أحدث الحكايا
عدد من أغلفة مجلة الفن السابع

أسامة عبد الفتاح يحكي: النجم والمجلة.. حكايات الفن السابع

لم نكن نتخيل أن حل معضلة صحفية وثقافية سيكون عند نجم مثل محمود حميدة.

كنا، الراحل محمود الكردوسي وأنا، نحلم بمجلة سينما “حقيقية” متخصصة. نأتي بالورق الأبيض ونطويه ونُدبّسه من المنتصف مثل المجلات الحقيقية، ونُبوّبه أيضا: هنا “الترويسة”، وهناك الافتتاحية، ثم أبواب عن التاريخ والتكنيك والمصطلحات والمعدات وغيرها. سينما خالصة بعيدا عن الفنون الأخرى التي تشتبك معها المجلات الأخرى.

في عصر التراخيص الأجنبية، في منتصف تسعينات القرن الماضي، حصل زميلنا أبو العباس محمد على ترخيص مجلة فنية، ولأنه لم يكن متخصصا في الفنون، عهد به إلى صديقه الكردوسي، الذي كان وقتها في مطبخ تحرير مجلة “نصف الدنيا”، والذي اكتشفت أنه يحتفظ بأعداد صفحة السينما التي كنت أحررها في “الأهرام المسائي” لإعجابه بها، وإدراكه أنه وجد أخيرا من يشاركه حلمه.

حلم يتحقق

أعددنا الكثير من المادة، وانضم لنا الفنان الراحل حامد العويضي، المدير الفني لإصدارات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وقتها، ليحوّل أحلامنا وأوراقنا إلى “ماكيت” ملموس لمجلة استوحينا – في البداية – شكلها من مجلة “اليوم السابع” الشهيرة بقطعها الكبير، وقررنا أن تكون بالأبيض والأسود المطعم باللون الزيتوني الذي يوحي بالعراقة، وأسميناها “الفن السابع”، ذلك الاسم الذي كتبه العويضي بخطه الرقعة الجميل، في “لوجو” شهير ظل يتصدر المجلة حتى آخر أعدادها.. كما انضم للمشروع صحفيون كبار أثروه بأفكارهم، ومنهم: باكينام قطامش وأمينة الشريف وأشرف غريب.

وبقي التنفيذ.

أحد أعداد مجلة “الفن السابع”

حاولنا بكل السبل وسرنا في كل الطرق: اكتتاب، شركة مساهمة، إصدار عن طريق الجمعيات الأهلية، وغيرها، ولم نصل إلى شيء.. لم يكن أحد متحمسا لمجلة متخصصة لا تأبه بـ”النجم” قدر احتفائها بالـ”سينيفيل”، تستبعد أخبار الزواج والطلاق والفضائح وتفرد المساحات للتحليل والرصد والدراسة، ترفض مقالات الانطباعات ورواية حكايات الأفلام وتفتح صفحاتها لنقد مبدع يوازي إبداع السينمائي.

وذات يوم، قال لنا زميلنا الراحل محمد الدسوقي إنه يعرف أن النجم محمود حميدة يريد إصدار مجلة سينمائية متخصصة، وربما تتلاقى أحلامنا.. رتب لنا موعدا معه، ومن اللقاء الأول بدا الفنان المثقف وكأنه وجد ضالته، واشترى الاسم والترخيص والتصميم والمادة، وقال لنا عبارته الشهيرة: “احنا ربنا رزقنا ببعض”.

الفنان محمود حميدة

أصبح للمولود بيت في شارع محمود بسيوني (الأنتكخانة)، وقضينا فيه شهور الإصدار بلا نوم تقريبا. أذكر أنني مرة دخلت المقر يوم أحد وخرجت منه الأربعاء. أصدرنا عددين تجريبيين: الأول في مايو 1997، والثاني في سبتمبر من نفس العام، قبل أن تخرج “الفن السابع” للنور في ديسمبر 1997 حاملة أسماء محمود حميدة رئيسا لمجلس الإدارة، وفي الإدارة محمد الدسوقي ثم السيدة مها درويش، ومحمود الكردوسي رئيسا للتحرير، وحامد العويضي مديرا فنيا، وكاتب هذه السطور مديرا للتحرير. 

ومن العدد السادس، انضم لنا الفنان محمد عطية، وتولى الإدارة الفنية ليصير من الركائز الأساسية للمجلة، وليساهم في تشكيل وترسيخ هويتها البصرية.

غلاف العدد التجريبي الأول لمجلة “الفن السابع”

 

ذات يوم، قال لنا زميلنا الراحل محمد الدسوقي إنه يعرف أن النجم محمود حميده يريد إصدار مجلة سينمائية متخصصة. وربما تتلاقى أحلامنا.. رتب لنا موعدا معه، ومن اللقاء الأول بدا الفنان المثقف وكأنه وجد ضالته، واشترى الاسم والترخيص والتصميم والمادة، وقال لنا عبارته الشهيرة: “احنا ربنا رزقنا ببعض”.

 

مجلة فنية متخصصة تخرج إلى النور.. أخيرا

إلى جانب النواحي المتخصصة التي كانت غائبة في الصحافة العربية كلها على حد علمي، وليس المصرية فقط، مثل شرح أدق تفاصيل التكنيك والمصطلحات ومراحل وخطوات عمل الفيلم وتطورها تكنولوجيًا وأسرار الخدع السينمائية ورصد تاريخ السينما محليا وعالميا وإلقاء الضوء على من يقفون خلف الكاميرا من مخرجين ومديري تصوير ومونتيرين ومهندسي صوت وديكور وغيرهم، اهتمت المجلة بالمخرجين الجدد والشباب الذين كانوا يحاولون ضخ دماء جديدة في شرايين السينما المصرية وقتها.. فبعد أن حققنا حلمنا، انتبهنا لسينمائيين من جيلنا كانوا يحاولون بدورهم تحقيق أحلامهم، ونظمنا لهم ندوة موسعة سعدت بإدارتها وحاولنا فيها أن نقترب منهم ومن أفكارهم على أساس أنهم المستقبل في مجالهم، وأتذكر منهم: هاني خليفة ومحمود سليمان وهالة خليل وهالة جلال وإسلام عزازي وسامي حسام وأحمد أبو زيد.

وكان من الطبيعي أن تفتح المجلة صفحاتها أيضا لنقاد جدد، وأن ترعى جيلا من كتّابها المعبّرين عن أفكارها الجديدة، وكان منهم: مي التلمساني وصفاء الليثي ووليد الخشاب، مع الترحيب – في نفس الوقت – بنقاد وباحثين مخضرمين لم يكونوا يحصلون على ما يستحقون من مساحات في ظل سيادة اتجاه معين وأسماء محددة في ذلك الوقت، ومن أبرزهم الراحل أحمد يوسف، والدكتور ناجي فوزي.

وفي قسم “أطياف”، الذي كان يهتم بعلاقة السينما كوسيط فني وثقافي بالأدب والفنون الأخرى تحت إشراف الكاتب وائل عبد الفتاح، برز جيل من الكتاب الذين تقدموا فيما بعد للصفوف الأولى، سواء في الأدب أو الكتابة السينمائية، ومنهم: الراحلة نادين شمس وإيمان مرسال وياسر عبد اللطيف وأحمد غريب وإبراهيم فرغلي.

الجودة تنهي التجربة

وجعلنا وجود محمود حميدة، على رأس إدارة المجلة، ننتبه إلى “الممثل” الذي لا يتحدث عنه أحد.. يكتبون عن النجوم ومشروعاتهم واختياراتهم في الحب والحياة وحتى الطعام، لكن لا أحد يبحث في مدارس التمثيل السينمائي، أو يحاول شرح تكنيك الأداء واختلافه من ممثل لآخر، أو يغوص في أعماق الممثل ليدرس أحواله سواء قبل أو أثناء أو بعد دخول إهاب الشخصية، فقررنا تخصيص قسم لفن التمثيل السينمائي كان ينشر – ضمن مواده – شهادات مهمة لكبار المخرجين عن الممثلين الذين عملوا معهم، من خلال حوارات أجرتها باقتدار نادين شمس.

الكاتب أسامة عبد الفتاح مع الفنان محمود حميده

 

أعتبرها أكبر إنجازات جيلي بلا شك، ويسعدني أن صداها الطيب ما زال يتردد إلى اليوم، في مصر وعدد كبير من الدول العربية.. كما تريحني حقيقة أنها لم تتوقف لوهن أو تراجع، بل على العكس، لفرط الحرص على الجودة والقوة والشكل الجميل. أصر محمود حميده على الاستمرار في تجهيزها بأكبر شركة متخصصة في هذا المجال في مصر، وطبعها في أكبر مطابع بيروت مع تحمل تكاليف الشحن، ورفض ما جئنا به من عروض للتجهيز والطبع في مصر بكلفة أقل خوفا على النيل من الجودة التي اعتادها القراء، مما أدى لخسائر مالية كبيرة لم يستطع تحملها.

 

“أغمض عينيّ الآن لأعيش حلما آخر بإعادة واستعادة “الفن السابع” في صورة موقع إلكتروني كبير يُخصص جزء منه للاطلاع على تاريخها العريق وجزء آخر للمتابعات النقدية والإخبارية الآنية”

 

حلم جميل عشته كأول مدير تحرير وآخر رئيس تحرير لـ”الفن السابع”، ووضع له القدر النهاية التي يستحقها: عدد خاص عن السندريلا سعاد حسني صدر في أول أغسطس 2001 بعد رحيلها الصادم في 21 يونيو من نفس العام.. وأغمض عينيّ الآن لأعيش حلما آخر بإعادة واستعادة “الفن السابع” في صورة موقع إلكتروني كبير يُخصص جزء منه للاطلاع على تاريخها العريق وجزء آخر للمتابعات النقدية والإخبارية الآنية.

عن أسامة عبد الفتاح

صحفي وناقد ومبرمج سينمائي مصري، مدير تحرير صحيفة "الأهرام المسائي"، مدير أسبوع النقاد الدولي بمهرجان القاهرة السينمائي. صدرت له العديد من الكتب والدراسات السينمائية، وشارك في عضوية لجان التحكيم الدولية بمهرجانات مونتريال وتورينو وقرطاج وتطوان والجزائر والإسماعيلية وشرم الشيخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *