ذكر ريكاردو بيجليا في العديد من المقابلات أن ليف تالستوي هو أول كاتب أناركي بالمعنى الحديث، ويعتبر تيد كاتشينسكي الملقب بـ”المفجر” في رواية “الطريق إلى إيدا” بمثابة تجسيد لصورة الزاهد وفق مفهوم تالستوي، والذي رفض العالم الصناعي برمته وهجره إلى الغابة للعيش زاهدًا في معزل عن الناس.
إنه صدى واضح لصورة ثوري تجاهل المجتمع كي يجعله صغيرًا، وامتنع عن مواجهته كي لا يؤيد وجوده. وهو على هذا النحو صار التمثيل المباشر للنموذج المثالي للثوري الأناركي عند ليف تالستوي.
هو الإنسان الذي سعى للصفاء من خلال العزلة، لكن الإيديولوجيا استهلكته.
هنا يمكننا رصد محور هام للغاية في علاقة بيجليا بليف تالستوي، حيث إن ريكاردو تعامل مع الأدب بنفس الطريقة التي تعامل بها تالستوي مع الأخلاق، أي بصفته مجالًا للتجريب.
فلا يمكن أن تخطئ العين أو تتجاوز الأذن تلك المناقشات التي أجراها الراوي عن هنري جيمس أو تالستوي والأناركية، في نقطة انصهر فيها الأدب مع التأملات الفلسفية العميقة.
ولا أعتقد أن الصدفة هي من دفعت إيدا القتيلة إلى الكتابة عن جوزيف كونراد والعنف السياسي، حيث تبنّى الكاتبان بيجليا وإيدا ذات التساؤلات الأخلاقية التي أرّقت تالستوي.
يؤكد ريكاردو بيجليا أن الثورات جميعها تبدأ من اللغة، تحديدًا في تلك الكلمات التي لا يمكن أن تُقال دون مخاطرة، وهي الحالة ذاتها التي مثّلتها أعمال ليف تالستوي ذات اللغة التي تفوح منها رائحة الخطورة.
دار بيجليا في نفس دائرة الثنائية الجدلية بين الفكرة والفعل، والضغط العنيف الناجم عن الصراع الروحي، فضلًا عن الطاقة المدمّرة التي يصنعها العنف والعنف المضاد، والفلسفة القائمة على تجفيف منابع الدم التي يتغذى عليها العنف ويكبر، ومحاربة الثورة القائمة على العنف لأنها لا تفعل شيئًا سوى أنها تؤكد شرعية السلطة التي صارت بلا شرعية في اللحظة التي تحولت فيها من حماية الناس وتوفير الأمان لهم إلى استخدام القوة المفرطة في قهر إرادتهم وتركيعهم أمامها.
إيميليو رينزي يشبه أبطال تالستوي: إيليتش ونيخلودوف، وهو يعاني من التمزق بين مواءمات الحياة الحديثة والتأملات الأخلاقية. الجميع في حالة بحث عن برّ أمان.