أحدث الحكايا
محمود الورداني

محمود عبد الوهاب يحكي: حين يحبك الورداني فيتفنن في شتيمتك!

كان أول لقاء لي بمحمود الورداني في قهوة الحرية منذ عشرين عاما، تعرفت عليه عن طريق شقيقه الأكبر وصديقي عبد العظيم الورداني، حيث قلت لعظمة إني بدأت كتابة القصة القصيرة، وأريته بعض المحاولات فأعجب بها، وقال لي ولم لا تنشر؟ فقلت له إني أريد أن أنشر في أخبار الأدب، وطلبت منه أن يصلني بمحمود، قال لي باسمًا إن كل الناس تعرف محمود وبعضهم يراه كل يوم، ولكنى قلت له إني أريد أن يجىء الاتصال عن طريقك أنت وليس غيرك، وقد كان.

وفى القهوة لم يقرأ الورداني القصة أو القصتين اللتين أحضرتهما معي، ولكنه أخذ يسألني أسئلة غريبة، مثلا أين أعيش وماذا أعمل، وأين عشت قبل ذلك في الإسكندرية، ولماذا أبدأ الكتابة وأنا في الأربعين، ثم أخذ الأوراق وذهب، وتركني بخجلي نفسه الذى قابلته به، هل أنا متطفل؟ هل هي نزوة وتنتهى؟ ثم لم يمض أسبوعان حتى كانت القصة منشورة في جريدة أخبار الأدب، وكان أكثر شىء أسعدني ليس نشرها، وإنما رأيه في القصة، فالمعنى هنا ليس مجرد النجاح وإنما هي درجته.

محمود الورداني

 

إذا مدح عملا من أعمالك فأنت مقبول أو جيد، ويحق لك الاستمرار، أما إذا شتمك، وتفنن في الشتيمة، فأنت قد كتبت شيئا بديعا حقا، ولا حاجة لك بعدها إلى قول آخر منه”

 

ومن واقع علاقة الصداقة التي ربطت بيننا طول هذه السنين، فإني أعرف شيئا عن محمود، إذا مدح عملا من أعمالك فأنت مقبول أو جيد، ويحق لك الاستمرار، أما إذا شتمك، وتفنن في الشتيمة، فأنت قد كتبت شيئا بديعا حقا، ولا حاجة لك بعدها إلى قول آخر منه.

بلا معرفة مسبقة

منحنى الورداني الأمل والمعنى عندما نشر لي بلا معرفة سابقة، الأمر الذى قد حدث له هو شخصيًا مع عبد الفتاح الجمل، عندما نشر له أول قصة قصيرة كتبها في جريدة المساء، وذكرها محمود في كتاباته، وحكاها دائما.

الجميل في الموضوع، وهو الأمر الذى يذكره الورداني كثيرا إذا ما تعلق الأمر بصداقتنا، هو أنه لا توجد خلفيات مشتركة بيننا على الإطلاق، ومع ذلك، فإن كلينا يولى هذه الصداقة اهتماما خاصا، ويحرص كل الحرص على استمرارها ورعايتها، وهذا هو المشترك الأعلى الذى يربط بيننا حقا: الإنسانية.

الورداني يسارا بصحبة الراحل مكاوي سعيد ومحمود عبد الوهاب

 

“يمكنك أن تقيس قوة الصداقة بين شخصين إذا ما كفا عن امتداح أعمال بعضهما البعض على طول الخط”

نشأة قاسية

نشأ الورداني نشأة قاسية وبنى نفسه في قصة كفاح صلبة، ونشأت أنا نشأة متوسطة في أسرة من أصحاب الياقات البيضاء، اعترك السياسة منذ شبابه الأول، بينما أنا، وبمجرد أن ربيت ذقني في الجامعة لأسابيع، كنوع من محاولة معرفة الذات، أو اختبار التوجه الفكري، إذا بأبي، وهو الرجل القوى، يقول لي “أبوس ايدك احلق ذقنك” فأفعل ذلك خجلا من جملته، وآمن الورداني بالشيوعية والاشتراكية ولم أر فيهما إلا النظرية المثالية غير القابلة للتحقق، وعندما نتناقش سويا في الأمر، يسمح لي بالهجوم الشامل عليهما، مستمتعا أشد الاستمتاع، ومبتسما طول الوقت. 

يمكنك أن تقيس قوة الصداقة بين شخصين إذا ما كفا عن امتداح أعمال بعضهما البعض على طول الخط، فيقول الورداني لي بكل سهولة إن هذا العمل “وحش” أو إنه أقل جمالا من غيره، أو أن الترميم الكثير الذى بُذل فيه قد جعله بالكاد –آخر الأمر- مقبولا، وأنا أيضا لا تعجبنى بعض أعماله، إن هذا شىء طبيعى، هل من الطبيعى أن نصفق لبعضنا البعض طول الوقت؟ أتكون هذه صداقة أم شللية؟ فى الصداقة الحقيقية يكون فيها التقدير لشخصك وليس لفنك، الصداقة الحقيقية تأتى من التباسط والمزاح، وقيام الفن بأنواعه من على مقعده لكى يفسح المجال للإنسانية أن تتبوأ مقعدها. ولذلك، ففى المرة الأخيرة التى تقابلنا فيها الأسبوع الماضى، قلت له إحدى هواجسى الدائمة عن الكتابة، قلت له ببؤس حقيقى “أنا لا أشعر بأنى روائى، أنا فى الحقيقة قاص”، وعندئذ جاءت له الفرصة ليسخر منى بسعادة وهو يضحك قائلا “ولا قاص حتى”.

الكاتب مع محمود الورداني وعدد من الأصدقاء بعد إحدى الندوات

عن محمود عبد الوهاب

كاتب مصرى له ثمانية أعمال ما بين القصة القصيرة والرواية، بدأ الكتابة منذ عشرين عاما برواية "سيرتها الأولى"، ثم تتالت أعماله، فأصدر مجموعة "كل شىء محتمل فى المساء" عام 2008، مجموعة "على قيد الحياة"، متتالية قصصية "أحلام الفترة الانتقالية" 2013، رواية "العيش فى مكان آخر" 2014، رواية "زيزينيا"، "الأشياء التى فهمتها"، رواية "متقاعد".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *