المصري؛ ففي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث في القاهرة سنة 1964 خلص فيها إلى أن 84,45% من المشاهدين قد قرروا أن البرامج الترفيهية هي التي تحظى بأكبر قدر من اهتمامهم؛ إلا أن البحث نفسه أثبت أن 69,47 % من المشاهدين يشترون أجهزة التليفزيون لرفع مستواهم الثقافي. وبين الثقافة والفنون الرفيعة تابع المصريون بشغف لافت برامجهم على الشاشة الصغيرة أو صندوق الدنيا أو التليفزيون العربي.