أحدث الحكايا

إيهاب دكروري يحكي: حكايتي مع «سينما الحقيقة».. لا تكذب ولا تتجمل

اقتربت من العمل في مجال الأفلام التسجيلية بأكثر من شكل، بدءا من عمل برنامج عنها، مرورًا بكتابة أكثر من سيناريو لأفلام تسجيلية أنتج بعضها، منها «المنيا في مائة عام» إنتاج التلفزيون المصري، وآخر عن مصنع أسمنت بني سويف إنتاج شركة فرنسية. ومؤخرًا كتابة وإخراج فيلم «من البحر إلى النهر.. رحلة الإنسان في المكان والزمان»، وتم تصويره في الدنمارك ومصر، وهو ناطق بالدنماركية، وعرض في عرض خاص بالدنمارك ولاقى استحسان المهتمين والصحافة المحلية عام 2018.

ندوة عقب عرض الفيلم في الدنمارك
جانب من تناول الصحافة المحلية بالدنمارك للفيلم

 

حكاية السينما

ولكن دعونا بداية نحكي حكاية السينما سريعا، بدأ فن السينما بالانتقال من التصوير الفوتوغرافي إلى اختراع فكرة الصور المتحركة، وهو ما بدأ بتصوير للمشاهد الطبيعية أو تصوير حركة الناس في الشوارع، أو تصوير العمال لحظة خروجهم من المصانع وما شابه.

لذا تعد بدايات فن السينما التسجيلية هو الشكل الذي تطور واستمد بعد ذلك كشكل فني مستقل ومختلف عن السينما الروائية التي بدأت تغزو عقول وقلوب المشاهدين في العالم.

وفي مصر بدأ هذا الفن في عشرينيات القرن الماضي، أي منذ أكثر من مائة عام على يد الرائد «محمد بيومي» كشكل فني قدم من خلاله بنك مصر أنشطته المختلفة.

أما البداية الحقيقية لهذا الفن فكانت في ثلاثينيات القرن الماضي على يد مجموعة من الرواد المحبين من أمثال سعد نديم، وصلاح التهامي، وكامل التلمساني، وآخرين قدموا سينما تسجيلية مختلفة، ومتطورة، وجادة. وظهرت بعدهم أجيال في مسيرة السينما التسجيلية قدمت ومازالت تقدم مجموعة من الأفلام التي تعد الآن تراثا وكلاسيكيات لهذا الفن في مصر.

محمد بيومي

 

البداية

تعود محبتي للسينما التسجيلية إلى مرحلة الطفولة حيث تعلقت بمشاهدة برنامج «سينما لا تكذب ولا تتجمل»، والذي كان يقدمه المذيع الراحل عبد الرحمن علي، وعلى الرغم من أن البرنامج لم يكن يذاع بانتظام، إلا أنني وأنا طفل كنت أنتظره بانتظام، منجذبًا إلى عالم مختلف وصور ومشاهد غير تقليدية، ربما ظل هذا الإعجاب مختزنا إلى أن أصبحت في موقع يسمح لي بالتقدم بأفكار البرامج إلى المسئولين للحصول على الموافقة لإنتاجها. وبالفعل تقدمت بفكرة لرئيس القناة السابعة آنذاك الأستاذ محمد الأمين لتقديم برنامج «سينما الحقيقة»، ومنه إلى لجنة البرامج والإشراف بالتلفزيون المصري للحصول على موافقة.

“أقول فترة ممتعة لأني قمت بعمل ما أحبه، وأستشعر له رد فعل مباشر مع المشاهدين، الذين يستوقفني بعضهم في الشارع أو الأماكن العامة ليسألوني تحديدا عن أشياء أو حلقات في البرنامج، أو يشيرون إلى أفلام راقت لهم”.

سينما الحقيقة

كان محمد الأمين قبل رئاسته للقناة، مخرجا للأفلام التسجيلية ورئيسا لوحدة إنتاج الأفلام التسجيلية بالتلفزيون المصري، لذا كنت متأكدًا من حماسه لعرض الفكرة على اللجنة والحصول على الموافقات اللازمة لتنفيذها وهو ما حدث بالفعل، وبدأت رحلة طويلة وممتعة.

وأقول فترة ممتعة لأني قمت بعمل ما أحبه، وأستشعر له رد فعل مباشر مع المشاهدين، الذين يستوقفني بعضهم في الشارع أو الأماكن العامة ليسألوني تحديدا عن أشياء أو حلقات في البرنامج، أو يشيرون إلى أفلام راقت لهم. وهو ما يضحد تمامًا فكرة أن جمهور السينما التسجيلية قليل أو نوعي لذا استمر البرنامج يعرض لمدة 9 سنوات متصلة على شاشة القناة السابعة في التلفزيون المصري من عام 1996 إلى عام 2005، أعددت وقدمت من خلالها مئات الحلقات من البرنامج، مع الزميل المخرج حاتم الخطيب، وكنا نقدم في كل حلقة عرضًا لفيلم تسجيلي أو فيلم روائي قصير، ونستضيف ناقدًا أو متخصصًا للتعليق عليه.

 

 

 

خلال هذه الرحلة تعرفت على عشرات المبدعين الكبار في هذا المجال، منهم: علي الغزولي، كامل القليوبي، علي أبو شادي، وسميحة الغنيمي، مدكور ثابت، فريدة عرمان، صفاء الليثي، هاشم النحاس، يحيى تادرس، راجح داوود، هالة خليل، ساندرا نشأت هاني خليفة، محمود سليمان، وسعد هنداوي، وغيرهم من الكتاب والنقاد والسينمائيين. مساحات الصداقة والود امتدت مع البعض منهم خاصة المخرج الكبير علي الغزولي، بارك الله في عمره، والدكتور علي أبو شادي رحمه الله، أضافت كثيرا لمعارفي الشخصية.

إيهاب دكروري مع المخرج علي الغزولي في إحدى حلقات برنامج «سينما الحقيقة» في نهاية التسعينيات

 

كما أنني استمتعت بمشاهدة ومناقشة مئات الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة من أمثال صيد العصاري، حكيم سانت كاترين، أرض الفيروز، حارة نجيب محفوظ، رحلة العائلة المقدسة، تموت الظلال ويحيا الوهج، ثلاثية الإنسان والنهر، اللي باع واللي اشترى، وأفلام شكاوي الفلاح الفصيح وجيوش الشمس للمخرج الكبير شادي عبد السلام، ابن محافظة المنيا.

 

 

ومن الأفلام الروائية القصيرة طيري يا طيارة، آخر شتا، عربة السيدات، زيارة في الخريف، يوم الأحد العادي، وقت مستقطع. إضافة إلى أفلام تسجيلية تناولت سير أشخاص مهمين في مسيرة التحديث الوطني أمثال: د. علي إبراهيم، أبو الطب المصري، سيزا نبراوي الرائدة النسائية، طلعت حرب الاقتصادي الشهير، نجيب محفوظ ضمير عصره، وغيرهم الكثير.

 

إيهاب دكروري والمخرجة سميحة الغنيمي في إحدى حلقات برنامج «سينما الحقيقة»

“سعادتنا تكتمل بالالتفات لحجم التراث التسجيلي والوثائقي الموجود بالفعل ولا يحتاج إلا إلى الاعتناء به وعرضه بالشكل الذي يناسب العصر الحالي.

كنوز منسية

نحن نملك في أرشيف التلفزيون المصري كنوزا من الأعمال التسجيلية وغيرها الكثير في المركز القومي للسينما، وأرشيف معهد السينما في أكاديمية الفنون من مشاريع التخرج، إضافة إلى الكثير من الأعمال الوثائقية والدرامية العظيمة والتي تمثل ذاكرة أمة بالفعل لا يلتفت لها أحد في وقت يسعى فيه غيرنا من الشعوب إلى صنع ذاكرة، وهذا حقهم، فالعبارة الشهيرة “التاريخ يصنع الآن” مبرر كاف لكل من يقدم على صنع شيء جديد ومختلف، لكننا بالفعل نملك الذاكرة والتاريخ والحاضر ولا نلتفت إليه ولا نحسن استثماره بالشكل الكافي.

وإذا كنا مؤخرًا، وفي اتجاه حميد للقائمين على أمر الإعلام المصري، قد سعدنا بإطلاق القناة الوثائقية على قمر نايل سات في فبراير من العام الحالي، هذه القناة التي تستهدف المشاهد المصري والعربي، فإن سعادتنا تكتمل بالالتفات لحجم التراث التسجيلي والوثائقي الموجود بالفعل ولا يحتاج إلا إلى الاعتناء به وعرضه بالشكل الذي يناسب العصر الحالي. فضلا عن حاجتنا الضرورية لإنتاج أفلام وثائقية جديدة تكون عنصر جذب للمشاهد المصري والعربي، فنحن في مصر كنا الرواد في هذا المجال كغيره من مجالات الفن ومازلنا نملك السبق فيه.

عن إيهاب دكروري

إعلامي وقاص مصري، كبير المذيعين بالتلفزيون المصري، قدم العديد من البرامج الثقافية الناجحة وساهم في تقديم المبدعين والكتاب في المجالات الثقافية المختلفة. صدرت له المجموعة القصصية «حامل الراية»، كما كتب في الدوريات والصحف المصرية المختلفة. عمل في مجال الإنتاج الإعلامي بتأسيسه لشركة «ميديا آرت كونيكشن» المعنية بصناعة الوثائقيات والبرامج الإعلامية، وصنع عددا من الأفلام الوثائقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *