أحدث الحكايا

منير عتيبة يحكي قصة لقاء وحيد مع أحمد خالد توفيق: “أراه مرة واحدة وأموت!”

لست من الجيل الذي تربي على أعمال أحمد خالد توفيق، لكني كنت ألاحظ وجوده بشدة، كتبه في أيدي الشباب، يقرأونه في الترام، يقلبون كتبه عند باعة الصحف في محطة الرمل ليشتروها، حديثهم عنه بانبهار يشبه التقديس، وتسلل الكثير من كلماته وعباراته الشهيرة إلى حوارهم حتى لكأنها أصبحت “سيم” أو شفرة تخصهم. ثم طلب الكثيرون مني أن نستضيفه بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، كاتبة سكندرية قالت لي مرة: “أراه مرة واحدة وأموت!”.

فضول

كان لدي فضول لأن أقرأ أعماله لأرى لما يقبل عليها الشباب؛ ولأعرف ماذا يقرأون وما الذي يملأ عقولهم ووجدانهم به، وكيف يشكل ذائقة جيل كامل. وكنت أؤجل الأمر مرة تلو الأخرى، حتى قررت أن أستضيفه في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الأحد 20 نوفمبر 2016، لنناقش روايته “في ممر القئران” التي صدرت في يوليو 2016، ومعروف أن مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وجه خير على ضيوفه، فبعد اتفاقنا معه على الندوة أعلن فوزه بجائزة أفضل كاتب عربي في مجال الرواية عن روايته «مثل إيكاروس» في معرض الشارقة للكتاب نوفمبر 2016.

كنت أراه نموذجًا للكاتب الذي أحب أن أكونه؛ الكاتب الذي أعد نفسه علميًا وفنيًا، الكاتب الذي عرف نقاط قوته الإبداعية فركز فيها، الكاتب الذي حدد قارئه فتوجه إليه، الكاتب الذي لديه ما يقوله ويؤمن به، الكاتب صاحب الموقف والمبدأ حتى ولو دفع ثمن التمسك به.

الكاتب منير عتيبة والروائي أحمد خالد توفيق أثناء ندوة بمكتبة الإسكندرية عام 2016

 

القراءة بتربص

عندما قرأت له لأول مرة كانت رواية “في ممر الفئران”، أعترف أنني كنت أقرأ بتربص، فهذا الرجل الذي يعد الأشهر والأكثر توزيعا والأقل اهتمامًا نقديًا، يأتي إلى منطقتنا ليكتب روايات جديدة، ما الذي يمكن أن يقدمه، وأعتقد أن هذا التربص كان مفيدا لي وله؛ فلم أستنم إلى الحكاية وأحداثها وأقف عندها ويرد لذهني تشابه بعض هذه العناصر مع روايات وأفلام الرعب، بل كنت أنظر إلى ما خلف هذا، فعرفت أن هذا الكاتب وصل إلى هؤلاء الشباب لأن لديه حقا فكرًا ورؤية وليس مجرد سارد سطحي لأحداث مرعبة أو غريبة.

 

لا يوجد اهتمام نقدي، بل ودعني أقول لا يوجد احترام نقدي لأدب الرعب وللأدب البوليسي ولأدب الأطفال ولأدب اليافعين، وبالتالي فإن كل من يكتب في هذه المجالات لا يجد اهتمامًا نقديًا حتى ولو قدم إبداعات ممتازة وفارقة في هذا المجال.

 

غلاف رواية “في ممر الفئران”

أدب رعب مثقف

تحدث الكثيرون عن تعرضه للإهمال النقدي، لكني لا أعتقد أن الإهمال النقدي مقصود به د. أحمد خالد توفيق بالذات، فالجنس الأدبي الذي يكتب فيه مهمل نقديًا منذ فترات طويلة، لا يوجد اهتمام نقدي، بل ودعني أقول لا يوجد احترام نقدي لأدب الرعب وللأدب البوليسي ولأدب الأطفال ولأدب اليافعين، وبالتالي فإن كل من يكتب في هذه المجالات لا يجد اهتمامًا نقديًا حتى ولو قدم إبداعات ممتازة وفارقة في هذا المجال.

والأمر نفسه فيما يخص الجوائز، إذ لم يحصل على جائزة كبرى إلا متأخرًا جدًا، ربما لأن ما كان يكتبه لم تخصص له جوائز عربية، وهو إهمال آخر لهذا الجنس الأدبي مثلما هناك إهمال نقدي له. وأعتقد أنه كان سعيدا جدا بجائزة الشارقة كاعتراف به ككاتب يتسحق التقدير وليس مجرد كاتب يوزع كثيرا كما كان يحاول البعض حصره في هذه المنطقة.

ربما يكون أول من كتب أدب الرعب باللغة العربية، أي إنه فتح مجالا جديدا للكتابة العربية، كما أنه سد نقصا في كتابة يحتاجها القارئ الشاب بالذات، وعندما وجدها أقبل عليها، خصوصا أنها لم تكن رعبا مجانيا. استفاد أحمد خالد توفيق من كتاب الرعب الغربيين، كما استفاد من علم النفس، والعلوم الطبيعية، والجغرافيا والتاريخ؛ ليقدم في سلسلته مزيجا من أدب رعب مثقف إن جاز التعبير، فالقارئ مشدوه بالحكاية المرعبة، ومن خلالها يتعلم الكثير عن النفس البشرية، كما تتسلل إلى عقله بعض المعلومات في مجالات مختلفة.

جانب من حضور ندوة أحمد خالد توفيق في مكتبة الإسكندرية عام 2016

 

لقد نظمت مؤتمرًا وعدة فعاليات بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، ناقشنا فيها أعمالًا من أدب الرعب للشباب من المبدعات والمبدعين. ووجدت أن: أولًا؛ هذا المجال يحتاج اهتمامًا نقديًا ليساعد المبدع على تطوير أدواته ويساعد القارئ على فهم وتقييم ما يقرأ بعمق. ثانيًا؛ أدب الرعب مثل غيره من الأجناس الأدبية فيه مستويات متعددة، البعض يقلد كتابًا غربيين لدرجة نسخ أعمالهم، والبعض يقلد كتابًا عربًا ويأتي أحمد خالد توفيق على رأس من يتم تقليدهم، البعض يفهم الجنس الأدبي الذي يبدع فيه ويسعى لأن يقدم من خلاله إبداعه ورؤيته الخاصة، وهؤلاء هم المبدعون حقًا، وليسوا عددًا قليلًا، لذلك وجب الاهتمام خصوصا أن قراءهم بالملايين.

 

كان الكاتب من الذكاء بحيث يقدم نبؤة للمستقبل القريب عام 2023؛ لتكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحليله للمجتمع، وهو ما يصدق على المجتمع العالمي بقدر ما يصدق على المجتمع المحلي

 

ربما يكون من أشهر من كتبوا الديستوبيا في اللغة العربية في العقود الأخيرة، خصوصا أن قراءه بالملايين كانوا ينتظرون كتاباته، ويروجون لها مستخدمين وسائل التواصل الحديثة. وربما تكون رواياته ذات الاتجاه الديستوبي مثل “يوتوبيا” و”في ممر الفئران” تتسم بنفس صفات أدبه عموما، ككاتب لديه هم إنساني، ودراسة عميقة للواقع السياسي والاجتماعي والمحلي والعالمي، ويخشى ما هو قادم، ولديه قدرات فنية عالية يسخرها للتعبير عن هذه الأفكار.

غلاف رواية يوتوبيا

نبوءة أدبية

أحمد خالد توفيق راصد جيد للمجتمع، ومن خلال رصده للظواهر الاجتماعية يحلل ما يجري في المجتمع من تغيرات في بنيته العميقة، تلك التغيرات التي يمكن أن تؤدي إلى زلازل وانهيارات اجتماعية، صدرت الرواية عام 2008، وها نحن نرى ما تنبأت به في أماكن مختلفة من العالم، فقد كان الكاتب من الذكاء بحيث يقدم نبوءة للمستقبل القريب عام 2023؛ لتكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحليله للمجتمع، وهو ما يصدق على المجتمع العالمي بقدر ما يصدق على المجتمع المحلي. فالأدب الجيد نبوئي بطبيعته، لأنه يقوم على رصد وتحليل عميق لمكونات المجتمعات، وتقف خلفه فلسفة ورؤية للعالم، لذلك يظل صالحًا للقراءة في بيئات مكانية متعددة وأزمان مختلفة، وليس مجرد نبوءة بالمعنى السحري أو الشعوذي.

 

أحمد خالد توفيق مع بعض حضور الندوة

عن منير عتيبة

روائي وقاص وكاتب للأطفال والدراما الإذاعية، مؤسس ومدير مختر السرديات بمكتبة الإسكندرية، رئيس تحرير سلسلة كراسات سردية التي يصدرها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، مقرر لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة (2013 - 2019)، وقد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة اتحاد الكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *