أحدث الحكايا
محمد صلاح وعبد الرحمن الأبنودي

أشرف عبد الشافي يحكي: قصيدة صلاح التي لم يكتبها عبد الرحمن الليفربولي

أنت تتعجب من الجمع بين الأبنودى ومحمد صلاح وليفربول، لأنك لم تعش معى تلك الحوارات التى أجريتها مع الشاعر الكبير، فبينما كان الفتى المصرى يوقع لفريق ليفربول 2017، وبينما كانت الكاميرات تلتقط الصور، قفز الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى إلى رأسى وترحمتُ عليه كثيراً، فقد رحل قبل تلك اللحظة بعامين، وتمنيتُ لو كان حاضراً ليشاهد حلماً وخيالاً كان يراوده، إذ كان الخال من عشاق (ليفربول) ومن كبار مشجعيه منتصف سبعينات القرن الماضى ولا شك عندى أنه كان سيكتب قصيدة عن الفرعون المصرى الجديد محمد صلاح لو أنه عاش لتلك اللحظة المبهرة.

من لعبة إلى ثقافة شعوب

وتعجبت من الأقدار ومن كرة القدم التى أنزلت الشعر والشعراء من سماوات الخيال والتحليق إلى المستطيل الأخضر لتتحول اللعبة الأشهر فى العالم إلى ثقافة شعوب وتصبح قدم اللاعب بصمة على حضارة وعراقة بلاد.

“.. أنا كنت ليفربولى من الدرجة الأولى.” 

هكذا بدأ الخال حديثه عن كرة القدم التى كنت أجهز كتابا عن علاقتها بالمثقفين، وذهبت إليه خصيصا لأحصل على كلمتين أو ثلاثة، لكنه تدفق وهو يحكى علاقته مع النادى الإنجليزى: “الفريق ده كان مجرم وهو اللى خلانى أحب الكورة الإنجليزية، بس فجأة اتدهور حال ليفربول بعد كارثة الملعب الشهيرة بتاعتهم، وكانت الكورة الإسبانية بدأت تظهر وتلعلع والواحد اتعلم من يومها إن الكورة متعة وإنك مش ممكن تحس بالمتعة دى وأنت متحيز بكامل حواسك لفريق معين أو نادى محدد”.

وهذه الفقرة التى قالها كأنما يقرأ قصيدة جعلتنى أغرق فى خجلى فأنا لا أعرف شيئا عن كارثة الملعب هذه، كما أننى متحيز لفريق الزمالك، وبينما أنا سارح جاءنى صوته كأنما يرد بصفعة قوية: “أنا عن نفسى كنت بحب الإسماعيلى وكان معظم نجوم الفريق أبو جريشة وعبد الرزاق وكتير منهم أصدقائى وأحبابى، لكن فى نفس الوقت ما أقدرش ما أحبش الأهلى عشان محمود الخطيب، الخطيب ده موهوب موهبة فريدة ومؤدب، وهو حالياً من أصدقائى المقربين وبيزورنى كتير”.

 

“كان الخال من عشاق (ليفربول) ومن كبار مشجعيه منتصف سبعينات القرن الماضى ولا شك عندى أنه كان سيكتب قصيدة عن الفرعون المصرى الجديد محمد صلاح لو أنه عاش لتلك اللحظة المبهرة”

 

ورأى الأبنودى الزمالكاوى الذى بداخلى فضحك عاليا” “ما تزعلش أنا زمالكاوى برضه وبحب حسن شحاتة وكان صاحبى برضه”.

ودار الحوار بتلك الخفة وهو يشرح كيف صنع أبناء الطبقة المتوسطة من هذا الجيل كل هذه البهجة فى كرة القدم أو فى السينما أو الغناء: “يعنى تلاقى الخطيب ونور الشريف وعادل إمام وعلى أبو جريشة وحسن شحاتة وغيرهم كتير عاشوا فى ذاكرة الناس”. 

محمود درويش.. الشاعر النرجسي

وجاءت سيرة محمود درويش الذى كتب قصيدة عن مارادونا والذى يعلق له الأبنودى صورة تجمعهما تطل علينا، ولم يتوقف الأبنودى عن مفاجأته وهو يرى أن (ميسى) أكثر موهبة من مارادونا: “اللاعب ده معجزة لأنه بيعتمد على موهبته بس، لا يملك خبث ومكر ودهاء “ماردونا”! وعنده استعداد يبقى صانع ألعاب بس، لكن المجرم “مارادونا” ده بيحب نفسه”.

عبد الرحمن الأبنودي ومحمود درويش

 

يضحك الخال وهو ينظر إلى صورة درويش المعلقة على الحائط كأنه اكتشف رابطا بين اللاعب الأرجنتينى الأشهر فى تاريخ كرة القدم وبين واحد من أكبر شعراء العالم العربى هو الشاعر الكبير محمود درويش: “درويش خبيث فى القصيدة أيضا، تجدها غارقة فى الحب والرومانسية وهى وجع فى قلب الوطن!، تلاقيها بريئة ومسالمة وهى طعنة فى صدر الحكام، و”ماردونا” خبيث فى الملعب بيجيب أجوان بإيده ويجنن الحكام والمنافسين!، وإذا كان “ماردونا “بيحب نفسه، فكل الشعراء نرجسيون ويعشقون ذواتهم وكان درويش شاعرا كبيراً ونرجسياً أيضاً”.

كانت صداقة كبيرة تجمع بين الخال ودرويش

 

أذكر يومها أننى أنهيت الحوار مع شاعرنا الكبير وجلست صامتاً مندهشاً غير مصدق أن “الخال” يمتلك كل هذه المعرفة بالكرة وبنجومها، واكتشفت جهلى بكارثة الملعب التى أوردها فى سياق حديثه عن تدهور ليفربول، وجلست مثل تلميذ خائب أمام محرك البحث “جوجل” وكتبت (كارثة ـ ليفربول ـ الثمانينيات) وتدفقت المعلومات، وترحمت على صاحب السيرة الهلالية الذى منحنى ما لم يخطر على بالى، فمن يصدق أن صاحب (جوابات حراجى القط العامل فى السد العالى لزوجته فاطمة عبد الغفار)، والذى عاش جراح النكسة فى عدى النهار، وراهن على الأمل وهو يحلف بسماها وبترابها، هو نفسه الذى يحدثنى الآن عن كرة القدم وليفربول!

 

ودار الحوار بتلك الخفة وهو يشرح كيف صنع أبناء الطبقة المتوسطة من هذا الجيل كل هذه البهجة فى كرة القدم أو فى السينما أو الغناء: “يعنى تلاقى الخطيب ونور الشريف وعادل إمام وعلى أبو جريشة وحسن شحاتة وغيرهم كتير عاشوا فى ذاكرة الناس”. 

 

رحم الله الأبنودى الذى سيظل حياً فى وجداننا، والشكر للفتى المصرى الموهوب محمد صلاح الذى كان سيضيف إلى أمجاده ـالتى مازال يصنعها يوما وراء آخرـ قصيدة من الأبنودى أظنها كانت ستُكتب لو شاهد شاعرنا هذا الولد يعانق المجد القديم ويحقق لأكبر شاعر فى مصر أمنيةً كانت هى المستحيل نفسه.

 

الأبنودي وأشرف عبد الشافي

عن أشرف عبد الشافي

روائي وكاتب صحفي بمؤسسة الأهرام، له العديد من الكتب الأدبية والصحفية مثل: روايات (ودع هواك، أصابع حبيبتى، توأم الشعلة)، ومجموعة قصصية (منظر جانبى)، وكتب: (المثقفون وكرة القدم، صلاة الجمعة، البغاء الصحفى، فودكا، يا جميل يا اللى هنا، أن تحب فى العشرين).

تعليق واحد

  1. مقال متميز وسرد أنيق ومعلومات حلوة كل التحية للموقع وللكاتب الجميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *