عاد الكثير من نقاد السبعينيات وراجعوا مواقفهم من “زوزو”، ومن صانعه حسن الإمام، ليشهد عقد التسعينيات وما تلاه اعترافًا متأخرًا بموهبة الإمام وقدرته الواضحة على خلق عالم سينمائي خاص، له ملامحه التي يسهل تمييزها، ومذاقه الذي قد يُعجبك أولا يُعجبك، لكن لا يمكنك إلا الاعتراف بوجوده، كما لا يمكن لمن ينظر إلى ماضي السينما المصرية إلا أن يعترف بأن مخرجين آخرين حاولوا تقليد أسلوب الإمام معتقدين في سهولته، لتكشف النتائج عن كونه عصيًا على التقليد، فهو “السهل الممتنع” كما يقول المصطلح الذي استُهلك كثيرًا حتى فقد معناه.
أذكر هنا ما رواه الناقد الكبير كمال رمزي أكثر من مرة، عن النقاد السوفيتيين الذين أدهشهم “خللي بالك من زوزو”، وفاجأوا أقرانهم المصريين الذين كانوا يعتقدون أن آراءهم فيه ستكون سلبية، فوجدوه فيلمًا مهمًا عن الحراك الطبقي، وقدرة شابة من جذور متواضعة أن تنجح رغم مصاعب الأحكام الطبقية عليها.
دهشة كمال رمزي لا تختلف عمّا رواه المخرج الكبير يسري نصرالله لنا قبل عرض زاوية، بأنه شاهد الفيلم مع زملائه في جامعة القاهرة، فكانوا ساخطين عليه باعتباره عملًا يسيء لجامعتهم ويقدمها بشكل سيئ، قبل أن يعيد اكتشاف الفيلم ويعترف بأن النسخة الكاريكاتورية التي قدمها الفيلم للجامعة تحمل من المتعة أكثر بكثير مما تحمله من إساءة.
لو وضعنا قائمة بخمسة أفلام شاهدها في الأغلب القطاع الأعرض من المصريين، فسيكون “زوزو” بالتأكيد من بينها. يشير ذلك إلى القدرة النادرة على التسلسل إلى الوجدان العام، على أن تتحول كافة تفاصيل الفيلم إلى مكوّنات في الوعي المصري –والعربي ربما– أي تصير ميمات memes في الجينوم الثقافي لنا، حسب تعريف ريتشارد دوكنز للميم كنظير ثقافي للجين gene، وليس حسب المعنى المعاصر كنكتة مرئية واسعة التداول.
فاز الفيلم في تحدي الزمن، وبعدما راهن بعض النقاد على كون نجاحه لحظيًا سريعًا ما سيخفت، ظلت “زوزو” تمتع من يشاهدها حتى يومنا هذا.
ويمكنكم قراءة الجزء الأول من هذا المقال عبر الرابط التالي 👇🏻
زوزو ألمظيّة.. أشهر نساء السينما المصرية