بمجرد أن تطأ قدماك بهو المتحف المصري بالتحرير، يلفت انتباهك حراك غير مألوف. خطوات متسارعة لزوار، همسات إعجاب تتسلل من القاعة رقم (18)، حيث يقام المعرض المؤقت «سحر مصر القديمة بعدسة إيطالية (1860-1940)».
القاعة بدت كنافذة على زمن آخر؛ صور التُقطت منذ أكثر من قرن وما زالت تنبض بالحياة: معابد شامخة على ضفاف النيل، وجوه فلاّحين بسطاء رصدتها عين إيطالية عاشقة، وملامح حضارة حاضرة في كل زاوية.
أنطونيو بياتو، جيوفاني فازاني، وإنريكو ليشتر لم يكونوا مجرد مصورين، بل رواة قصص حملوا الكاميرا كأداة لحفظ الذاكرة، فوثّقوا مشاهد لا تزال ماثلة بخلودها.
وأنا أتأمل الصور، بدا كل إطار وكأنه لا يستحضر الماضي فحسب، بل يُضيء الحاضر أيضًا. فالصورة قد تغيّر وجهة نظر، أو تُلهم فكرة، أو تُخلّد ذكرى. وهنا، بين جدران المتحف، تتقاطع كل هذه المعاني في تجربة بصرية تبقى في الذاكرة.
ولأن الحديث عن الصورة لا يكتمل دون التوقف أمام أدواتها، يخصص المعرض مساحة لعرض تطور الكاميرات عبر الزمن. فإذا كانت عدسات بياتو ورفاقه قد وثّقت البدايات، فإن الكاميرات نفسها تروي فصولًا لاحقة من قصة شغف وابتكار متواصل.
وبين أروقة المعرض، لم أكن أُشاهد تاريخ التصوير فقط، بل أشارك في حوار صامت مع الزمن، أستكشف من خلاله كيف رآنا الآخرون، وكيف تظل حضارتنا قادرة على الإلهام.