أحدث الحكايا

أحمد شوقي يحكي: أزمة “باربي”.. كيف صارت 8 ترشيحات للأوسكار خسارة تستحق الغضب؟

“جريتا ومارجو.. يُمكن أن يكون من المؤلم أن تربحا شباك التذاكر ولا تعودان للبيت بالتمثال الذهبي، لكن ملايين المعجبين يحبونكما. كلاكما أكبر بكثير من كينوف Kenough.”
#HillaryBarbie

التغريدة السابقة لم تكتبها فتاة مراهقة حزنت لأن فيلمها المفضل “باربي” اكتفى بالترشح لثماني جوائز أوسكار فقط ليس من بينها أحسن مخرجة وأحسن ممثلة، ولكنها السيدة هيلاري كلينتون بنفسها، السيناتور التي كانت قاب قوسين أو أدنى من رئاسة أكبر دولة في العالم. هي نفسها من دشنت هاشتاج #HillaryBarbie في نهاية التغريدة.

تغريدة هيلاري كلينتون

 

من ناحية، يُمكن بالتأكيد أن ننظر لما كتبته كلينتون بشكل إيجابي، من منطلق تمكن فيلم من تحقيق هذا التأثير لدرجة دفع شخصية سياسية بهذا البروز لأن تهتم بمواساة صنّاعه لعدم تحقيقهم العلامة الكاملة بالترشح لكافة فئات الأوسكار. لكن التغريدة تعكس في الوقت نفسه وضعًا غريبًا صار من المحتم على محبي السينما أن يعايشوه ويتعاملوا مع إفرازاته المتباينة، التي تتباين في قيمتها ومحتواها، وتتشابه في تعاملها مع السينما كأداة يجب استخدامها في معارك اجتماعية وثقافية بغض النظر عن المعايير الفنية.

كيف ترشحت هذه الفرنسية؟

على الأقل، حافظت كلينتون على دعمها لفريق فيلمها المفضل دون أن تنزلق لما فعله الموقع السينمائي والترفيهي الأمريكي الرائد “إيندي واير IndieWire” الذي نشر فور إعلان الترشيحات مقالًا عجيبًا عنوانه “صدمة أوسكار 2024: جريتا جيرويج ليست مرشحة لأحسن مخرج، لكن جوستين تريه مرشحة”!

مقال إيندي واير

 

هكذا ببساطة يقوم موقع له قيمته بإهانة مخرجة نالت للتوّ واحدًا من أكبر التقديرات في حياتها بالترشح للأوسكار، بعدما نال فيلمها “تشريح سقوط” الصيف الماضي السعفة الذهبية لمهرجان كان، لتكون ثالث امرأة في التاريخ تحقق هذا الشرف بعد جاين كامبيون وجوليا دوكورنو. لكن محررة إيندي واير لم تجد غضاضة في التعامل مع ترشيح جوستين تريه باعتباره “صدمة”، فقط لأن جيرويج لم تنله.

CANNES, FRANCE – MAY 27: Justine Triet poses with The Palme D’Or Award for ‘Anatomy of a Fall’ during the Palme D’Or winners photocall at the 76th annual Cannes film festival at Palais des Festivals on May 27, 2023 in Cannes, France. (Photo by Stephane Cardinale – Corbis/Corbis via Getty Images)

 

لو نحينا المركزية الأمريكية الواضحة التي تتجاهل وجود كل من هو غير أمريكي، سنجد الغريب أن متن الموضوع نفسه لا يحمل أي رأي صادم يوازي العنوان، فقط رصد لتاريخ الجوائز مع المخرجات، وإشارة لأنه من المؤسف أن يكون النقاش الذي دار قبل إعلان الترشيحات حول أي من المخرجتين ستترشح، وكأن هناك مكانا واحدا متاحا لمخرجة ضمن المرشحين لجائزة الإخراج، وهو رأي يحمل بعض الوجاهة، لكنه وُضِع تحت عنوان أقل ما يوصف به أنه متجاوز وغير لائق.

الترشيحات وقودًا للغضب

ما هي المشكلة إذن؟ ولماذا يتحول عدم ترشح فيلم لجائزة بعينها سببًا لهذا الانفجار؟ مع تكرار التأكيد على أن الفيلم نال بالفعل ثمانية ترشيحات منها بعض الفئات الرئيسية: أحسن فيلم وأحسن سيناريو مقتبس وأحسن ممثلة مساعدة وأحسن ممثل مساعد؟

المفاجأة أن كثرة الترشيحات قد تكون سببًا في اشتعال بعض الآراء الغاضبة، التي يرى أصحابها أنه إذا كان الفيلم مؤهلًا لأن يكون أحسن فيلم ونصّه أحسن سيناريو واثنان من ممثليه ضمن أحسن ممثلين، فكيف يُمكن ألا تكون مخرجته بين المؤهلات لأحسن إخراج؟ وهو رأي يصرخ بأن قائله لا يعرف الكثير عن تقييم الأفلام، وعن أن بعض العناصر من الممُكن أن تكون أفضل من غيرها، وأن الفيلم لا يتنافس مع نفسه، وإنما مع أفلام أخرى لديها مخرجون مميزون اختاروا عناصر مميزة، والدليل أن الخمسة المرشحين لجائزة الإخراج جميعهم صنعوا أفلاما ترشحت أيضًا لجوائز التمثيل والسيناريو إلخ.

من فيلم باربي

 

المنطق يقول إن مصوتي جائزة الإخراج قيّموا الأعمال بناءً على إسهام المخرج في كل فيلم، واختاروا أفضل خمسة من وجهة النظر الجماعية لمجموع المصوتين، فجاءت من بينهم جوستين ترييه ولم تأت جريتا جرويج رغم كل حملات الترويج لها. لكن من قال إن المنطق يُمكن تحكيمه في لحظات كهذه؟ لحظات يشعر فيها البعض أن الترشيح ليس مجرد أداة دعائية للتمايز بناءً على الذوق الشخصي للأغلبية، وإنما اعتراف ضروري بتبني قضية ينتهجها هذا الفيلم أو ذاك.

عن “كينوف” كلينتون

يبدو الأمر أوضح في حالة جائزة أحسن ممثلة، والتي لم يقم مقال إندي واير بإهانة المرشحات لها لحسن الحظ، ربما لأن كلهن من النساء ومن الصعب اتهام إحداهن تحديدًا بسرقة حق مارجو روبي. لكن من يقرأ بين السطور ويتابع استخدام الألفاظ في الثقافة الشعبية سيلاحظ أن تغريدة هيلاري كلينتون تحمل إهانة لشخص غير متوقع هو أحد أبطال “باربي”، ريان جوسلينج الذي ترشح لجائزة أحسن ممثل مساعد.

ريان جوسلينج وفريق فيلم باربي

 

كلينتون وصفت المخرجة والممثلة بأنهما “أكبر من كينوف Kenough”، وكينوف هو لفظ استخدمته الشخصية التي لعبها كوسلينج، يجمع بين اسم الشخصية “كين” وكلمة “يكفي enough”. في الفيلم حمل اللفظ معنى تمرد كين، الرجل في عالم باربي الوردي، على هيمنة النساء على هذا العالم الخيالي. وفي الواقع بدأ تداول المصطلح في الثقافة العامة للإشارة إلى حركات تخلص الرجال من ميراث الذكورية السامة، وعدم خشيتهم من اختيار تصرفات وألفاظ وألوان ارتبطت تاريخيًا بالمرأة.

الحديث عن اللفظ قد يطول ويتشعب، لكن ما يهمنا هنا أن مكانه فيما كتبته كلينتون يعني على الأغلب رغبتها في الإشارة لأن جيرويج وروبي أكبر من أن يتم وضع عملهما النسوي في سياق ذكوري النزعة، في تكرار لما قيل عن أن ترشيح جوسلينج يعد إهانة للفيلم، بأن يكون الفيلم نسويًا لكن يتم تجاهل صانعته وبطلته بينما يتم الاحتفاء بالرجل صاحب الدور الأكبر في الفيلم، بالرغم من كونه دورًا فرعيًا.

خيار الاعتذار الوحيد

مجددًا، يحمل الاعتراض تفنيده داخله، فالجوائز لا يتم منحها من سلطة عليا تحدد لكل فيلم ما يترشح إليه، وإنما بتصويت منفصل في كل فئة بين أقرانها في الأفلام الأخرى. بكلمات أوضح: جوسلينج تنافس مع الممثلين المساعدين الرجال في الأفلام الأخرى، ونال الترشيح لأن المصوتين وجدوه بين أحسن خمس أداءات لرجال في أفلام العام. جوسلينج لم يتنافس مع جرويج وروبي ولم يأخذ مكانهما، وترشيحه ربما لا يعني أكثر من أن فئة الممثل المساعد كانت أضعف وأسهل في المنافسة من فئات الإخراج والتمثيل النسائي.

ريان جوسلينج في دور “كين” بفيلم باربي

 

لكن من العسير الوقوف في وجه تيار كهذا، لدرجة أن جوسلينج نفسه اضطر لكتابة ما يُشبه الاعتذار عن ترشحه للأوسكار، في بيان طويل أهم ما فيه كان:

“لا يوجد كين بدون باربي، ولا يوجد فيلم باربي بدون جريتا جيرويج ومارجو روبي، الشخصان الأكثر مسؤولية عن هذا الفيلم الذي صنع التاريخ واحتفى به العالم. لا يمكن لأحد لينال التقدير عن هذا الفيلم دون موهبتهما وإصرارهما وعبقريتهما. لو قلت إنني أشعر بالإحباط لعدم ترشحهما في فئتيهما، سيكون ذلك أقل من شعوري الحقيقي”.

جوسلينج أعرب بالطبع عن سعادته وفخره بالترشيح، لكنها سعادة مشوبة بالاعتذار عن خطأ لم يرتكبه. لكن هل كان بإمكانه أن يفعل غير ذلك؟ واهمٌ من يظن إنه امتلك اختيارًا آخر.

لماذا نهتم؟

هذا الجدل سيمر، وسيتحول ذكرى نرجع لها من حينٍ لآخر للحديث عن العلاقة بين السينما المعاصرة وبين قضايا الحقوق الفردية والجنسية والمعارك العرقية والجندرية التي صارت السينما متورطة فيها بعمق، في العالم بشكلٍ عام وفي هوليوود على الأخص. لكن المؤلم في كل مرة يشتعل فيها نقاش غاضب كهذا، ومع كل متابعة لما تكتبه وسائل الإعلام السينمائية الدولية، وما يرد به المتابعون من تعليقات، أننا ندرك كيف يمكن للسينما أن تبتعد عن السينما.

مشكلة فيلم “باربي” ليست في ترشيحه في تلك الفئات وخروجه من فئات أخرى، مشكلته أنه صار -وهو الفيلم البسيط اللطيف- يُعامل معاملة مُقدسة لا علاقة لها على الإطلاق بأي نقاش حول مستواه الفني وعناصره المختلفة. لا يوضع في مقارنة أصلًا مع غيره بالرغم من أن أي جوائز في العالم جوهرها الرئيسي هو المقارنة، لذلك ظهر جمهوره المتحمس بصورة الخاسر السيئ Bad Loser في مباراة لم يخسروها من الأساس.

ربما لو أدرك البعض حتمية الاختلاف حول الأعمال الفنية، وعلموا أن من الطبيعي أن تُقارن ممثلة بممثلة أو مخرجة بأخرى فتربح هذه وتخسر تلك، وأن كون الفيلم قد صُنع خارج هوليوود لا يعني إنه أقل قيمة أو يجعل من ترشيح مخرجته خبًرا صادمًا، ربما وقتها فقط يُمكن ألا تضطر فيه مخرجة فائزة بالسعفة الذهبية ومرشحة للأوسكار أن تقرأ في يوم ترشيحها عنوانًا يهينها ويستهين بوجودها.

عن أحمد شوقي

ناقد سينمائي مصري ومبرمج ومشرف سيناريو. حاليًا هو رئيس الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى)، ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين. ينشر مقالات أسبوعية عن السينما وصناعة الترفيه. كما أصدر ثمانية كتب متخصصة حول السينما المصرية. شوقي يشغل منصب مدير منطلق الجونة، برنامج تطوير المشروعات والإنتاج المشترك الخاص بمهرجان الجونة السينمائي. كما إنه مدير التطوير لمنطقة الشرق الأوسط بمنصة "فيو" الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *