أحدث الحكايا

ابتسام أبو الدهب تحكي: الرحلة اليومية لإله الشمس “رع” في ممالك الأهوال

وفقًا للأسطورة المصرية، عندما أصبح رع كبيرًا في السن ومرهقًا لدرجة أنه لم يتمكن من حكم الأرض، تخلّى عن ذلك وذهب إلى السماء، بصفته إله الشمس، وكانت إحدى واجباته هي حمل الشمس عبر السماء على قاربه الشمسي لإضاءة النهار.

ولكن عندما تغرب الشمس ويأتي الشفق، يمر هو وسفينته عبر “آخت”، الأفق، في الغرب، ويسافران إلى العالم السفلي. وهناك عليه أن يبحر في النيل الجوفي ويعبر عبر بوابات وممالك عددها اثنتا عشرة.

رع في شكل رأس كبش يسافر عبر العالم السفلي في قاربه الشمسي على النيل الجوفي، من نسخة كتاب البوابات في مقبرة رمسيس الأول

 

وفي سياق رحلة العالم السفلي، يحاول أبوفيس كل ليلة مهاجمة رع وإيقاف رحلة مركب الشمس. ولكن بعد هزيمة الثعبان أبيب، يغادر رع العالم السفلي، ويعود للظهور عند الفجر، ليضيء النهار مرة أخرى.

رحلة بها الكثير من الأهوال ويجب على رع أن يتخطاها بسلام حتى تصل الشمس إلى الأرض في الصباح التالي مرة أخرى.

تلك الرحلة هي ما كان يعتقده المصريون القدماء في محاولة منهم للإجابة على تساؤلاتهم وتأملاتهم حول المكان الذي تذهب إليه الشمس بعدما تغرب وماذا تفعل، كما ربطوا الرحلة المتخيلة برحلة الموتى إلى العالم الآخر ومصاحبة الآلهة لهم، وذلك نتيجة اعتيادهم الربط بين عقيدتهم وبين الظواهر التي تحدث في الطبيعة من حولهم، حيث ارتبطوا ببيئتهم بشكل كبير ونتيجة ذلك الارتباط حاولوا التوصل إلى تفسير كل ما يلاحظونه.

رحلة إله الشمس رع. التفاصيل في التابوت الداخلي لنيسباويرشيفيت

الممالك الـ12.. ورحلة الأهوال

1
المملكة الأولى تستقبل الشمس ببوابة مغلقة حولها مجموعة من الأفاعي، وعلى الشمس وموكبها المصاحب لها أن تهزمهم، وبمجرد المرور منها تدخل في نهر محاط بست أفاع على كل من ضفتيه، تُخرج النيران من أفواهها، بينما الآلهة تحرس الشمس.

2

أما المملكة الثانية يتسع فيها النهر عن سابقتها، ويعيش فيها الآلهة التي تصنع القمح والشعير وتبارك المحصول، وتمر الشمس منها إلى المملكة الثالثة.

3

التي يعيش فيها الإله أوزوريس إله الموتى والعالم الآخر، ويظهر جالسا على عرشه فوق الماء، وهو يقوم بحساب الموتى على أخطائهم التي ارتكبوها خلال حياتهم، ومن يخرج منهم مذنبا يتم إلقاؤهم في حفر نار، أما الصالحون فيعيشون بسعادة في ظل عرش أوزير في مملكته.

4

أما المملكة الرابعة، فهي صحراء واسعة تمتلئ بثعابين ضخمة مجنحة، والنهر في هذه المملكة شديد الانحدار وتائه، وخلال الرحلة يظهر ثعبان يحرس موكب الشمس حتى المملكة التالية.

رحلة إله الشمس آمون رع، مقبرة رمسيس السادس

 

5

في الخامسة يقيم المعبود “سكر” إله الجبانة، ويعيش هناك في باطن الأرض في مكان يحرسه أبو الهول يمينا وشمالا وبينهما أفعى بثلاثة رؤوس، وبالقرب منهم بحيرة بها ماء مغلي يتم إلقاء المذنبين فيها.

6

في المملكة السادسة يقف على جانب النهر أسد يزأر بقوة في الظلام، وثلاثة كنوز يحرسها ثلاثة ثعابين تنفث اللهب.

7

المملكة السابعة هي أصعب الممالك في الرحلة، حيث تفنى الشمس فيها وتسيطر قوى الشر ويتنصر الظلام وتتحطم مراكب الموكب، ولذلك تصحب الشمس في هذه المملكة، الربة إيزيس التي تقف في مقدمة المركب وتتلو التعاويذ السحرية ووراءها جثة الإله “رع” الذي يمثل الشمس ويلتف حوله ثعبان حتى يحمي جسده، ويمر المركب بجانب الثعبان الضخم “أبيب” الذي يرمز للشر والظلام ويحاول ابتلاع رع كل ليلة، ولكن يتم تفاديه والانتصار عليه ويمضي القارب نحو مدافن الآلهة الموجودة بجوار النهر في المملكة التالية وهي الثامنة في الرحلة.

لوحة جدارية توضح الرحلة. من مقبرة سيتي الأول
الثعبان أبيب

ثعابين قاذفة للهب وربات تغني 

8

مملكة المدافن يقيم فيها الآلهة الموتى وهم محنطون وملفوفون في لفائف كتانية كالمومياء، يحيون الموكب أثناء مروره، ويقف في مقدمة مركب الشمس أربعة كباش متوحشة بقرون مدببة.

9

في المملكة التاسعة يحرس القارب 12 إلها من آلهة النجوم ويجري النهر بشدة، ويقف على ضفتيه 12 ثعبانا ضخما ملتفا على نفسه وينفث النار من فمه، مما يجعل تلك المملكة مضيئة بعض الشيء، كما تقف ربات النجوم تغني حتى يمر الموكب.    

10

المملكة العاشرة في الرحلة هي الأكبر في الممالك جميعها، يجري النهر فيها عميقا ويمسك الحراس أسلحة لحماية الشمس، ويظل حتى هذه المرحلة جسد رع (الشمس) مسجى بداخل المركب، استعدادا للرجوع إلى الحياة من جديد.

11

أما في المملكة قبل الأخيرة في الرحلة، يعود النهر هادئا، وعلى عكس هدوئه تنتشر حفر لهب النار المشتعلة التي تأكل أجساد الأشرار، وأيضا يقابل الموكب هناك ثعبان ضخم أحمر يتكون من عشر نجوم، وثعبان آخر بساقين وجناحين يظهر بينهما طيف إنسان يرسل النسيم وهواء الصباح إلى الأرض.

12

ثم تأتي المملكة الأخيرة في رحلة الأهوال، وفيها يبدأ النور في الظهور، ولكن قبل الوصول إلى نهايتها يدخل الموكب في بطن ثعبان ضخم، وفيه يحيا رع ويقوم من ثُباته ويخرج القارب من تلك المتاهة تصحبه الغناء والموسيقى ويهلل من حوله في سعادة. تنتهي الرحلة ليعم النور ويُطرد الظلام، وتشرق الشمس في سماء الأرض مرة أخرى معلنة عن بداية يوم جديد.

تفاصيل الرحلة في كتاب البوابات

عن ابتسام أبو الدهب

كاتبة صحفية، تخرجت من قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 2015، وتستكمل الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير بنفس القسم. تعمل في الصحافة منذ عام 2011، في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، ترأست قسم الأخبار والتحقيقات بجريدة القاهرة عام 2022. وتعمل حاليا بمجلة البيت الصادرة عن مؤسسة الأهرام، ومُعدة بقناة الحياة، كما تعمل كمدربة للأطفال بمشروع "أهل مصر" منذ عام 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *