في العالم الذي رسمه ريكاردو بيجليا حول إيدا براون، استحضر شخصية ألكسندرا تالستايا، ابنة أيقونة الأدب الروسي، التي غدت في الرواية بمثابة التجسيد الحي لقيم أبيها التي تأثر بها ريكاردو بيجليا. لم تكن ألكسندرا شخصية فاعلة في الأحداث، بل مثّلت حضورًا هائمًا لقيم أخلاقية وفكرية من إرث الأب. وقد حوّلها بيجليا في سرديّته الشاعرية إلى رمز للميراث الذي تحوّل إلى منفى شكلًا وموضوعًا.
الكاتب الأرجنتيني ريكاردو بيجليا
انتقلت إلى الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية رغمًا عنها، واختارت أن تمد يد المساعدة للمنفيين القادمين من الاتحاد السوفييتي. بدت ألكسندرا في هذا السياق كأنها تحمل لعنة لن تفارقها، ولزامًا عليها أن تمثّل وتدافع عن قيم عالمٍ لم يعد له وجود ولا يكترث بها. عظمة ألكسندرا ومأساتها في الآن نفسه تكمن في كونها صارت وصيّة على النقاء في عالم أقلّ ما يوصف به أنه ملوّث.
الكسندرا مع والدها ليف تالستوي
أُلقيت في المنفى بعد الثورة الروسية لتجد نفسها خارج السياق، بعيدًا عن وطنها، وهي في هذا شأنها شأن بطل رواية بيجليا “إيميليو رينزي”، المفكّر الأرجنتيني المغترب الذي يتأمّل الرأسمالية في حالة من العزلة الأخلاقية. هما في ذات الخندق، يحاربان في سبيل قيمٍ تكاد تتبخّر، يشاهدان تآكل الإيمان في مواجهة الغيم المطبق الذي أحاط بالحياة السياسية والشخصية.

بدا طيف شخصية ألكسندرا في الرواية كأنه حلٌّ سحري أتاح لبيجليا استحضار تقاليد ليف تالستوي حيّةً نشطة، لكن هذا الإرث ما لبث أن تحوّل إلى همٍّ ثقيل يعكس حجم التضحية المطلوبة في سبيل القيم الأخلاقية المطلقة. ثمنٌ باهظ في الحقيقة يتجلّى في أبسط صوره في الوحدة والعزلة، وحياةٍ محورها الواجب أكثر من الحرية. وهذا تحديدًا ما يمكن اعتباره التجسيد الحي لتراجيديا المثالية عند ريكاردو بيجليا، أو بعبارة أخرى، هو الميراث الروحي الذي تحوّل إلى معاناة.
شهرزاد

