أحدث الحكايا

أمنية عادل تحكي: حكاية السينما الفلسطينية.. المقاومة على الشاشة الفضية

عقب الإعلان عن تأجيل -الأقرب إلى الإلغاء- الدورة 45 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بسبب الظروف القاسية التي تشهدها الأراضي المحتلة في فلسطين، شعرت بإحباط شديد بعد الجهد الذي قمت به مع الزملاء من المشاركين والقائمين على إعداد هذه الدورة من المهرجان، وعلى الفور طرأ سؤال على ذهني؛ هل نحن حقا بحاجة إلى إلغاء الفعاليات الفنية للتعبير عن التضامن؟ وما علاقة ذلك بمانيفستو جماعة السينما الفلسطينية الذي صدر في 1973 والذي نشر للمرة الأولى بالفرنسية قبل أن يتم ترجمته إلى الإنجليزية ونشره في مجلة cineaste.

جماعة السينما الفلسطينية

في عام 1973 تم تأسيس “جماعة السينما الفلسطينية” والتي انضمت إلى مركز الأبحاث التابع لـمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، تزامنا مع ما يمكن اعتباره انطلاق سينما الثورة الفلسطينية مع إنشاء حركة “فتح” “وحدة الفيلم الفلسطيني”، بفضل جهود مجموعة من السينمائيين، كان ضمنهم هاني جوهرية، وسلافة مرسال ومصطفى أبو علي.
هدفت جماعة السينما الفلسطينية إلى توحيد أصوات صناع السينما الفلسطينيين والعرب للتعبير عن القضية الفلسطينية من خلال الوسيط البصري السينمائي، وجاء في مانيفستو تأسيسها ضرورة إعادة تعريف السينما العربية وما تقدمه من إنتاجات، حيث تعامل مع السينما العربية ككتلة واحدة، ربما يعزز ذلك ما قاله أحد رواد السينما الفلسطينية مصطفى أبو على: “إن السينما الفلسطينية انتماء نضالي وليس جغرافيا، والسينما الفلسطينية هي كل الأفلام التي تحكي عن فلسطين”.

المخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي

 

قدمت وحدة الفيلم الفلسطيني إنتاجات سينمائية عبرت عن حالة الاحتقان والمقاومة الفلسطينية في أفلام مثل “لا للحل السلمي”، “بالروح بالدم”، وكلاهما من إخراج مصطفى أبو علي، وشكلت نواة لجماعة السينما الفلسطينية التي أعلنت عن نفسها عام 1973 وضمت في عضويتها سينمائيين عرب يحملون فكرا تقدميا.

مشاهد من الاحتلال في غزة

وما أشبه اليوم بالبارحة حيث كان باكورة إنتاج جماعة السينما الفلسطينية بل فيلمها الوحيد، قبل أن تتحول إلى “أفلام فلسطين – مؤسسة السينما الفلسطينية”، وهو فيلم “مشاهد من الاحتلال في غزة” من إخراج مصطفى أبو على عام 1973. يتتبع الفيلم التسجيلي القصير الذي لا يجاوز ربع الساعة شوارع قطاع غزة وملامح المقاومة به، وكما يصفه الفيلم “البؤرة الأكثر مقاومة وثورة على الاحتلال على الخريطة الثورية الفلسطينية”.

يعتمد الفيلم على نبرة هادئة صارمة تكشف عن مدى الدمار الذي يشهده القطاع، وكيف يواجه سكانه المضايقات التي يتعرضون لها تحت وطأة الاحتلال. لا يخلو الفيلم من السمات الفنية وتوظيف شريط الصور والمونتاج لحكي حكايته بطريقة مؤثرة، حاله كحال غالبية الإنتاج الفلسطيني آنذاك الذي اهتم بتسجيل الحدث والتعليق عليه والوقوف على مسبباته.

الفيلم الفلسطيني “مشاهد من الاحتلال في غزة”

راديكالية الصورة

لفتت السينما الفلسطينية أنظار العديد من صناع السينما العالميين سيما هؤلاء الذين وجدوا في السينما معبرا راديكاليا لا يستهان به، ومن بينهم المخرج الفرنسي جاك لوك جودار الذي أخرج فيلم “هنا وهناك” (Here and Elsewhere)، ضمن رحلته في تتبع الحركات الثورية.

لقطة من فيلم هنا وهناك – here and elsewhere

 

كما شارك صناع عرب في صياغة أفلام فلسطينية أو أفلام عن فلسطين سواء في إنتاجات مستقلة أو إنتاجات مشتركة مثل المخرج المصري سمير سيف الذي قام بإخراج الفيلم الروائي “عملية شناو” عن إحدى العمليات التي قام بها اثنان من الفدائيين الفلسطينيين في النمسا قبل حرب أكتوبر 1973، وتم عرضه في 1977، وهو من إنتاج أفلام الطلائع وشارك في بطولته عزت العلايلي وماجدة الخطيب وأديب قدورة. وقدم المخرج السوري محمد ملص الفيلم التسجيلي “المنام” (1987).

أفيش فيلم “شناو” أو “عملية شناو” للمخرج سمير سيف

توثيق وتفكيك

أغلب الأفلام التي تم إنتاجها في تلك الفترة الأولى كانت تسجيلية، وذلك مفهوما باعتبار أن السينما التسجيلية هي الأفضل في توثيق اللحظة وتسجيل الحدث. ولكن بعد ذلك تم تقديم العديد من الأفلام الروائية للتعبير عن القضية ومحاولة تفكيكها وفهم مجرياتها وكيف الحل، ومن أسماء من قدموا هذه السينما ميشيل خليفي، إيليا سليمان، رشيد مشهراوي، مي المصري وهاني أبو أسعد، الذين غيرت أفلامهم النظرة إلى بنية الفيلم الفلسطيني، وشكلت أفلامهم، بالتتابع الزمني، تيارا يحمل سردًا مغايرًا للقصة الفلسطينية التي يحملها إنسان بدرجة مقاوم كل على طريقته.

فيلم «إن شئت كما في السماء» للمخرج إيليا سليمان

 

ضمن مانيفستو جماعة السينما الفلسطينية هناك تعريف بأسس ومبادئ لصيغة الفيلم الفلسطيني المراد، حيث يأتي في نص البيان: “العمل على التوصل إلى الشكل السينمائي البديل المتفاعل جدليا مع المضمون”، وهو ما مثلته أفلام “خليفي، سليمان، مشهراوي، المصري، وأبو أسعد”، حيث بحث كل منهم عن صياغة درامية غير بكائية تتسم بالاشتباك مع المدارس السينمائية المختلفة للتعبير عن مضامين القضية وما يمر به الفلسطينيون.

فيلم “حيفا” للمخرج رشيد مشهراوي

أصوات الشتات

تعددت الأصوات المغردة في سماء السينما الفلسطينية لاسيما مع ظهور أصوات فناني الشتات أو الصناع الذين كبروا بعيدا عن الداخل الفلسطيني، ومع هذا عبروا عن القضية بطريقتهم من بينهم على سبيل المثال آن ماري جاسر ونجوى نجار.

في عام 2014 قدم المخرج الفلسطيني عامر شوملي والمخرج الكندي بول كوان فيلم “المطلوبون 18″، الذي يتتبع ويعبر عن القضية الفلسطينية من خلال سيناريو خلاق، واستعانة بالرسوم المتحركة لحكي القصة بطريقة فكاهية ذكية عن 18 بقرة يقررون إنتاج اللبن بصورة مستقلة في مزرعة فلسطينية، ما يمثل تهديدا للأمن القومي لإسرائيل، فيلم يكشف عن قوة النضال والتأثير السحري للسينما للتعبير عن القضية وتوصيلها للمعنى المراد وذلك من خلال التعبير البصري والتقنيات وأساليب السرد السينمائي.

الفيلم الوثائقي “المطلوبون الـ 18”

أزمات عربية

شكل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أزمات عربية طاحنة ألقت بظلالها على السينما ومهدت الطريق نحو إحلال القضايا، حيث حلت الأزمة السورية ومن بعدها الأزمة اليمنية وكذلك الأزمة السودانية والليبية محل الاهتمام والمتابعة العربية والدولية كذلك، وهو ما انعكس على الاهتمام بالمنتج السينمائي القادم من تلك الدول المنكوبة في تصور أن القضية الفلسطينية باتت من الماضي ولم تعد سينماها تتصدر اهتمام الرأي العام العالمي كما كانت سابقا.

مع هذا قدمت المخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي فيلم “الهدية” (2020) الذي سلطت به الضوء على واقع يومي مؤلم يعيشه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، من خلال 12 دقيقة أعادت للأذهان أن الأزمة مازالت قائمة ولم تنته، بل إنها تتفاقم كل يوم، فهل حقا نحن بحاجة إلى إلغاء الفعاليات لإعلان التضامن رغم أن السينما كانت وما تزال سبيلا للمقاومة؟

مشهد من فيلم “الهدية”

عن أمنية عادل

ناقدة وباحثة سينمائية، عضو مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين، عضو هيئة تحرير مجلة الفيلم الصادرة عن جيزويت القاهرة، لها العديد من المساهمات في الإصدارات العربية المختلفة منها مجلة كراسات السعودية وكذلك موقع رصيف ٢٢. إلى جانب مشاركات تنظيمية في عدد من المهرجانات المصرية كعضو لجان مشاهدة واختيار أفلام وعضو لجان تحكيم وكذلك إدارة ندوات في مهرجانات مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *