إذا حالفك الحظ وصادفت لوحة «غداء حفل المركب» للفنان الفرنسي الكبير بيير أوجست رينوار (1841 – 1919)، فبالتأكيد ستشعر بكم «الحياة» التي تنبض بها بشخوصها وألوانها الحية التي جعلتها واحدة من أبرز لوحاته منذ رسمها عام 1881. وهي معروضة حاليا في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
حيوية اللوحة ليست من كونها تصويرا بديعا للطبيعة ولشخوص متخيلة، وإنما في كونها تعيد بعث حياوات متعددة لأشخاص حقيقيين خلدهم رينوار بفنه، فصارت جلستهم في مطعم ميزون فورنايز المطل على نهر السين في مدينة شاتو الفرنسية، جلسة شهيرة يستعيدها كل من ينظر إلى الصورة ويتخيل الأحاديث والهمهمات والضحكات التي يمكنك سماعها بمجرد النظر للوحة.
شخوص اللوحة
شخوص اللوحة هم أصدقاء حقيقيون لرينوار؛ ألين شاريجوت، تلك التي تحمل كلبًا بالقرب من الجزء السفلي الأيسر من التكوين، هي حبيبة رينوار التي تزوجها فيما بعد عام 1890 وأنجبا ثلاثة أبناء. أما تشارلز إفروسي، الذي يرتدي قبعة في الخلفية، فمؤرخ فني وجامع مقتنيات ومحرر في جريدة الفنون الجميلة. والرجل الأصغر الذي يبدو أن إفروسي يتحدث إليه، والذي يرتدي معطفا بني اللون وقبعة، فمن المرجح أن يكون جولز لافورج، سكرتيره الشخصي وهو أيضا شاعر وناقد. وفي اللوحة أيضًا الممثلة إلين أندريه تشرب من كوب في وسط التكوين، ويجلس أمامها البارون راؤول باربييه، العمدة السابق لسايجون الاستعمارية.
ابنة المالك لويز ألفونسين فورنيز وشقيقها ألفونس فورنيز جونيور على هامش الحفلة، هما من أصحاب القوارب الشراعية التقليدية ويظهران على الجانب الأيسر من الصورة. وألفونسين هي المرأة المبتسمة المتكئة على الدرابزين، وألفونس الذي كان مسؤولاً عن تأجير القوارب، هو الشخص الموجود في أقصى اليسار.
كما يرتدي مجموعة شباب قبعات ويبدو أنهم أصدقاء رينوار المقربون؛ يوجين بيير ليسترينجز، وبول لوت، ورينوار نفسه. يصورهم الفنان وهم يغازلون الممثلة جين ساماري في الزاوية اليمنى العليا من اللوحة.
أما في المقدمة اليمنى، فيرتدي الفنان الكبير جوستاف كاليوبيت قميصا أبيض وقبعة مسطحة من القش بينما يجلس إلى الخلف على كرسيه بجوار الممثلة أنجيليه ليجولت، والصحفي الإيطالي أدريان ماجيولو.
الإضاءة والتكوين
في هذه اللوحة، التقط رينوار قدرًا كبيرًا من الضوء، الذي يركز الجزء الرئيسي منه على الفتحة الكبيرة في الشرفة، بجانب الرجل الذي يقف منفردًا شاغلا جزءا كبيرا من التكوين على يسار اللوحة، بينما يتخلل جزء آخر من الضوء الرجلين يمين التكوين، وينصب جزء كبير منه على المائدة.
يعمل قطرا الدرابزين على تحديد نصفي التكوين، أحدهما معبأ بشكل كثيف بالأشكال، والآخر فارغ تمامًا، باستثناء صورتي ابنة المالك لويز ألفونسين فورنيز وشقيقها ألفونس فورنيز جونيور.
استلهام
يُعتقد أن اللوحة تُظهر تأثير رسام عصر النهضة الإيطالي باولو فيرونيزي على أسلوب رينوار، وبالتحديد لوحة (The Wedding Feast at Cana)، عام 1563، والتي تعد إحدى لوحات فيرونيزي المفضلة لدى رينوار في متحف اللوفر، والتي تصور موضوع مأدبة مماثلة لهذه اللوحة، وإن كانت بتفاصيل وشخوص أكثر كثيرا.