أحدث الحكايا

أمنية عادل تحكي: حكاية الأغنية في السينما.. ساعة تروح وساعة تيجي!

“يا بهية وخبريني يا بوي على اللي قتل ياسين”.. أتذكر حينما كنت صغيرة، كيف تعجبت عندما
استمعت إلى تلك الأغنية بأكثر من طريقة، تارة بصوت ليلى مراد في فيلم “الماضي المجهول”،
وأخرى بصوت شادية في فيلم “لوعة الحب”، سألت أمي على الفور، تلك التي تشاركني شغف
مشاهدة الأفلام، إنها الأغنية ذاتها لكن بكلمات مختلفة؟! لتخبرني أن الأغاني أشبه بالوجه الآخر
للأفلام المصرية في تلك الفترة.. لم أكن أعي أنني بعد سنوات عديدة سأكتب عن هذه الأغنيات
وتلك الأفلام يوما.

نطقت لتغني

“يبدو أن السينما المصرية نطقت لكي تغني”، هكذا وصف الناقد سمير فريد السينما المصرية. هذا الوصف الذي ينطبق على بدايات السينما المصرية التي ارتبطت فيها الأغنية بالسينما ارتباطا تاما، بكل أشكال هذه الأغنية من القصائد للمونولوج وما بينهما. وظل الغناء سمة أصيلة وجوهرية في السينما المصرية حتى الخمسينيات، فالمطربون الكبار هم أنفسهم نجوم السينما، والسينما هي وسيلتهم الأولى للترويج لأفلامهم من عبد الوهاب وأم كلثوم إلى فريد الأطرش ومحمد فوزي وشادية وصباح وعبد الحليم حافظ وغيرهم.

محمد عبد الوهاب وراقية إبراهيم في رصاصة في القلب
إسماعيل ياسين وشادية وشكوكو في ليلة العيد
أم كلثوم وأنور وجدي في وداد

 

ولكن بعد ذلك شهدت السينما المصرية العديد من المتغيرات في صياغة سردية الأفلام وبالتالي كانت الأغنية هي أول المتأثرين بهذه المتغيرات، فتراجعت الأغنية في السينما كثيرا منذ نهاية الستينيات مرورا بالسبعينيات مقارنة بفترة توهجها السابقة.

عبد الحليم حافظ وصباح في فيلم شارع الحب

العودة

ومع نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين عادت الأغنية من جديد كسمة مميزة للسينما ولكن ليس ارتباطا بالمطربين الذين احترفوا التمثيل كما حدث في البدايات وإنما ارتبطت هذه المرة بأداء الممثلين لها، وأشهرهم عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ونادية الجندي، حتى أن بعض أغاني هذه الأفلام تم تداولها في شرائط كاسيت، وفعل الأمل نفسه نجوم تاليون مثل محمد هنيدي ومحمد سعد، لكن الملاحظ هو ارتباط هذه الأغاني بالسياق الدرامي في كل فيلم.

محمود عبد العزيز وفؤاد خليل في الكيف

الآن، أو بالأحرى خلال السنوات العشر الأخيرة، نلاحظ عودة حضور الأغنية في الشريط الفيلمي، أحيانا لخدمة الحدث والتعبير عنه، وأحيانا كمجرد حضور ديكوري راقص. ومن الممكن اعتبار أغنية “الغزالة رايقة” في فيلم “من أجل زيكو” (2022) النموذج الأشهر لهذه الظاهرة، حيث باتت الأفلام تُعرف أو تشتهر من خلال الأغاني التي يتم غناؤها في الفيلم، سواء من قبل الأبطال كما هو الحال مع فيلم “بيت الروبي” (2023) للمخرج بيتر ميمي، أو من قبل مطربين لا يمثلون داخل الفيلم كما هو الحال مع فيلم “مرعي البريمو” (2023) للمخرج سعيد حامد.

لقطة من فيلم بيت الروبي

فيلم وأغنية

عام 1998 شهد صدور فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” للمخرج سعيد حامد بطولة محمد هنيدي، بعد أن قدم هنيدي دور المساعدة الغنائية لمحمد فؤاد في فيلم “إسماعيلية رايح جاي” 1997 من إخراج كريم ضياء الدين، أصبحت الأغنية جزءا أساسيا من كل أعماله السينمائية التالية “صعيدي في الجامعة الأمريكية” (1998)، “همام في أمستردام” (1999)، “جاءنا البيان التالي” (2001)، وصولا إلى فيلمه الأخير “مرعي البريمو”، وجميعهم مع نفس المخرج “سعيد حامد”.

ربما يعود هذا التلازم بين الأغنية والشريط السينمائي، مع أفول القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين في السينما المصرية، إلى الخفة والتركيز على الترفيه الذي أصبح الهدف الأوحد تقريبا للمشاهدة وصناعة تلك النوعية من الأفلام.

كوميديا وأغنية وترفيه سمات تلك الأفلام التي لا تعني بالضرورة أن تكون أفلاما باهتة أو تافهة على العكس حيث تناقش الكوميديا أيضا بدورها القضايا وتطرحها بطريقتها التي لا تهدف بالضرورة إلى بلوغ حل للمشكلات بقدر التعامل مع الأحداث والمفارقات الدرامية.

عودة المغنيين

شهدت الألفينية الجديدة بعقديها الأول والثاني مشاركات للعديد من قبل المغنيين ضمن الطاقم التمثيلي في العديد من الأفلام مثل “شعبان عبد الرحيم، سعد الصغير، حكيم، ومؤخرا عبد الباسط حمودة، وأحمد سعد”، على غرار مشاركة أحمد عدوية إلى جوار سمير غانم ونجوم الثمانينيات والدويتوهات التي كانت حاضرة في أفلامهم، بطريقة أو بأخرى باتت الأغاني مؤخرا حاضرة وبقوة.

بات السواد الأعظم من الأفلام المقدمة والتي يتجه لها الإنتاج هي الأفلام الكوميدية التي تحقق رواجا لحظيا ربما بصورة كبيرة في سينما الخليج وليس بالنسبة للمشاهد المصري فحسب

مسالا العيد 

اختلفت سبل الدعاية للأفلام بين الحاضر والعقود الماضية وذلك في ظل الحضور الطاغي للتكنولوجيا والإنترنت وسهولة التداول التي زادت من شهرة الأغاني أكثر من الفيلم نفسه في أغلب الأحيان، ولنا في ذلك العديد من النماذج، لاسيما مع تراجع المستوى الفني الذي تقدمه الأفلام وارتباط الأفلام بـ”المواسم” في تشبيه لسينما “المسالا” التي تُقدم في بوليوود.

الاختلاف أن السينما الهندية على مختلف ما تقدمه سواء داخل أو خارج بوليود تقدم أنواعا فيلمية متنوعة ولا تركز على إنتاج أفلام “المسالا” المعتمدة على الأغاني والبطولات المبالغ بها فقط، وهو ما يلفت الانتباه إلى الأزمة الحقيقية التي تعاني منها صناعة السينما المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة حيث بات السواد الأعظم من الأفلام المقدمة والتي يتجه لها الإنتاج هي الأفلام الكوميدية التي تحقق رواجا لحظيا ربما بصورة كبيرة في سينما الخليج وليس بالنسبة للمشاهد المصري فحسب.

وهو ما يطرح تساؤلا هل لم يعد المشاهد المصري يرغب في مشاهدة أنواع فيلمية أخرى ويكتفي بالفيلم الذي يستخدم الأغنية للترويج ويتذكر الأغنية بعد أن يتناسى الفيلم بمجرد الخروج من قاعة السينما؟ أو ربما يمكن طرح السؤال بطريقة عكسية لماذا بقيت أفلام تحتوي على أغان في الأذهان ولم تطغ الأغنية على الفيلم وحكايته؟

أفلام مثل “الكيف” (1985) للمخرج علي عبد الخالق، “كابوريا” (1990) إخراج خيري بشارة، “مستر كاراتيه” (1993) للمخرج محمد خان، وغيرها من الأفلام لم تشغل الأغاني المشاهدين عن التعاطي مع الفيلم وما يطرحه.

تلعب المهرجانات حضورا موازيا للسينما في الفترة الحالية كما كان فن المونولوج الغنائي المسرحي خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين

أحمد زكي في كابوريا

يسرد مؤرخو السينما المصرية أن أنور وجدي حينما كان يُقدم على إنتاج أحد الأفلام كان يصنع ديكورات متعددة للبدء في تصوير أكثر من رواية في الوقت نفسه حتى يحصل على حصص تمويلية من الموزعين، أفلام مثل “غزل البنات”، “عنبر”، “قلبي دليلي” وغيرها من الأفلام التي قدمها الثنائي “أنور وجدي وليلى مراد” تم إنتاجها بنفس الطريقة في تلك الفترة التي ارتبطت فيها السينما بفن الكبارية والمسرح الغنائي الراقص.

ربما تلعب المهرجانات حضورا موازيا للسينما في الفترة الحالية كما كان فن المونولوج الغنائي المسرحي خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ولكن المختلف أن الأغاني في الأفلام الحالية تحولت إلى مادة دعائية لا ترتبط أو تضيف إلى سردية الفيلم، مجرد دعاية على نغمات راقصة تبقى في الذهن حتى تلحق بها أخرى تغيبها.

ربما لا تعيش السينما المصرية أفضل حالاتها، بل يمكن الجزم بذلك. لكن الملاحظ أنها تستعيد سمات حضرت بقوة في فترات زمنية سابقة اتسمت بالأهمية في تاريخ السينما ومنها الأغاني التي يتذكرها الجمهور ولا يميز من أي فيلم كانت.

عن أمنية عادل

ناقدة وباحثة سينمائية، عضو مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين، عضو هيئة تحرير مجلة الفيلم الصادرة عن جيزويت القاهرة، لها العديد من المساهمات في الإصدارات العربية المختلفة منها مجلة كراسات السعودية وكذلك موقع رصيف ٢٢. إلى جانب مشاركات تنظيمية في عدد من المهرجانات المصرية كعضو لجان مشاهدة واختيار أفلام وعضو لجان تحكيم وكذلك إدارة ندوات في مهرجانات مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *