أحدث الحكايا

أسماء إبراهيم تحكي عن ماسبيرو (4): باستوديوهات تتسع لدخول فيل.. ماسبيرو رهن الإشارة

نحن الآن في شهر يوليو من العام 1960، تفصلنا أيام على بدء الإرسال الرسمي للتليفزيون العربي حيث الاستعدادات تتم على قدم وساق وتتكاتف كل مؤسسات الدولة لإظهار هذا المولود للنور، فتكتب الصحف عن “وحدة دراسة التليفزيون” المزمع تدشينها في المركز القومي للبحوث بحيث يتدرب فيها المهندسون والفنيون على أعمال هندسة التليفزيون، مؤكدين أنها ستقبل خريجي كليات الهندسة والعلوم وقسم التصوير السينمائي بكليات الفنون.

تليفزيون وليد

بـدأ ماسبيرو في الوقت نفسه استقبال “بعثات الجودة والتوجيه” التي كانت يتم إرسالها للتليفزيونات الأعـرق والأقـدم مقارنة بتليفزيوننا الوليد. لم تكن الاجتماعات لتتوقف أو للبروفات لتنتهي. كل يوم كانت تجتمع عدة لجان لاختيار الأفلام القصيرة التي ستُعرض في التليفزيون. مع التشديد على ألا يتم اختيار الأفلام الهزيلة بل اختيار الأفلام ذات الجودة والمثيرة والمليئة بالمغامرات. وتحمل لنا الصحف المصرية أنباء اجتياز موظفي التليفزيون دراساتهم التدريبية المكثفة كل 3 أسابيع.

تكرر مصطلح “المصدر المسئول” في كل التحقيقات والأخبار المتعلقة بالتليفزيون، وفيها يُـصرح هذا المصدر بأن اللمسات الأخيرة لاستوديوهات التليفزيون تجرى تمهيدا لافتتاحه يوم 21 يوليو 1960.

أما خارج ماسبيرو فقد انتقلت الكاميرات المحمولة والإذاعات الخارجية لتسجيل عدة احتفالات في مناسبات مختلفة مثل الاحتفال ببدء بناء السد العالي وزيارة الرئيس جمال عبد الناصر لبورسعيد في احتفالات النصر. وذلك لإذاعتها بعد انطلاق البث التليفزيوني.

فترتان تجريبيتان للإرسال

كانت هناك فترتان للإرسال؛ الأولى من 10 صباحا وحتى 1 ظهرا، والثانية من 5 عصرا إلى 8 مساءً، حيث أمكن استقبال البث التليفزيوني في المنازل قبل يوم الإطلاق الرسمي خلال تلك الأوقات. وكانت المادة المذاعة هي صور ولقطات للنيل والمناطق المفتوحة كالأهرام وأبو الهول والقلعة والكورنيش، وعرضٍ للوحات قديمة لوادي النيل وبعض الآثـار.. مع اقتراح ببث بعض المشاهد من التمثيليات والبرامج التي تم تصويرها.

صورة من احد برامج الاطفال عقب افتتاح التلفزيون المصري و بداية البث لاول مرة في مطلع الستينيات

بروفات قبل التدشين

كانت النشرات الإخبارية يتم إعدادها والتدريب عليها بشكل كامل استعدادا للانطلاق، وكذلك كان يتم تسجيل برامج وندوات على سبيل التدريب، وفي يوم 18 يوليو 1960 استضاف ماسبيرو كل من د. يحي عويس ود. لبيب شقير ود. حسين خلاف لتسجيل ندوة عن “مفهوم الاشتراكية”، وقدمها الإذاعي أحمد فرّاج وأخرجتها تماضر توفيق.

في حين وجَّـه د. عبد القادر حاتم مؤسس التليفزيون الدعوة إلى أعضاء لجنة التوجيه القومي لمشاهدة أول تجربة للتليفزيون العربي، ليصل إلى مبنى ماسبيرو في صباح يوم 13 يوليو 1960 أكثر من 80 عضوا من اللجنة. وشاهد الأعضاء كيف تذاع نشرة الأخبار، كما شاهدوا أول نشرة للأخبار أذاعها التليفزيون. وطلب الأعضاء أن يشاهدوا كيف يتم الإرسال على الهواء، وعلى الفور توجهت عدسات الكاميرا من خلال نوافذ المبنى لتصوير مسطح جمعية الرفق بالحيوان وفي الوقت نفسه كانت المناظر تعرض على شاشة التليفزيون بالاستوديو. وشاهدوا أيضا كيف تنقل عربة التليفزيون المتنقلة المناظر من مناطق بعيدة. وشاهدوا تجربة كان التصوير يتم فيها في الجزيرة حيث تعرض فرقة الانزلاق على الجليد الأمريكية تجارب أدائها هناك.

الفيل في الاستوديو

تتناول الأنباء إعدادات استوديوهات ماسبيرو الضخمة، فتكتب جريدة “الأهرام” عن أكبر استوديوهات ماسبيرو وتذكر أن الاستوديو يتسع لــ 9 مناظر تكوّن 3 تمثيليات يتم تصويرها في وقت واحد. وتذكر والعُـهدة حينها على م. صلاح عامر مدير التخطيط أن الاستوديو صُـمم بحيث يتسع أيضا لالتقاط مشهد من مشاهد السيرك. وأبوابه تسمح بدخول أكبر حيوان وهو الفيل. وقد ثبت أن الاستوديو ذا المساحة الكبيرة يساعد على اتقان الإخـراج واستخدام مناظر متعددة إلى جانب إمكان التقاط الصور التي تذاع بطريقة سريعة وبإتقان كامل. أمـا زيادة الارتفاع في الاستوديو فإنها تُـيسِّـر حسن توزيع الإضاءة وسرعة التهوية بما يجعل جو الاستوديو الضوئي أو تكييف الهواء داخله أكثر ملاءمة للتصوير، كما أن الاستديوهات الكبيرة تسمح بإقامة أكبر المناظر والديكورات المتعلقة بإخراج أي موضوع بل تسمح بدخول سيارة أو حتى فيل إذا ما حاولنا إعطاء الجماهير مشهدا من حدائق الحيوان.

 

طريقة تصميم الاستوديوهات

وقال م. صلاح عامر إن التخطيط النهائي لهذه الاستوديوهات يقضي بأن يستخدم استوديوهان كبيران للإخراج تبلغ مساحة كل منهما 450 مترا مربعا، وهي مساحة تُـعتبر كبيرة بالنسبة لمساحة الاستوديوهات العادية في عالم التليفزيون. وتحدث عن الأسباب التي دعت إلى أن تكون هذه الاستوديوهات كبيرة المساحة عالية الارتفاع فقال إن تصميم استوديوهات التليفزيون في الجمهورية العربية المتحدة قد أخـذ في الاعتبار نتائج العمل في الاستوديوهات الحالية لإذاعات التليفزيونات الأخرى.

وقد امتد نطاق الإرسال للقاهرة وضواحيها والبلدان والقرى التي تقع في دائرة قطرها 70 ميلا هي مركزها. ووفق عبد الحميد يونس مدير التليفزيون فقد تم تعيين 20 جهازا لمراقبة ومتابعة برامج التليفزيون تم تركيبها، حيث خُصصت هذه الأجهزة في متابعة البرامج من النواحي الهندسية والإخـراج والتمثيل على أن يعد المختصون في هذه النواحي تقارير يمكن الاستفادة بها في توجيه الكفاءات الفنية في التليفزيون.

عن أسماء إبراهيم

مخرجة وكاتبة سيناريو وباحثة سينمائية. أنجزت أفلاما تسجيلية للتليفزيون المصري ونال بعضها الجوائز. كما قامت بالإنتاج المستقل لفيلمها الأحدث الذي شارك في عدة مهرجانات دولية. مُـحاضِرة ومُـدرِّبة في معاهد وكليات الإعلام. وحاصلة على درجة الماجستير في النقد التلفزيوني من أكاديمية الفنون. لديها اهتمام بالتراث والعمارة ونشرت بالعديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *