أحدث الحكايا

د. هيثم الحاج علي يحكي: كيف تحوّلت “مدير عام” إلى “شفيقة” في أربعة عقود

في طفولتنا كان الثنائي شادية وصلاح ذو الفقار يمثلان نموذجا سينمائيا يعبر عن كثير من قيم مجتمعنا، وكانت أفلامهما تلقى حضورا خاصا في هذا المجال، فهي أفلام جادة تطرح رؤية واضحة وقصة جذابة وحس فكاهي رغم جدية الرسالة التي تطرحها وجدتها، مثل أفلام: أغلى من حياتي، وكرامة زوجتي، وعفريت مراتي، وبالطبع الفيلم الأيقوني مراتي مدير عام، والأخير قصة عبد الحميد جودة السحار، وسيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج فطين عبد الوهاب، وإنتاج عام 1966، وحصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان الفيلم الكاثوليكي لنفس العام، كما أنه واحد من أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

فيلم مراتي مدير عام

يطرح فيلم مراتي مدير عام مشكلة أن يكون الرجل في مجتمعنا الشرقي مرؤوسا لزوجته في العمل، وكيفية تقبل المجتمع لهذا الوضع من عدمه، بالصورة التي تدفع الرجل لإخفاء العلاقة، حتى لا يقع تحت ضغط من زملائه، وعبر أحداث مثيرة ساخرة، يتم كشف العلاقة ليقع الزوج المرؤوس تحت ضغوط من نوع جديد تضطره في النهاية إلى إرغام زوجته على طلب الانتقال من العمل الذي نجحت فيه إلى مكان آخر، غير أن الزوج يفاجئنا في المشهد الختامي بانتقاله إلى المكان الجديد نفسه وإعلانه منذ البداية للعلاقة الزوجية مع السيدة المديرة، وكأنه يصحح الخطأ السابق، عن طريق التعامل الطبيعي مع الأمر.

فيلم مراتي مدير عام

وبالطبع فالفيلم يطرح عدة إشكاليات مجتمعية لها علاقة بوضعية المرأة والرجل في المجتمع وكيف أن هذا المجتمع سوف يتقبل حل هذه المشكلة طالما أن المعيار العملي هو الأهم دونما انتقاص من حق المرأة أو حتى الرجل، فالمرأة هنا نجحت بقوة في عمل التوازن بين عملها ومهام بيتها، كما أنها نجحت إلى حد بعيد في نقل هذا التوازن إلى بيئة العمل، فالفيلم يعرض لنجاحها على الرغم من أن بعض القوى المجتمعية قد فرضت رفض هذا النجاح.

شادية من فيلم مراتي مدير عام
شادية من فيلم مراتي مدير عام

يلح على خاطري دائما هذا الفيلم عندما أتساءل عن مجتمعنا اليوم وهل يتقبل مثل هذا الوضع، حتى يصدمني فيلم آخر حديث يتعامل مع المشكلة ذاتها لكن بصورة مختلفة.

فيلم مضاد

يلح على خاطري دائما هذا الفيلم عندما أتساءل عن مجتمعنا اليوم وهل يتقبل مثل هذا الوضع، حتى يصدمني فيلم آخر حديث يتعامل مع المشكلة ذاتها لكن بصورة مختلفة، وهو فيلم تيمور وشفيقة، بطولة أحمد السقا ومنى زكي، وفكرة أحمد السقا وتأليف تامر حبيب وإخراج خالد مرعي، وإنتاج عام 2007، أي بعد الفيلم السابق بإحدى وأربعين عاما.

فيلم تيمور وشفيقة

ويدور حول علاقة بين اثنين يبدو أن ارتباطهما قدريا منذ الجيرة لزمالة المدرسة حتى العلاقة الأسرية ليعتبر تيمور نفسه مسئولا عن شفيقة في كل جوانب حياتها، ومتحكما فيها بإعلان أنه الرجل وقبولها لهذا الإعلان الدائم ومحاولتها إيجاد مواءمة بين ما يريد وما يمكنها فعله تحت مظلته، حتى تحدث المفارقة ليتم اختيارها وزيرة ويكون هو قائدا لطاقم حراستها، في صورة تحاول وضع شكل معاصر لفكرة الرئيس والمرؤوس، ليتم إنهاء العلاقة العاطفية ولو شكليا بينهما حتى يصل الأمر في النهاية عبر أحداث مثيرة وكوميدية خفيفة إلى إنقاذه لحياتها، والانتهاء باستقالتها لكي لا يسبب هذا الوضع له حرجا.

من فيلم تيمور وشفيقة

لكن المفارقة الأكبر تتمثل في تعبير الفرق بين الفيلمين عن تطور – أو قل تدهور – في التعبير عن قيمة نظر المجتمع لحق المرأة.

مفارقات

تفرق بين الفيلمين اللذين حرصت على ذكر أسماء الممثلين حسب ترتيب تتر كل منهما، فكانت شادية هي الاسم الأول، في حين كان أحمد السقا مذكورا في البداية، كما أن عنوان الفيلم نفسه له الإيحاء نفسه، فالفيلم الأقدم تمثل المرأة فيه الحضور الأكبر على الرغم من نسبتها للرجل (مراتي) والفيلم الثاني يحمل ترتيبا دالا على أسبقية الرجل ليأتي ذكر تيمور أولا قبل شفيقة، على الرغم من أنه كان من الممكن اللعب على الموروث الشعبي شفيقة ومتولي (هكذا) ليكون الترتيب الممكن شفيقة وتيمور.

لكن المفارقة الأكبر تتمثل في تعبير الفرق بين الفيلمين عن تطور – أو قل تدهور – في التعبير عن قيمة نظر المجتمع لحق المرأة، ففي حين أن الزوج يتقبل في نهاية مراتي مدير عام لرئاسة زوجته له في العمل ويعلن ذلك بوضوح، نجد أن الفيلم الأحدث ينتهي بتخلي شفيقة عن منصبها وإنجازاتها من أجل أن تبقى في ظل زوجها المستقبلي.

وهنا يجب علينا أن نتساءل عن ذلك التحول وهل هو تحول أصاب المجتمع المصري فارتد عن الخطوات التي حققها في ذلك الشأن أم أن الفن يقوم بتوجيه المجتمع إلى قيمة جديدة مغلفة بفكرة التضحية بكل شيء من أجل الحب والزواج.

المفارقة بين الفيلمين كبيرة وموحية وتستحق الوقوف حيالها بالتأمل والدراسة والدهشة.

عن د. هيثم الحاج علي

شاعر وناقد، أستاذ مساعد الأدب العربي الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة حلوان. شغل سابقا العديد من المناصب في وزارة الثقافة المصرية مثل: رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، له العديد من الكتب النقدية والإبداعية.

تعليق واحد

  1. التقاط مهم يا صديقي
    وأرى أنه يعبر عن مجتمع كان ينهض بقوة نحو المستقبل ومجتمع ينحدر بالقوة نفسها نحو الماضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *