أحدث الحكايا

أشرف عبد الشافي يحكي: حكاية “شهرزاد” نزار قباني التي أتقنت اللعبة (1)

أشهد أن لا امرأة أتقنت اللّعبة إلّا أنتِ..لو كان شهريار يعرف نزار قباني لسرق منه هذا المقطع، وربما وقف على جبل شاهق ليعلن للجميع أن فتاة قد أتقنت اللعبة وذهبت بعقله إلى عالم الجنيات المسحور.

أنا عن نفسى سرقتُ منه، من نزار وليس من شهريار بالطبع! وهناك فى حضن الذاكرة القديمة تنام قصائد صغيرة سرقتها منه كي استرضي الحبيبات القديمات، وكلما جاءت سيرته ابتسمتُ خجلاً وسراً حتى لا يرى أحد بقايا جرائم الحب الطفولي، لذا فإن أشعاره محفوظة تقريباً من كثرة سرقتها وترديدها على مسامع حبيبات خائبات، لكنه -نزار أيضا- ظل بعيداً عنى، فلم أره بشكل جيد إلا بعد أن كبرت واخشن صوتي وثقل ظلي، إذ قرأت كتابه الصغير البديع “قصتى مع الشعر” فعرفتُ حلاوة وجمال هذا الرجل، عرفت كم تنقلّ بين الحسناوات حتى عرف طعم الكلام ورائحته وتوقيت قوله، كم شهرزاد مرّت بحديقته، وكم تعذبّ صغيراً حين مشى فى جنازة شقيقته الكبرى، وكم تناثر الحزن حوله وهو يشيع جثمان “بلقيس” شهرزاده الخاصة، وأعلى نخلات العراق، وكم احتمل الألم وهو يدفن جسد ولده “توفيق”.

ثلاثة من الأحبة فارقوه فى مراحل مختلفة من العمر ، ومع ذلك ظل الياسمين يفوح من كلماته الساحرة التى تدعوك لسرقتها فى بدايات القصص العاطفية الصغيرة.. كيف يصنع ذلك؟

الشاعر نزار قباني

قصة القباني والشعر

يكشف نزار فى “قصتي مع الشعر” عن هذا السر الذى جعل الحب عنواناً له رغم كل الآسى والبكاء:

“أنا من أسرة تمتهن العشق.. والحب يولد مع أطفالنا كما يولد السُكر فى التفاحة.. جدي كان هكذا.. وفي تاريخ الأسرة حادثة استشهاد مثيرة سببها العشق، الشهيدة هى أختى الكبرى (وصال)، قتلتْ نفسها بكل بساطة وبشاعرية منقطعة النظير لأنها لم تستطع أن تتزوج حبيبها .. صورة أختي وهي تموت من أجل الحب محفورة في لحمي، كانت فى ميتتها أجمل من رابعة العدوية وأروع من كليوباترا المصرية.. حين مشيت فى جنازتها وأنا في الخامسة عشرة كان الحب يمشي إلى جانبي في الجنازة ويشد على ذراعي ويبكي”.

كتاب «قصتي مع الشعر»

 

ملحمة العشق العظمى

المعاناة التى عاشها نزار هى التي صنعت ملحمة عشق كبرى مازالت الأجيال تعيش على كلماتها، وبالمثل لا يجوز تجاهل ما جرى له مع بلقيس التى لولاها لخسرنا الكثير وضاعت من بين أيدينا حبيبات كثيرات، فإن كانت هناك “أنثى” تستحق الخلود فى تاريخ العشق الحديث وأسطورة للهوى فهي “بلقيس الراوي”، تلك المرأة المصنوعة من عطر خالص، هي التى أخضعت شاعر النساء برائحتها المعجونة بالقرنفل والياسمين والبرتقال، ففي صيف 1962 كان الشاعر الوسيم فى بغداد يلقي قصائده، وتطلعت الحسناوات إليه، لكن رائحة أنثى عظيمة ومختلفة سيطرتْ على رأسه، تحول خيال الشعر وسهر الليالي بحثاً عن وصف للعينين والشفايف والشعر والرقبة والأنف والخدود والنهود.. إلى حقيقة ملموسة بإمكانه الآن أن يلمس الطيف ويقبض على الخيال والحياة.

نزار قباني وبلقيس الراوي

بلقيس.. ساحرة شاعر النساء

أنهى نزار قباني الأمسية الشعرية، وتجمعت الجماهير حوله وتسابقوا للحصول على توقيعه فى أوتوجراف رومانسي وطلبتْ معجبة مجنونة أن يوقع اسمه على ظهرها!، وضحك الجميع، بينما كانت “بلقيس الراوي” الفتاة العراقية الممشوقة تقف بعيداً تراقب فتاها، وبأنف الشاعر وروح الكلمة تنهد نزار ورفع عينيه متطلعاً إلى جمالها وابتسمتْ.. وجرى نحوها وضحكتْ، وتحادثا، وأطفأت الأنوار وغادر الجميع، وانتبها فجأة لوجودهما معا بلا بشر ولا ضجيج، فشعرتْ بالخجل، ولوّحا لبعضهما، وبقي عطرها يرواغه طوال الليل.

وقعّ الشاعر الكبير فى الحب إذن ! لم يصدق نفسه، نعم عظيم جداً أن يجد الفتاة التي رسمها الخيال، لكن ماذا عن باقي قصص الفاتنات؟! هل انتهى الشعر  وبدأ عصر الزواج؟! لا يعرف، لكنه أحبها وعليه أن يتقدم الليلة قبل الغد لخطبتها.

نزار وبلقيس

 

دراما عظيمة

الدراما العظيمة رفضت هذا السيناريو البليد، فهو دبلوماسي مرموق، لكنه شاعر النهود والأفخاذ والفحش والتفحش! ولا يليق بعائلة “الرواي” المحافظة التى تنتمي إليها “بلقيس” أن تقبل زوجاً فاجراً ملعوناً تطارده الكلمات أينما حل! وتحولت قصائد الغزل إلى وثائق تدين المحب وتزيد عناد القبيلة، و”يا داهية دقي” كما يقول، فالحب اشتعل والشاعر الكبير على مشارف معركة كبرى للفوز بحبيبته، فماذا فعل كي يقنع القبيلة، وكيف حشد جيشا من وزراء ومسئولين لإنهاء المهمة؟!

لن أحكي باقي القصة إلا إذا طلب مني رئيس التحرير ذلك، فقد طال الحديث، عموما إن وصل -السيد رئيس التحرير بالطبع- إلى هذا السطر وطلب مواصلة الحكاية فسأكملها.

تعليق رئيس التحرير:

وها نحن وصلنا إلى ما بعد السطر الأخير، وننتظر باقي الحكاية على أحرّ من الجمر.

عن أشرف عبد الشافي

روائي وكاتب صحفي بمؤسسة الأهرام، له العديد من الكتب الأدبية والصحفية مثل: روايات (ودع هواك، أصابع حبيبتى، توأم الشعلة)، ومجموعة قصصية (منظر جانبى)، وكتب: (المثقفون وكرة القدم، صلاة الجمعة، البغاء الصحفى، فودكا، يا جميل يا اللى هنا، أن تحب فى العشرين).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *