شهرزاد
“ليل وداخل مضيء لمطعم رخيص، خشب منضدة طويلة محمر ومقاعد محيطة؛ الضوء على الأباريق المعدنية الكبيرة في الخلف إلى جهة اليمين. الجدران بألوان فاتحة، والباب بلون أصفر مائل للبرتقالي الباهت في يمين المطبخ. نادل أشقر بسترة وقبعة بيضاء يقف خلف الطاولة. سيدة لها شعر بني، ترتدي بلوزة حمراء وتأكل شطيرة. رجل صقر الليل (صاحب الأنف على شكل المنقار)، يرتدي بدلة داكنة، وقبعة رمادية يلتف حولها شريط أسود، وقميص أزرق، ويحمل بيده سيجارة. شخص آخر يظهر بظهره في جهة اليسار. رصيف الشارع في الخارج بلون أخضر باهت. بيوت القرميد الأحمر الداكن في الجهة المقابلة.”
لوحة مكتوبة
اعتاد الفنان الأمريكي إدوارد هوبر أن يدوّن ملاحظات عن لوحاته في مفكرة شخصية صغيرة يحملها معه دائما، كتفاصيل الألوان وأماكن الضوء والظل في المشهد. وما قرأناه في السطور السابقة هو ما كتبه في وصف لوحته “صقور الليل”، واصفا لوحته التي تصوّر ذلك البار الهادئ الذي يقع في زاوية مظلمة من أحد شوارع وسط المدينة، في ساعة متأخرة من الليل، حيث نرى ثلاثة أشخاص، أحدهم يجلس وحيدا يعطينا ظهره، والآخران رجل وامرأة يجلسان متجاورين أمام النادل.
لوحة “صقور الليل”، هي لوحة زيتية رسمها هوبر عام 1942، وباعها لمعهد الفن في شيكاغو مقابل ثلاث آلاف دولار أمريكي، وقد صنفت فيما بعد بأنها من أفضل الأعمال التي قدمها على مدار حياته، وواحدة من أفضل اللوحات المعروفة لفن القرن العشرين.
ضائعون في لوحة
شخوص اللوحة يظهرون ضائعون في أفكارهم الخاصة، وبعد التساؤلات التي وجهت إلى إدوارد هوبر، نفى تعمده لإظهار معاني العزلة والفراغ في اللوحة، لكن ربما الشعور العام الذي يغلب على أجواء اللوحة يوحي بهذه الأحاسيس، وربما بدون وعي منه، رسم هوبر اللوحة في فترة كان يشعر فيها بالوحدة في مدينة كبيرة.
ملهمة إدوارد هوبر
استوحى إدوارد هوبر شخصيات لوحاته الأنثوية من زوجته جوزفين نيفسون، بما فيها لوحة “صقور الليل”، حيث بعثت رسالة إلى ماريون شقيقة إدوارد تحكي لها عن لوحة شقيقها الجديدة التي انتهى منها للتو، تذكر فيها: “انتهى إد للتو من رسم لوحة رائعة جداً؛ مطعم ليلي وثلاثة أشخاص. صقور الليل سيكون اسماً رائعاً لها. لقد اتخذت أنا وضعية السيدة ليرسم شخصيات اللوحة. لقد عمل عليها قرابة شهر ونصف”.
صقور الليل في الثقافة الشعبية
فرضت اللوحة تواجدا كبيرا في الثقافة الشعبية الأميركية، وانتشرت على نطاق واسع مستخدمة في الملصقات والبطاقات والإعلانات والكتب المصورة والمجلات وغيرها، فعلى سبيل المثال، نفذ الفنان الأمريكي هيلنواين لوحة مستوحاة من “صقور الليل” تحمل اسم “بوليفارد أوف بروكن دريمس” “Boulevard of Broken Dreams”، وظهر في هذه النسخة المطعم وبقية العناصر، ولكن تغيرت الشخصيات، فتحولت إلى ملصق شهير يُستخدم على نطاق واسع في أمريكا، تستبدل الزبائن بشخصيات أخرى مثل الحيوانات، وسانتا كلوز وحيوانات الرنة، وشخصيات مسلسل الرسوم المتحركة “بنوتس”، وغيرها.
