هل تخيلت يوما أنك أتيت تشكو لصديقك من عدم حصولك على فرصة عمل بسبب غياب الواسطة أو عدم حصولك على حقك في مسارك الوظيفي بسبب ظلم تتعرض له؟
فيرجع صديقك كرسيه إلى الوراء آخذًا وضعية الخبير ليقول لك: إن عليك أن تتخذ أحد المسارين؛ إما مسار رفاق ستيف بارتمان أو مسار كيري ستراج!
ربما ستتخيل وقتها أنه يحدثك عن أدباء أو رواد اعمال.
ولكن ماذا لو علمت أن أحدهما مجرد مشجع بيسبول يرتدي قبعة وكل ما فعله هو أن مد يده ليجدها أمسكت الجحيم، والأخرى مجرد فتاة وقت قصتها كانت في الثامنة عشر من عمرها.
مشكلة صديقك أن القصص التي يبحث فيها عن الحل هي قصص رياضية، ولكن من يدري ربما تجد في أحدها الحل بالفعل في مواجهة الظلم والمعوقات.
ورغم أن الملاعب الرياضية محكومة بالقوانين إلا أن هامش التقدير الكبير يصنع جدارا كبيرا من الشك، جدار يكون أحيانا سجنا لأحلام العدالة والتنافس الشريف.
وفي مواجهة الجدار يحاول البعض الالتفاف ويحاول آخرون ثقب الجدار، وأحيانا يستسلم البقية ويستخدمونه مكانا لتعليق الشماعات، بل وإن لم يجد البعض الجدار لاخترعوه.
الحديث عن المعوقات المقصودة والتلاعب بالعدالة شائك للغاية، وكالعادة يحمل الكثير من وجهات النظر والظنون، فالتلاعب يحدث أحيانا بالميل والانحياز وهي أمور لا تستطيع أن تمسك في يدك دليلا ملموسا عليها.
لذا دعنا هنا بصفتي صديقك -الذي لا يعرف إلا الحكايات الرياضية- نذهب إلى حكايات عن معوقات ساقها القدر. ونرى التباين الشديد في مواجهتها بين نهج استسلم لها بل واستخدمها ككبش فداء، وبين نهج آخر تحداها وقاومها.
سنذهب إلى أرض الأحلام الولايات المتحدة الأمريكية لنحكي حكايتين على طرفي النقيض. وعليك أن تختار حكايتك المفضلة.
1- ستيف بارتمان.. الإمساك بالجحيم
الحكاية الأولى من عالم البيسبول وهي حكاية عمن اختاروا الطريق السهل والبحث عن عصا موسى التي يُلقي بها، فتلتهم كل حيات الأخطاء الأخرى.
تطير بنا الحكاية إلى شيكاغو وفريق “شيكاغو كابز” لكرة المضرب، أو ما يعرف بلعبة البيسبول، ولأن اللعبة بعيدة عنا فسنشرح بعض التفاصيل.
العام 2003 حيث يواجه الكابز فريق فلوريدا مارلينز في اللقاء السادس من سلسلة اللقاءات السبعة يفوز بالسلسلة الفريق الذي يحقق أربعة انتصارات، والكابز متقدم في السلسة 3-2 ويحتاج إلى الانتصار في ملعبه في شيكاغو ليحسم السلسلة ولقب البطولة الوطنية ليتأهل إلى السلسلة العالمية النهائية، في إنجاز يبحث عنه الفريق منذ 58 عاما كاملة.
كان فريق الكابز يسير بشكل جيد في اللقاء وله أفضلية كبيرة تشبه في ثقافتنا فريق كرة قدم يتقدم 3-0، وما يزيد الشعر بيتا أن في قوانين لعبة البيسبول نقاطا حاسمة تنهي اللقاء مبكرا عند الوصول إليها وفي أحد تلك النقاط يجري لاعب الكابز لالتقاط الكرة قبل خروجها من الملعب.
الكرة كانت شديدة اللؤم فهي في نظر اللاعب اللاهث خلفها تبدو قريبة من الملعب والتقاطه لها يعني حسم اللقاء ولكنها أيضا تبدو بعيدة وخروجها من الملعب يعني نقطة للضيوف.
يحاول المشجعون أحيانا في الكرات الشائكة الخارجة من الملعب التقاط الكرات حتى يحتسبها الحكم كرة معادة لتدخل المشجعين عند ظنهم استحالة لحاق لاعب فريقهم للكرة.
وحيث يجلس ستيف بارتمان مشجع الكابز المخلص في الصف الأمامي الأول مرتديا سماعاته فلا يسمع صيحات زملاؤه الذين يطالبونه بترك الكرة للاعب فريقه.
يمد ستيف بارتمان يده ليلتقط الكرة أو ليلتقط الجحيم كما تم وصفه في الفيلم الوثائقي عن الواقعة. فيد ستيف بارتمان كما أظهرت الإعادة منعت لاعب فريقه الذي كان يبدو أنه باستطاعته الإمساك بالكرة والحكم لم يحتسب الكرة تدخلا للمشجعين، ليتمكن الفريق المنافس من كسب أول نقاطه في اللقاء الذي كانوا في الطريق لخسارته.
تجاهل الأخطاء
ويغالي الجميع في ردة الفعل على ستيف بارتمان بعد أن ركزت عليه كاميرات النقل التلفزيوني ويتدخل أمن الملعب ويطالبه بالخروج من الملعب.
لم يعد ينتبه أحد إلى كم الأخطاء المرتكبة من لاعبي فريق الكابز لدرجة أن النقطة التالية كانت قمة في السهولة للاعب الفريق أليكس جونزالز ربما تشبه في كرة القدم تسديدة قريبة والمرمي خالي، لكن اليكس أهدر النقطة الثانية السهلة جدا.
لتنقلب السلسلة بعدها رأسا على عقب ليتمكن المارلينز من إحراز ثماني نقاط متتالية ليحسموا اللقاء السادس ويعادلوا النتيجة 3-3 في سلسلة المباريات ويخسر الكابز اللقاء السابع ويودع حلما مؤجلا من 58 عاما.
القليلون يتذكرون خطأ أليكس جونزالز نجم الفريق رغم أنه خطأ كارثي، لكن الكاميرا والإعلام كانا قد اختارا قصتهما المثيرة المفضلة عن ستيف بارتمان.
فأخطاء اللاعبين حتى وإن كانت فادحة قصة مكررة، أما قصة ستيف بارتمان فكانت قصة جديدة مثيرة عن مشجع الفريق الذي قلب السلسلة ضد فريقه.
حمى الإعلام أثرت في مشجعي الفريق وتحولت كل سكاكين الذبح إلى كبش الفداء الجاهز بعيدا عن إخفاق اللاعبين المحترفين، لدرجة أن بعض المهاويس وقتها خرجوا بلافتات تحث على العنف بالدرجة القصوى ضد زميلهم ستيف بارتمان.
مقطع فيديو يوضح اللقطة المقصودة
2- كيري ستراج الهبوط على قدم واحدة
حكايتنا الثانية هي النقيض تماما وتأتي إلينا من عالم الجمباز. كيري ستراج كانت ضمن فريق جديد تم تكوينه في الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء احتكار الاتحاد السوفييتي ووريثه الروسي وفرق الكتلة الشرقية لميداليات لعبة الجمباز فئة السيدات. الفريق حقق البرونزية في برشلونة 92، وكان الموعد مع الحدث الكبير في أتلانتا 96 في الولايات المتحدة الأمريكية ووسط جمهورهم.
التركيز كبير من أجل الميدالية المهمة، ويتم اختيار القيادة الفنية للثنائي الروماني الشهير الذي أشرف على تدريب أسطورة الجمباز ناديا كومانتشي، لكي يشرف على تدريب الفريق الأمريكي بكل ما عرف عن الثنائي الروماني (الزوج والزوجة) من صرامة في التدريب.
قدم الفريق الأمريكي أداء مبهرا اقترب به من الحلم ويصبح المطلوب أن تحقق إحدى لاعباته درجة عالية لكي يضمن الفريق الذهب. تدخل زميلة كيري ولكن بسبب الضغط الكبير وسوء الحظ تسقط لتتجه أنظار العالم وضغطه إلى بطلة الحكاية كيري ستراج.
تفشل كيري ستراج في أول محاولة، ويزداد الطين بلة بإصابتها في الكاحل.
الحلم ينتهي فعليا، فالجمباز من الألعاب التي تطلب أن يكون الرياضي في كامل جاهزيته، فهي ألعاب تبحث عن الكمال ويراقب الحكام كل لفتة وحركة بحثا عن الجمال والتوازن. وهي في حالة كاحل كيري المصاب أشبه بالسراب.
لكن كيري تتقدم لمحاولة أخرى، وتخطط للهبوط بعد القفز على القدم الواحدة السليمة.
وبأداء إعجازي عانقت كيري المستحيل وأدت حركتها كأفضل ما يكون وهبطت باتزان على قدمها الواحدة، لتختلط دموع الألم بالفرح ويحقق الفريق الأمريكي بسبب قفزة كيري ستراج الميدالية الذهبية الحلم.
ويخلد التاريخ كيري ستراج رغم العديد من الفائزين بالميداليات الذهبية لكن ليس كل الذهب سواء، وذهب كيري ستراج كان حكاية خُلقت لتُخلد.
وخرجت إلينا القصة بالعنوان الذي تستحقه “إن الألم مؤقت بينما الفخر يبقى للأبد”.
فيديو يوضح قفزة كيري الإعجازية
هل يستطيع المقاومون دائما القفز على قدم واحدة؟
سريعا علينا أن نغادر الولايات المتحدة الأمريكية لنتشابك مع الواقع في المحروسة، حيث يبقى السؤال الملح في ظل عدم شفافية التنافس الرياضي وعدم عدالة الفرص المتاحة للجميع هل يستطيع المقاومون دائما القفز على قدم واحدة؟ أم أن مطالبتنا لهم بإهمال كل المعوقات والظروف المحيطة هو نوع آخر من الاستسهال الذي نطالبهم بالابتعاد عنه؟
ونحن نطالبهم بالابتعاد عن البحث عن ستيف بارتمان يعلقون عليه كل أخطائهم، هل نقوم نحن بتحويلهم إلى ستيف بارتمان آخر ونعلق عليهم أخطاءهم واخطاء المناخ السام الذي يخنق أسس العدالة؟
مبدع .. كما عهدناك
شكرا جدا يا شريف
دائما رائع دكتور محمد خليفة
كيري استراج = دوري ٢٢/٢١ و اللي عمله فيريرا في مرحلة عدم القيد
هو مرتبط معايا بذكريات اخر دورين للزمالك فعلا
ياسلام عليك يادكتور وعلى جمالك روعة
حبيبي يا احمد شكرا
جميلة كعادتك يا د. خليفة
شكرا جدا يا احمد ❤️
ستيف بارتمان هو زيزو بتاع نهائى القرن و جونزاليس هو مصطفى محمد
تعليق ذكي جدا بس ممكن نقول القايم بان ما حدش بيلوم زيزو وفعلا الكل نسي ان مصطفي كان يقدر يخلص بسهولة
ممتع كالعاده يادكتور، في انتظار المزيد
شكرا جدا يا محمد ❤️
مبدع كالعاده يا دكتور , بس حسيت وانا بقرأ ان في الباك جراوند وانت بتكتب الاتنين دوري اللي خدناهم في الاخر دول
هو الزمالك مش بيروح من البال ابدا
ممكن يكون القصد دائما ان اه مع الاعتراف بكل المعوقات الموجودة بس انت دائما مطالب تعمل الجزء اللي عليك الاول وبعدين حتي لو ما نجحتش يبقي علي الاقل واضح للكل ان عدم النجاح بسبب المعوقات دي مش انك بنفسك تحاصر نفسك جوة سجن الاعذار لدرجة الاستسلام
مقال قوي، صورة بارزة ممتازة، ترويسات نموذجية، لغة صحيحة وبلاغة واضحة في عدم وضع (أَمْ) مع هل، وهو خطأ شائع يقع فيه أكبر الكتاب، لكنك كنت مُبدعاً، وإجابةً على سؤالك أقول “يستطيع المقاومون دائماً القفز على قدم واحدة” وأقرأ الكلمات وأمام عيني نموذج نادي الزمالك وأنت أدرى به مني لثقافتك الواسعة، فكم جاد الرقص دون أقدام، قدمه الوحيدة كانت أهازيج جماهيره الأوفياء، شكراً لك على مقالك الجميل والمختلف، شكراً دكتور محمد خليفة
جزء كبير جدا من الاشادة في تعليقك عن اخراج المقال يرجع الفضل فيها لاسرة تحرير شهرزاد اللي اخرجوا المقال في صورة اضافت ليه الكتير
فحبيت اوضح ان الشكر مستحق ليهم اكتر من شخصي ككاتب للموضوع
وبشكرك جدا علي الوقت اللي اديته ليا من القراءة والتعليق الجميل جدا ❤️
على الزمالك دائما القفز على رجل واحدة
حقيقة والله يا ماجد