أحدث الحكايا

د. هيثم الحاج علي يحكي: حكاية أكتوبر التي لم نسردها بعد

كنا نلعب لعبة الحرب

في نهاية السبعينيات حين كان أبناء جيلنا في المرحلة الابتدائية كان من ضمن الألعاب التي نلعبها معا في فترة الفسحة، لعبة الحرب حيث ننقسم إلى فريقين، وبالقرعة يكون أحد الفريقين هو الجيش المصري والآخر هو جيش العدو.

كانت لعبة بلا قواعد تقريبا اللهم إلا بعض الحركات والتنظيمات التي لها علاقة بتخيلنا عن حرب أكتوبر، وهو التخيل الذي انطلق من حكايات كنا نسمع بعضها في برامج التليفزيون مع مشاهد مصورة في تلك البرامج التي تتكرر إذاعتها في أكتوبر من كل عام، تحكي عن بطولات ربما شاهدنا أبطالها الحقيقيين أو زملاءهم الذين يحكون عنهم.

لكن هذه البطولات جميعها كانت بعيدة عن شاشة السينما المصرية في أغلب الأحوال، حيث اختار كُتّاب السينما المصرية أن يكونوا مؤلفين في أغلب الأحوال، وأن لا يعتمدوا في معظم ما كتبوا عن الحرب على قصص حقيقية إلا فيما ندر، فكانت الأفلام السينمائية التي تم إنتاجها في أعقاب الحرب وعنها مجرد قصص اجتماعية أو عاطفية تكون الحرب فيها حدثا اجتماعيا، وربما تكون انفراجة لعقدة القصة.

رفع العلم المصري في أعقاب حرب أكتوبر 1973

أفلام حرب أكتوبر

إن نظرة على أفلام مثل: الرصاصة لا تزال في جيبي، وبدور، وحتى آخر العمر، والعمر لحظة، والوفاء العظيم، وحكايات الغريب، نجد أنها كلها أفلام يمكن تصنيفها أفلاما اجتماعية، يرمز البطل فيها إلى الإنسان المصري المنكسر في ذلك الوقت، والذي تكون الحرب مجرد حل لأزمته العاطفية أو الاجتماعية، أو حتى السياسية.

وقد استأثر محمود يس بثلاثة من الأفلام الستة المنتجة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، جنديا في الرصاصة لا تزال في جيبي، حيث تكون الحرب بالنسبة إليه محاولة للقضاء على الفساد السياسي كما رآه صناع الفيلم، وفي بدور تكون الحرب نقطة التحول لدى الأبطال ليتقاربوا ويتحابوا على المستوى الاجتماعي، وتكون كذلك نقطة التحول في حياة عامل المجاري الذي ينتصر فيعود محبوبا مقربا من الجميع، وفي الوفاء العظيم يجسد شخصية الضابط الذي يحاول الارتباط بابنة غريم والده الذي يرفض هذا الارتباط، لكنه يغير موقفه بعد إصابته في الحرب.

بعض الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر

 

محمود ياسين من فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»

 

وفي العمر لحظة تُجسد ماجدة الصباحي دور الصحفية التي تعاني من فساد زوجها السياسي، والتي تجد في الحرب خروجا من هذه الدائرة، أما في حتى آخر العمر فالقصة تركز على ما بعد إصابة أحد الطيارين في الحرب، ومدى وفاء زوجته له حتى آخر العمر، وفاء يواكب تضحيته.

 

بوستر فيلم «العمر لحظة»

 

فيلم حكايات الغريب

 

وحتى حكايات الغريب الذي يركز على بطولات فدائيي السويس في فترة الحصار، لم يتحرك سوى في الدائرة الرمزية الاجتماعية ذاتها التي تصل في النهاية إلى معاودة البحث عن الإنسان المصري.

عن الحرب في السينما

الرسائل النهائية من هذه الأفلام كلها إذن رسائل اجتماعية وسياسية، لم تركز على البطولات المصرية، ولا العمليات الحربية إلا في بعض المشاهد التي بدت مكررة وفقيرة فنيا في كل هذه الأفلام، مما يدعونا إلى الحكم بأنه لم يتم إنتاج أي فيلم حربي عن حرب أكتوبر، على الرغم من كم البطولات التي يمكن الاعتماد عليها في صناعة مثل تلك الأفلام.

وهو الأمر الذي يدعو إلى السؤال حول سبب عدم إنتاج أفلام تعتمد على قصص أبطال مثل: إبراهيم الرفاعي وإبراهيم عبد التواب وجاد الكريم نصر وعبد العاطي وأحمد حمدي وعاطف السادات وأحمد لطفي هلال، وغيرهم الآلاف، بقصص تركز على عملياتهم الحربية وبطولاتهم الفدائية، قصص حقيقية لا مؤلفة ولا متخيلة بإنتاج يمكنه جذب الشباب لمشاهدة هذه الأفلام واستيعاب كم التضحيات والبطولات التي قاموا بها، بديلا عن قصص متخيلة، فربما أدت الرسالة الاجتماعية في وقتها، لكنها لم تعد تصلح لأداء المهمة التاريخية التي يبادر العدو إليها الآن بإنتاج ضخم.

البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي
البطل الشهيد إبراهيم عبد التواب
جنود المجموعة 39 قتال

 

من حق أولادنا إذن أن يشاهدوا هذه القصص مجسدة على شاشة السينما، ومن حق هؤلاء الأبطال أن يتم تثبيت بطولاتهم في أفلام تعتمد على قصصهم، ومن حق نصر أكتوبر أن يكون جزءا من تاريخنا السينمائي، ولا يظل نصرا بعيدا عن الشاشة.

 

من أبطال حرب أكتوبر
من أبطال حرب أكتوبر
من أبطال حرب أكتوبر
من أبطال حرب أكتوبر

عن د. هيثم الحاج علي

شاعر وناقد، أستاذ مساعد الأدب العربي الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة حلوان. شغل سابقا العديد من المناصب في وزارة الثقافة المصرية مثل: رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، له العديد من الكتب النقدية والإبداعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *