أحدث الحكايا

توماس جورجيسيان يحكي: فراشة ومعبد ويوسا وأرملة الرئيس.. إيه الحكاية؟

بهذا السؤال أخرج من صمتي وأبدأ أحاديثي مع أصدقائي وصديقاتي. ببساطة أقول لهم ولهن: أعطك أذني، أعطني صوتك! وفي أحيان كثيرة أقول أيضا: أعطني أذنا، أعطك صوتا. كما قال وكرر من قبل الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران.

بالحكي أحاول أن أخرج من زنقة المهام الواجب تنفيذها وأفلت من خنقة الهموم التي تحاصرني وتكبت على أنفاسي. بالحكي أكاد أخفف من وطأة القلق ورغبته في شل حياتي. هكذا أحاول أن ألطف أجواء أيامي. بالحكي من حين لآخر.

الحكي تنفيسة وما أحلاه من شعور يتشكل لديك بالتحرر والانطلاق والراحة. طالما كسرت القيود التي تكبل روحك وحررت رغبتك في الرحرحة سواء في القعدة أو في كلامك مع حبايبك.

 

الفراشة وإيهاب شاكر

 

الفنان إيهاب شاكر

الفنان الجميل والصديق العزيز إيهاب شاكر عندما كنت أبحث عن معنى الفراشة في حياة الإنسان بدأ حديثه بتنبيهي إلى ضرورة الالتفات إلى حركة الفراشة في الطيران. وإلى الدوائر التي تشكل طيرانها وكيف أن متابعتنا لحركتها تدخلنا في دوائر متتالية تأخذنا من مكان إلى مكان آخر.

وهو ينصحني قال لي عليك أن تحافظ على طفولتك وتحميها من مرور الزمن. وطفولتك هي شغفك ورغبتك في الاكتشاف وطرح الأسئلة والابتهاج بالأجوبة. ومتابعة الفراشات.

من يومها تغيرت نظرتي للفراشة والحكي. وكيفية الانتقال من حالة نفسية إلى أخرى.

إذن احكي.. وقل لي إيه الحكاية؟!

 

لشهرزاد عشاق في كل مكان

 

ماريو فارجاس يوسا

من منا لا يعرف الروائي البيروفي ماريو فارجاس يوسا الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام ٢٠١٠ صاحب امتداح الخالة وحفلة التيس. في شهر مارس الماضي تم الإعلان عن عضويته للأكاديمية الفرنسية مما أثار جدلا لأنه لم يكتب بالفرنسية. هو الآن في الـ ٨٦ من عمره ومازال يشاغب بآرائه ومواقفه. وحكاياته الشخصية والإبداعية!

الكاتب البيروفي الشهير بعد أن تجاوز السبعين من عمره فاجأ عشاق أدبه بظهوره على خشبة المسرح كممثل -بجانب كونه مؤلف النص– ليجسد “دون كيشوت” وكان ذلك في عام ٢٠٠٥. ثم كرر التجربة أيضا في “شهريار” عام ٢٠٠٩.

ولم يتردد طوال حياته في الحديث عن ولهه وولعه بألف ليلة وليلة. منذ سنوات عديدة عندما كان في ندوة بدمشق وسأله أحد الحاضرين هل قرأت «ألف ليلة وليلة»؟ قال: “من منا لم يقرأ هذا الكتاب؟ إنه كتاب يجب أن يقرأه كل الكتاب، وأنا قرأته في عدة نسخ منذ طفولتي، وكتبت عنه الكثير وكذلك بورخيس أيضاً.”

ثم أضاف: “إن قصص شهرزاد، نعرفها في أمريكا اللاتينية غيباً، وكان لها تأثير كبير على أعمالي من حيث طريقة وأسلوب سرد الحكايات”.

هكذا تحدث الكاتب المتميز في سرده وحكيه.

شهريار اللاتيني

وعن دوره هو ممثلا دور «شهريار» في المسرحية أمام «شهرزاد»، قال ماريو فارجاس يوسا: “لقد كان شهريار يظن بأنه سيقطع رأس شهرزاد في فجر اليوم التالي، لكن هذه الفتاة استطاعت خلال ثلاث سنوات إنقاذ حياتها، ومن ثم أن تغرس في قلب هذا الملك القاسي الشوق للاستماع إلى سردها الشفاهي، حتى تحول من شخص متوحش إلى إنسان حساس، وأن يندم على ما فعله، وأن يكون عاشقا بفضل حكاياتها”.

نعم، بحكينا وحواديتنا نصير عشاقا لحياتنا..

 

“إن قصص شهرزاد، نعرفها في أمريكا اللاتينية غيباً، وكان لها تأثير كبير على أعمالي من حيث طريقة وأسلوب سرد الحكايات.”

ماريو فارجاس يوسا

 

أمام معبد دندور

كلما وقفت أمام معبد دندور في متحف متروبوليتان بنيويورك تأتي في البال جاكلين كنيدي زوجة الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي. جاكي تأتي في البال لأنها كانت وراء اختيار معبد دندور ليكون هدية مصر لأمريكا. وذلك لمساهمتها حينذاك في إنقاذ معبد أبو سمبل. “دندور” موجود في متروبوليتان منذ ١٩٧٨.

معبد دندور

 

المرأة الأسطورة جاكي ترملت وهي في ال٣٤ من عمرها ومعها ابنة وابن. ورغم قصر عمرها كزوجة الرئيس الأمريكي جون كيندي في البيت الأبيض إلا أنها تركت بصماتها المميزة والساحرة في حياة الأمريكيين وفي البيت الأبيض وفي المشهد والتاريخ الأمريكي.

 

جاكلين وكينيدي

 

ومعروف أن جاكي في أكتوبر ١٩٦٨ تزوجت المليونير اليوناني أوناسيس وقيل إنها فعلت ذلك لكي تبتعد عن لعنة آل كيندي وأمريكا. ثم مات أوناسيس في عام ١٩٧٥ وجاكي كانت في ال٤٦ من عمرها.

 

جاكلين وأوناسيس

 

جاكي لم تكتب مذكراتها، إلا أن حياتها تناولها أكثر من ٣٠ كتابا حتى الآن.

كانت وظلت من عشاق شعر قسطنطين كفافيس، الشاعر اليوناني السكندري. ولهذا طلبت من صديقها في السنوات الأخيرة من حياتها الملياردير موريس تامبلتون أن يقرأ في جنازتها قصيدة “إيثاكا” لكفافيس.

 

المثوى الأخير لجاكلين بوفير كينيدي أوناسيس

 

وقد تحققت أمنيتها يوم ٢٣ مايو ١٩٩٤ بعد أربعة أيام من موتها وهي في ال ٦٤ من عمرها.

وقصيدة “إيثاكا” لكفافيس مستوحاة من ملحمة الأوديسة للشاعر اليوناني هومر. وتقول القصيدة إن الاستمتاع برحلة الحياة ونضوج النفس البشرية مع استمرار الرحلة هو كل ما يسأل عنه. أو ما يجب أن يسأله المسافر.

هكذا تقول كلمات كفافيس:

“وأنت قد اكتسبت الحكمة وتشربت المعرفة وتملكت التجربة”.

جاكي بحياتها وحواديتها أبهرتنا. وصارت أسطورة!

عن توماس جورجيسيان

كاتب وصحفي مصري أرمني يعيش في أمريكا. رحلته مع الكتابة والصحافة بدأت وهو طالب في كلية الصيدلة بجامعة القاهرة وكانت في مجلة "صباح الخير" منذ أكثر من أربعين عاما. في العقود الثلاثة الأخيرة عمل مراسلا من واشنطن لصحف منها «الأهرام» و«التحرير» و«الوفد» و«النهار» اللبنانية. له كتابات عديدة بالعربية والإنجليزية والأرمنية في مجلات وإصدارات ثقافية وسياسية. صدر له كتابان «الطيور على أشكالها تطير» و«في قلوبنا عشق».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *