على منصة التتويج استحضر محمد سمير ندا روح أبيه، مُستدعيًا كلمته التي قالها في مقر الاتحاد الاشتراكي منذ 56 عامًا: “إن تحرير الأرض مرهونٌ بتحرير العقل”، تجسّد المشهد أمامه فلم يتمالك دموعه، بينما تقطعت أنفاسه، خاتمًا كلمته القصيرة بعبارة: “تلك الجائزة لسمير ندا”.
لم يمرّ فوز محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في هدوء، فكلمته المؤثرة التي أخرجها من ثنايا روحه فجّرت ضجّة وأشعلت جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ رفضت بعض الآراء إلحاق اسم مصر بفوز صاحب رواية “صلاة القلق”، الذي جاء تأكيدًا على جودة الأدب المصري، بعد 17 عامًا من آخر فوزٍ لمصري بالجائزة، حين نالها يوسف زيدان في دورتها الثانية عام 2009.
فوز ندا بجائزة البوكر العربية لم يكن وليد اللحظة، بل تتويجًا لمسيرة طويلة من الدأب والإخلاص للثقافة العربية، فقد تربّى الكاتب في بيت يساري الهوى، يعشق عبد الناصر، وكان صوت الزعيم الذي سجّله والده -الأديب المصري الذي لمع نجمه في ستينيات القرن العشرين- على شرائط كاسيت أنيسهُ في سنوات غربته الطويلة، كما نشأ على حب أغاني عبد الحليم حافظ، صوت ثورة يوليو ونكستها، وفي بيت زاخرٍ بمكتبة ضخمة تضم صنوفًا متنوعة من الأدب والفنون.
الأب سمير ندا يحمل ابنه محمد
في ذلك البيت وُلد محمد (الابن الأوسط) عام 1978 في بغداد، ثاني محطات هجرة الأب مع أسرته، حيث فتح الطفل عينيه على الغربة، وتعلّم أول ما تعلّم معنى التشتت وغياب الوطن. بعد سنوات عادت الأسرة ثانية إلى مصر بين عامي 1984 و 1990، وفي هذا العام بالتحديد تعلم الصبي درسًا قاسيًا في موت الحُلم، حين غزت العراق الكويت في 2 أغسطس، يومها بكى الأب وقال: “اليوم مات جمال عبد الناصر”.
الأم سامية دياب تحمل ابنها محمد وبجوارها يقف زوجها سمير ندا
لا يزال ندا مُحتفظًا بتلك الذكرى حية في عقله، إذ أصبحت حجر أساسٍ في تشكيل هويته العروبية، يوضح ندا لـ”شهرزاد”:
“الحلم كان مشروخ بالطبع منذ النكسة، ثم تلقى ضربة جديدة بمعاهدة كامب ديفيد، لكن غزو الكويت كان الضربة القاصمة”
وعلى قدر ما يتفق الابن مع أبيه فيموت الحلم العروبي، إلا أنه يرى أن الهزيمة الحقيقية بدأت مع حرب 1948 (النكبة)، فهي في نظره بداية الانهيار التي لا تزال توابعه مستمرة حتى اليوم.
تابعونا غدًا في الحلقة الثانية من حوار مطول مع الكاتب المصري محمد سمير ندا الفائز بجائزة البوكر العربية لعام ٢٠٢٥.